قبل مئة سنة، وبالضبط في 1919، وضع المؤلف الأميركي جون ريد كتابه الشهير "عشرة أيام هزت العالم"، شرح فيه أحداث الثورة البلشفية بين 16 و26 أكتوبر/تشرين الأول عام 1917. ما يجري في أميركا اليوم يصلح كعنوان مشابه لكتاب من هذا النوع. فالمؤرخون مثل ريد لا بد وأن يدرجوه في مثل هذه الخانة، على الرغم من الفارق الكبير بين طبيعة الحدثين السوفياتي والأميركي وحجميهما وأبعادهما المحلية والدولية. فكلاهما تاريخي بامتياز وانقلابي وذو آثار نوعية ونسبياً وازنة، وحصل في أهم عاصمتين، فضلاً عن أنه اعتمد القوة وسيلةً للتغيير ولو بمقادير وخلفيات ونتائج مختلفة.
مع ذلك، ما حصل في الكونغرس قبل 4 أيام لا يقل عن هزّة من الصنف المدمّر، لم يحدث مثلها حتى في أوج الحرب الأهلية الأميركية. تسببت بأضرار وخسائر وجروح عميقة في بنية النظام، يصعب محوها في المدى المنظور، خصوصاً لو بقيت الظاهرة الترامبية حاضرة وفاعلة في الساحة بعد نهاية رئاسته. وهذا مرهون في جزء منه بما ستحمله الأيام العشرة الباقية من رئاسة دونالد ترامب، حيث يبدو كل شيء فيها على كف عفريت.
غداً الاثنين، من المتوقع أن تطرح رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي مشروع قرار على المجلس لعزل الرئيس ترامب. الإجراء هذه المرة عاجل تحت ضغط الوقت، بحيث ينوي الديمقراطيون اختصار إجراءاته والبتّ به في غضون يومين أو ثلاثة، تنتهي بالتصويت عليه بالموافقة بحكم أنهم الأكثرية، يوم الثلاثاء أو الأربعاء. في المقابل، ما زالت المحاولات جارية لإقناع الرئيس بالاستقالة، بحيث يعفي نفسه من إدانة مؤكدة في مجلس النواب للمرة الثانية في غضون سنة، ولو أن مجلس الشيوخ ذا الأكثرية الجمهورية قد لا يذهب إلى حدّ إصدار الحكم بعزله. لزيادة الضغط في هذا الاتجاه، يواصل نائب الرئيس مايك بنس المقطوعة علاقته كلياً مع ترامب منذ يوم الأربعاء، التلويح بورقة التنحية التي يملكها استناداً إلى التعديل الخامس والعشرين للدستور الذي يخوّله حق مفاتحة أركان الادارة والعمل على استمالتهم، لتبني موقف صريح بأن الرئيس لم يعد مؤهلاً للقيام بمهام الرئاسة، وبالتالي إبلاغ الكونغرس لاتخاذ قرار التنحية الذي يلزمه تصويت ثلثي مجلسي النواب والشيوخ.
قد يجري التعويض عن خطوة عزل ترامب بتدبير أو قرار من الكونغرس بمنعه من دخول الميدان السياسي بعد الآن
هو أي بنس، يمرّر إشارات ولو متضاربة في هذا الخصوص، علّها تساعد في تعزيز خيار الاستقالة. تصبّ في هذه المحاولة إشارات أخرى صادرة عن عدد متزايد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين أعلنوا صراحة أن الرئيس ارتكب "جريمة تستحق العزل". تعبير ردّده اليوم كل من السيناتور بات تومي وحاكم ولاية نيوجرسي السابق والمقرب – الحليف من ترامب كريس كريستي. حتى الآن، لا التزام جمهورياً بالتصويت لعزله. لكن الأجواء محتقنة جداً ضده، وثمة صحوة غير مسبوقة في صفوفهم، ليس فقط للابتعاد عن ترامب بل أيضاً لمواجهته.
لكن مع ذلك، ما زالت نبرة التمهل غالبة لدى معظم الجمهوريين الذين بدأوا يدعون إلى العودة لحالة "التعافي" والسكينة. يسير هذا الخطاب بالترافق مع السعي لنهي الديمقراطيين عن خطوة العزل لئلا تلهب مشاعر قاعدة الرئيس وتعطيه مادة لاستنفارها مجدداً. لاسيما وأن وسائل التواصل الاجتماعي حافلة بالتوعد بـ"هجمات" أخرى قادمة كالتي وقعت يوم الأربعاء الماضي.
لاستباق وتنفيس ردود فعل من هذا النوع، تقول مصادر الكونغرس إن محاولات جرت مع بيلوسي لتأجيل إحالة قرار العزل إلى مجلس الشيوخ لغاية 19 الجاري، أي قبل يوم من تسلّم جو بايدن زمام الرئاسة، أو ربما إلى "ما بعد مرور المئة يوم الأولى" من رئاسة بايدن، حسب النائب جيمس كلايبورن، الرجل رقم 3 في مجلس. وهناك سابقة من هذا النوع، حيث جرت محاكمة وزير الحرب عام 1876 بعد استقالته بسبب مخالفة ارتكبها. حسب الدستور، على الشيوخ المباشرة "بسرعة" بالمحاكمة بعد تسلّمه القرار.
كلّ هذه المناورات والسيناريوهات محاولة لتجاوز الأيام العشرة القادمة المفخخة. وحسب وجهة المداولات، ليس من المتوقع عزل الرئيس ترامب قبل نهاية رئاسته، مع احتمال ضئيل لحمله على الاستقالة، ولو أنه يُستبعَد إقدامه على مثل هذه الخطوة تحت أي ظرف من الظروف.
الصورة ملبّدة، والأولوية الآن لتبريد الغليان والعبور إلى ضفة "شيء من الاعتيادي" بحكم قرب انتقال السلطة، مع تسجيل الديمقراطيين لخطوة العزل وإن غير المكتمل، والتي قد يجري التعويض عنها بتدبير أو قرار من الكونغرس بمنع ترامب من دخول الميدان السياسي بعد الآن.