تنصيب لولا في البرازيل: يوم للاحتفال بغياب بولسونارو

01 يناير 2023
لولا أثناء حفل تقديم وزراء حكومته، الخميس الماضي (أدريانو ماشادو/رويترز)
+ الخط -

لن يتسم حفل تنصيب الرئيس البرازيلي المنتخب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا "لولا"، اليوم الأحد، الذي يبدأ رسمياً ولايته الثالثة غير المتتالية، بقدر كبير من الاحتفالية، إلا أنه يوازيها ارتفاع حدّة التوجس والتحديات، فضلاً عن غياب الرئيس المنتهية ولايته جايير بولسونارو عن حفل التنصيب. وبحضور حوالي 120 وفداً رسمياً أجنبياً، من ضمنهم الوفد الأميركي الذي سترأسه وزيرة الداخلية ديب هالاند، ستشهد العاصمة البرازيلية برازيليا تنصيب لولا رئيساً.

ويغيب عن حفل التنصيب بولسونارو، الذي لم يعترف بهزيمته في الانتخابات التي أُجريت في اكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ غادر البلاد، مساء أول من أمس الجمعة، إلى فلوريدا في الولايات المتحدة، على متن طائرة تابعة للقوات الجوية. ونقلت عنه شبكة "سي أن أن البرازيل" قوله قبل سفره: "سأعود قريباً".

ويعني هذا الأمر أن بولسونارو سيغيب عن مراسم أداء لولا اليمين، ولن ينقل وشاح الرئاسة إليه، وفقاً للبروتوكولات، على أن يتولى نائبه، هاميلتون موراو، هذه المهمة بصفته "قائماً بأعمال الرئيس". وستكون هذه المرّة الأولى منذ 1985 التي يقرّر فيها رئيس برازيلي منتهية ولايته عدم إلباس خلفه الوشاح الرئاسي.

وسبق لبولسونارو أن توجه لأنصاره في بث مباشر على وسائل التواصل الاجتماعي، في أول خطاب مباشر منذ هزيمته بالانتخابات، بالقول "لن نرى العالم ينتهي في 1 يناير/كانون الثاني"، عندما يتولى لولا الرئاسة.

وتابع: "أمامنا مستقبل عظيم، خسرنا معركة لكننا لن نخسر الحرب"، من دون توضيح ذلك. وبدا بولسونارو في خطوة عدم تسليم السلطة مستنسخاً أسلوب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي غادر البيت الأبيض من دون تسليم السلطة إلى الرئيس المنتخب جو بايدن في 20 يناير/كانون الثاني 2021.

أما لولا، فيواجه في ولايته الرئاسية الثالثة عدداً كبيراً من التحديات. ومن بين ذلك، أن إدانة لولا السابقة بالفساد، والتي أدخل السجن بسببها، ستكون الأداة التي ستسّهل لخصومه مهاجمته، بعدما أصيب اليسار البرازيلي بـ"لطخة أبدية"، وهو موقف أصبح نصف البرازيليين على الأقل يتبنونه رسمياً، بل باتوا مستعدين ربما لإثارة الفوضى والذهاب بعيداً من أجله.

ويقول متابعون إن أي "خطوة ناقصة" لحكومة لولا، لا سيما في مجال الإنفاق، ستكون فرصة للانقضاض عليه من قبل خصومه، خصوصاً من اليمين المتطرف، وبحدّة أكبر عبر الشارع.

مخاوف أمنية عشية تنصيب لولا

وارتفعت حدّة المخاوف الأمنية قبل تنصيب البرازيل رئيسها اليساري، وازدادت حدة مع توقيف الشرطة البرازيلية قبل أيام أحد أنصار بولسونارو، وهو جورج واشنطن دي أوليفييرا سوسا، الذي حاول استخدام متفجرات لإثارة "الفوضى"، بحسب الإعلام المحلي.

وتمّ توقيف سوسا، بعدما كان وضع عبوة متفجرّة في شاحنة صهريج بالقرب من مطار برازيليا، وكان الهدف من ذلك، بحسب ما أكد للشرطة، "إثارة الفوضى" و"تدخل القوات المسلّحة" بهدف "تفادي إحلال الشيوعية في البرازيل".


أوقفت الشرطة  أحد أنصار بولسونارو الذي حاول استخدام متفجرات لإثارة الفوضى

وكتب فلافيو دينو، الذي سيتولى حقيبة العدل في حكومة لولا، على "تويتر"، أن هذه "الأحداث الخطيرة تثبت أن معسكر من يعرّفون عن أنفسهم بالقوميين بات بيئة حاضنة للإرهابيين". وكانت الفكرة، بحسب سوسا، تقضي بزرع عبوتين متفجرتين، على الأقل، في مواقع استراتيجية للتسبب بـ"إعلان حالة حصار في البلد، ثم بتدخل القوات المسلّحة".

واعتبر روبرت موغا، مؤسس مركز أبحاث "إيغارابي" ومقره ريو دي جانيرو، في حديث لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن كل ذلك "يشكّل تذكيراً بحجم الانقسام بين البرازيليين والنسبة الكبيرة لأولئك المعادين لإدارة لولا".

