الإشارات التي صدرت، أمس الثلاثاء، عن أكثر من جهة أميركية تحمل على الاعتقاد بأنّ الجلوس إلى طاولة التفاوض حول الاتفاق النووي الإيراني قد لا يتأخر كما كان التصور. وقد انطوت كلها على تلميحات بهذا المعنى، كادت أن تكون منطوقة. كذلك فإنها جاءت بصيغة تفيد بأنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مستعجلة هي الأخرى على فتح هذا الملف لحسابات كثيرة، منها الإثبات أنها عادت كما وعدت إلى الدبلوماسية لمعالجة الأزمات والقضايا الدولية الضاغطة، وأنها تقوم بذلك بالشراكة مع حلفائها، وخاصة الأوروبيين.
أبلغ إشارة في هذا الخصوص صدرت عن السناتور الديمقراطي كريس مورفي، الذي قال إنّ "رفع بعض العقوبات عن إيران ليس فكرة سيئة، لفتح طريق المحادثات" بين واشنطن وطهران. لأول مرة يتحدث مسؤول أميركي من حزب الرئيس بهذه الصراحة عن الاستعداد لملاقاة طهران في منتصف الطريق، من خلال تلبية شيء من شرط عودتها.
السناتور لم يكن ليتبرع بمثل هذا التسويغ، لو لم يكن على معرفة بأجواء البيت الأبيض، بل لو لم يكن قد حصل على الضوء الأخضر من الرئيس، كجسّ نبض، كما للإيحاء بأنّ مثل هذه الخطوة "لها تغطية "في الكونغرس الذي أجرت الإدارة معه مشاورات تناولت، على ما يبدو، موضوع العقوبات واحتمال تخفيفها لدفع إيران إلى الطاولة. وجاء تحرك بعض الجمهوريين ضد رفع العقوبات ليعزز الاعتقاد بأنّ الإدارة تعمل في هذا الاتجاه. وانضم إليهم وزير الخارجية السابق مايك بومبيو الذي اتهم، أمس الثلاثاء، في تصريح له، إدارة بايدن "بتقويض سياسة ترامب" المتعلقة بالعقوبات، وأنها "تجري اتصالات مع الوزير جواد ظريف".
وازدادت الشبهات عندما تهرّب المتحدث الرسمي في الخارجية نيد برايس، أمس الثلاثاء، من الرّد على سؤال عن تأكيد وزارة الخارجية الكورية الجنوبية أنها توصلت إلى اتفاق مبدئي (لكن تنفيذه مرهون بموافقة واشنطن) مع إيران بشأن فكّ الحجز عن أموالها النفطية لديها، بسبب العقوبات الأميركية. المعروف أن الاتفاق، حتى المبدئي في مثل هذه الحالة، غير وارد في ظل العقوبات من غير ضوء أميركي مبدئي. مع ذلك، قال برايس: "لا نعلّق على هذا الأمر، لأنه لم يحصل تحويل أموال" إلى إيران، لكن من غير نفي الكلام الكوري الجنوبي عن الاتفاق. وهذا دليل آخر على الحلحلة الجارية بشأن العقوبات.
واللافت في أجوبة المتحدث أنها خلت إلا من الجزرة حتى عند تعليقه على ما جاء في تقرير وكالة الطاقة الدولية بأنّ إيران قد تكون محتفظة بمواد نووية في مكان سري، وبقرارها المضي بالتضييق على المفتشين الدوليين، حيث اكتفى نيد برايس بالقول إنّ الادارة تمنح دعمها التام لمدير الوكالة في جهوده لتطبيق مهمة التفتيش، مع "تأكيد ضرورة تعاون إيران مع الوكالة".
وكررت الخارجية دعوتها لإيران التي "تسير في الاتجاه الخطأ" إلى استئناف "تطبيقها التام" لاتفاق 2015 مقابل "المعاملة بالمثل"، على أن يكون هذا التبادل نقطة البداية لتفاوض على صفقة جديدة "أقوى وأطول تشمل نفوذ إيران الشرير، بما في ذلك برنامجها الصاروخي". ولم يكن من غير مدلول أن ينأى المتحدث عن ذكر موضوع العقوبات، فضلاً عن تأكيد التمسك به، في أجوبته عن الأسئلة الخمسة التي طرحت حول النووي الايراني.
هذه الخطوط رددها وزير الخارجية أنتوني بلينكن أكثر من مرة كغطاء أو إطار لتفاوض بدأ المبعوث الخاص روبرت مولي بدعم من مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان، بالعمل على وضعها في حيز التنفيذ من خلال شقّ ممرّ عبر عقدة العقوبات يسمح بمباشرة التفاوض على المفاوضات. محاولة قد تكون ميسورة في لحظة يطغى فيها الاهتمام بهموم الداخل وبالتحديد صراعاته السياسية، وعلى رأسها حروب الحزب الجمهوري مع حاله وما يوفره ذلك من فسحة خارجية للرئيس بايدن.