وحذّر موغا من "خطر أن يجرى تحشيدهم بشكل ملموس أكثر خلال العام المقبل، لا سيما إذا ما أقدمت الحكومة المقبلة على اتخاذ خطوات غير مدروسة"، ما سيسهّل الإيقاع بها برأيه.

وفي الأسبوع الأخير قبل التنصيب، واصل أنصار بولسونارو قطع الطرقات، وإقامة الاحتجاجات، ونصب خيامهم أمام ثكنات للجيش، وذلك منذ فوز لولا بفارق ضئيل عن الرئيس الشعبوي المنتهية ولايته في انتخابات الإعادة التي أجريت في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي (50.9 مقابل 49.1 في المائة).

وعثرت الشرطة في منزل سوسا، الذي دهمته، على كمية كبيرة من الأسلحة، وقال لها إنه "استلهم من كلمات" بولسونارو "شراء الأسلحة"، عندما ظلّ يردد الأخير أنه يجب على كل برازيلي حمل السلاح.

الكونغرس والمحكمة العليا وأدوات التطويع والمواجهة

ويعد هذا الانقسام الشعبي وتنامي العنف السياسي أكبر تحدٍ للرئيس المنتخب بعد تنصيبه، بالإضافة إلى اقتصاد يئن بسبب سنوات طويلة من سوء الإدارة، وضرورة اتخاذ الحكومة المقبلة إجراءات فورية لحماية غابات الأمازون.

والخطوة الأخيرة ستكون عاملاً مساعداً لكسب التأييد الدولي، لكنها ليست بالسهولة التي تأملها الإدارة الجديدة، نظراً إلى حجم التشريعات التي كان مرّرها بولسونارو، والتي شكّلت عبئاً وخطراً على البيئة، يحتاج وقتاً لترميمه.

وبحسب تعبير "واشنطن بوست" وقراءات تحليلية عدة أخرى، فإن انتصار لولا في المعركة الرئاسية قد يكون "الجزء الأسهل" من السباق في البرازيل بين معسكرين يزداد الانقسام بينهما عمقاً، على غرار الولايات المتحدة بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2016.

وستتجلى المعركة خصوصاً، في الكونغرس، حيث حصل حزب بولسونارو اليميني المتطرف، الحزب الليبرالي، على 99 مقعداً من أصل 513 مقعداً في الغرفة السفلى (النواب)، بعدما كان يحظى بـ77 مقعداً في المجلس السابق، فيما بات محور اليمين الداعم بشكل عام لبولسونارو يسيطر تقريباً على نصف هذه الغرفة.

وفي مجلس الشيوخ، يملك حزب بولسونارو 14 مقعداً وحزب لولا 8، من أصل 81 مقعداً، علماً أن وجوهاً يمينية عدة خارج "الليبرالي" تمكنت من كسب أو الاحتفاظ بمقعدها في انتخابات أكتوبر التي شهدت إعادة انتخاب ثلث "الشيوخ"، وهو ما توقع متابعون أن تنجم عنه معركة أيديولوجية شديدة مع اليسار خلال السنوات المقبلة.


وافق مجلس الشيوخ على تعديل دستوري يسمح لحكومة لولا بتجاوز حدود الإنفاق لتمويل برامج اجتماعية لعام واحد

لكن الرئيس البرازيلي المنتخب تمكّن، في 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي، من تحقيق أول انتصار له ولأجندته في الكونغرس، بعدما وافق مجلس الشيوخ على تعديل دستوري يسمح لحكومة لولا المرتقبة بتجاوز حدود الإنفاق لتمويل برامج اجتماعية لعام واحد فقط.

وحصل التعديل أيضاً على موافقة الغرفة السفلى، واستند لولا خلال مفاوضاته مع النواب إلى حكم صادر عن المحكمة العليا، قرّر أنه يمكن تمويل الحد الأدنى للمساعدات الاجتماعية من خلال "خطوط ائتمان غير عادية"، من دون الالتزام بسقف الإنفاق، وكان بإمكان لولا تمويل المساعدات حتى لو رفض النواب التعديل الدستوري.

لكن وجوهاً يمينية عدة رفعت الصوت، معتبرة أن الخطوة، وهي "طارئة" وكانت بدأت في نهاية عهد بولسونارو (الصيف الماضي، ولدواع انتخابية على الأرجح)، ستزيد من التضخم (الذي يلام عليه الإنفاق المالي المبالغ فيه بعهد بولسونارو) وسيدفع ثمنه الفقراء.

وفي قرار آخر، استهدف قضاة المحكمة ما يسمّى بـ"الميزانية السرّية"، التي سمحت للمشرعين البرازيليين بتحويل موارد الحكومة إلى مؤسسات أخرى في الدولة، من دون قدرة الحكومة على ممارسة الرقابة. ويحاول المشرعون المناورة للاحتفاظ ببعض امتيازاتهم، لكن المحكمة العليا منحت لولا حتى الآن قدرة أكبر للسيطرة على الإنفاق، ما يعني كذلك قدرة أكبر للسيطرة على الكونغرس.

وكان بولسونارو نفسه قد واجه في بداية عهده صعوبة في التعامل مع الكونغرس، الذي لطالما عرف أغلبية لأحزاب اليمين التي شكّلت قاعدة دعم لكل الرؤساء منذ الثمانينيات، بما فيها لحكومات العمّال. إذ بحسب مركز "الديمقراطية والمساعدة الانتخابية"، ومقره استوكهولم، فإن "ولاء الكونغرس للحكومة في البرازيل لا يعتمد فقط على الالتزام الأيديولوجي، بل على مواصلة توزيع المال من الحكومة للولايات والبلديات، ولكن عن طريق المشرّعين". وتسلّط جميع هذه المسائل الضوء في البلاد على دور المحكمة العليا، التي أصبح يراها خصوم الرئيس الجديد "أداة سياسية".

ولاء الكونغرس للحكومة في البرازيل لا يعتمد فقط على الالتزام الأيديولوجي، بل على مواصلة توزيع المال من الحكومة للولايات والبلديات، عن طريق المشرّعين

وفي تقرير نشر في صحيفة "وول ستريت جورنال" في 25 ديسمبر الماضي، كتبت ماري أناستازيا أوغرادي أن الرئيس الجديد يستعد ليس فقط لزيادة الإنفاق الاجتماعي، بل لفرملة الخصخصة، وتعديل إصلاحات صمّمت لمراقبة الفساد، بحسب قولها، ما يثير حفيظة "المعتدلين" الذين دعموه بالانتخابات.

واعتبرت أن رئيساً "وعد بالإنفاق على ذوقه لتحقيق الرخاء الاجتماعي ليس وحده ما يجب أن يخشاه البرازيليون، بل المحكمة العليا المؤلفة من 11 عضواً التي تتجاوز اختصاصاتها القضائية وتستهزئ بحكم القانون لأغراض سياسية ومن دون عواقب عليها".

واعتبرت الكاتبة، وهي مسؤولة عن صفحة "الأميركيتين" في صحيفة "وول ستريت جورنال"، في تقريرها الذي يحمل من دون شك موقفاً سياسياً، أنه "عندما تصبح المحكمة العليا حليفاً لسياسيين أيديولوجيين وفاسدين، فإن الديمقراطية في خطر كبير، وهو ما وصلت إليه البرازيل".

وفيما اعتبرت أن معظم البرازيليين يرفضون العنف، وأن القيادة في يمين البلاد أقرّت بفوز لولا، وأن القوات المسلّحة تبقى بشكل ثابت إلى جانب الدستور، فإن تسييس المحكمة العليا يبقى "جرحاً مفتوحاً بالنسبة لجمهور يسرع في فقدانه الثقة بمؤسسات بلاده"، مستندة بذلك إلى قرار المحكمة في 2019 الإفراج عن لولا بعد إدانته في 2017 بالفساد وكشف القضاء عن أكبر صفقة فساد أدارها حزب العمّال. ورأت أن الأدلة ضد لولا كانت "متينة".

وأشارت الكاتبة إلى أن "لولا سياسي محنك وسيعيد تشكيل شبكة متعددة الأحزاب، ستسمح له بالعمل كما يشاء طالما أنه يشملهم بالعمل"، معتبرة أن "كل المؤشرات تقود إلى أن المحكمة العليا ستكون مستعدة لمساعدته، باستخدام سلطتها، بما فيها خطر المحاكمات الجنائية والضغط على المشرعين الذين يترددون في التعاون".

وربما أكثر ما يخشاه الرئيس السابق لمصرف البرازيل المركزي، أرمينيو فراغا، في هذا الخصوص، "التأثير على الوضع المالي"، متخوفاً من "سياسات ضريبية اختبرت في السابق ولم تكن جيدة"، بحسب ما قال لموقع "بلومبيرغ".

ويرث لولا عن سلفه فوضى مالية، ففي عهد بولسونارو، أدّت القيود على الرسوم الضريبية المفروضة على الغاز الطبيعي والكهرباء والوقود إلى جعل خزائن الدولة في حالة قحط، فيما قد تؤدي فورة في الإنفاق، على غرار ما حصل في البرازيل في بداية الألفية الثالثة، إلى تعميق الأزمة المالية.

يذكر أن لولا كان قد أنهى، يوم الخميس الماضي، تشكيل حكومته بتعيين عدد من الوزراء، من بينهم مارينا سيلفا التي كُلّفت حقيبة البيئة وسونيا غواغارارا التي أصبحت وزيرة للشعوب الأصلية. وجرت مشاورات طويلة لتشكيل هذه الحكومة الواسعة التي تتألف من 37 حقيبة، بينها 11 تسلّمتها سيدات، مقابل 23 وزارة في عهد بولسونارو، تسلّمت سيدتان فقط فيها حقيبة وزارية. وعيّن لولا السناتورة عن يمين الوسط سيمون تيبيت وزيرة للتخطيط، وفرناندو حدّاد المقرب منه وزيراً للمالية، وفلافيو دينو للعدل.

(العربي الجديد)

المساهمون