شهدت العاصمة الأفغانية كابول مجموعة من التطورات الأمنية أخيراً، أبرزها الهجوم الانتحاري، الأحد الماضي، على مصلى، خلال مراسم عزاء والدة الناطق باسم حركة "طالبان" ووكيل وزارة الثقافة والإعلام ذبيح الله مجاهد، ما أدى إلى مقتل 12 شخصاً وإصابة 32. وكما كان متوقعاً تبنى تنظيم "داعش" المسؤولية عن الهجوم.
وسارعت "طالبان" للرد، عبر شن عملية ضد "داعش" في شمال كابول، أدت إلى القضاء على خلية للتنظيم، عبر تدمير منزل، ما أسفر عن مقتل رجال ونساء وأطفال. كما فككت أخرى، عبر إعلانها اعتقال 11 شخصاً غرب العاصمة.
حذر محمد أنس باركزاي من إمكانية وجود أرضية فكرية لداعش
وفي حين كشف مجاهد، أمس الأول، أن وحدة خاصة من "طالبان" شنت، مساء الأحد الماضي، عملية ضد عناصر "داعش" في الحي 17 شمال كابول، فإن ما حصل كان أكبر من ذلك، إذ إن سكاناً في العاصمة تحدثوا عن وقوع اشتباكات في عدة مناطق. وقال محمد مجتبى خان، الذي يسكن منطقة خيرخانه التي أعلنت الحركة وقوع اشتباكات فيها مع عناصر التنظيم، إن "المواجهات وقعت في عدة مناطق، منها خيرخانه وكارزمير شمال كابول"، مؤكداً أن "المواجهات كانت عنيفة واستمرت لساعات". وأوضح أنه "بالإضافة إلى التعتيم الكامل، فقد منعت طالبان سكان المنطقة التي وقعت فيها العملية من الحديث مع الإعلاميين".
وحول وجود "داعش" ونشاطه المكثف في كابول تحديداً، اعتبر المحلل السياسي الأفغاني محمد أنس باركزاي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الهجمات الأخيرة ضد طالبان في كابول قد تكون مقدمة لتصبح العاصمة في المستقبل منطقة صراع بين الحركة والتنظيم، وهو أمر خطير". وقال إن "استخبارات (دول) المنطقة تسعى للعب بطاقات مختلفة ضد طالبان، أبرزها داعش". وحذر من إمكانية وجود أرضية فكرية وعقائدية في كابول وأقاليم ننغرهار، وكنر ونورستان شرق البلاد، للترويج للتنظيم ضد "طالبان"، كما أن الفقر والوضع الاقتصادي عمومًا قد يجبر الكثير من الشباب على الانضمام إلى "داعش". ولا يستبعد باركزاي أن "تحرك أميركا أيضاً، من خلال استخبارات المنطقة، داعش ضد طالبان مستقبلًا، إذا لم تقم الحركة بتلبية مطالب أميركا والمجتمع الدولي". واعتبر أن "سلوك طالبان قد يقوي داعش مستقبلاً أيضاً، لأن الإعدامات الأخيرة لشباب سلفيين في الشرق، قد تثير امتعاض شريحة كبيرة من الشباب، خصوصاً المنتمين إلى الفكر السلفي، ما يشجعهم على الانضمام إلى التنظيم".
هذا الأمر أكده الزعيم القبلي في تورا بورا شرقي أفغانستان أحمد خان خدر خيل، مشيراً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هناك أجواء من الخوف في المناطق الشرقية، إذ لا نخرج في الصباح إلى حدائق (يشير إلى حدائق الزيتون وأنواع مختلفة من الأشجار) المنطقة، إلا ونعثر على جثث شباب مشنوقين من قبل طالبان، وعلى صدورهم أوراق صغيرة كتب عليها أنهم من الخوارج والدواعش". وأوضح أن "تصرفات طالبان الأخيرة جعلت معظم المنتمين إلى داعش، أو الفكر السلفي بشكل عام، يفرون من مدينة جلال أباد وضواحيها، وحتى منطقة تورا بورا المعروفة بأنها عاصمة التنظيم، واللجوء إلى جبال كنر، حيث الغالبية من أبناء الفكر السلفي". وأكد أن "هؤلاء لم يكونوا منتمين إلى داعش"، لكنه حذر من أن "إعدامات طالبان قد تؤدي بهم للانضواء في داعش من أجل الانتقام منها".
لكن ندا محمد، الذي عينته "طالبان" مسؤولاً أمنياً عن ننغرهار، قلل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من خطر "داعش"، مؤكداً أن "ننغرهار ولاية مهمة، وكان هناك أنشطة استخباراتية لجهات مختلفة قبل سيطرة طالبان عليها". وأضاف أنه "عندما سيطرت طالبان على الولاية بدأت استخبارات المنطقة بتحريك كل البطاقات، منها داعش، لكن طالبان لديها خطة قوية للقضاء عليهم، وقد تمكنت من القضاء على قوتهم بنسبة 90 في المائة، والباقي إما سيفر من المنطقة أو يقتل".
سنكر وزير: الأجواء الداخلية والدولية مهيأة تماماً لينمو داعش
وفيما تجمع العديد من الآراء على أن لإسلام أباد، وخصوصاً استخباراتها العسكرية، تأثيرا كبيرا في شرق أفغانستان وأنها تمتلك العديد من أوراق الضغط على طالبان أفغانستان، خصوصاً بعد رفض الأخيرة القضاء على عناصر طالبان باكستان، أوضح المحلل العسكري الأفغاني سنكر وزير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "طبيعة حركة طالبان تؤكد أنها لن ترضخ بشكل كلي لمطالب باكستان". وقال: "هناك حساسية كبيرة إزاء السياسة الباكستانية تجاه أفغانستان، خاصة لدى جيل الشباب في طالبان الأفغانية. وبالتالي باكستان غير راضية عما حدث في أفغانستان، وهي ستحافظ على بعض البطاقات في يدها، منها داعش وتنظيمات مسلحة أخرى، كجيش طيبة وحركة المجاهدين وغيرها".
وحول ما إذا كان اعتبار حركة "طالبان" والمجتمع الدولي لتنظيم "داعش" عدواً مشتركاً سيقرب بينهما، قال سنكر وزير: "لا أظن أن داعش يشكل في الوقت الحالي خطراً كبيراً على المجتمع الدولي، ما دامت طالبان تواجهه. كما أن أميركا ودول المنطقة وقوى العالم لم تعتمد حتى الآن على طالبان". واعتبر أن "الأجواء، الداخلية والدولية، مهيأة تماماً لينمو داعش، فطالبان رسبت حتى الآن في لم شمل الشعب الأفغاني. كما أن الوضع المعيشي والاقتصادي قد يدفع الكثيرين للانضمام إلى تنظيمات مناوئة لها، ما يشير إلى أن طالبان، بتصرفاتها الأخيرة، فتحت على نفسها جبهات متعددة، ومن ذلك قتل عالم الدين الشهير وأحد رموز السلفية أبو عبيد الله متوكل بعد اعتقاله في كابول (في 5 سبتمبر/أيلول الماضي)، ثم الإعدامات المتكررة. وكذا تعاملها مع الإثنيات الأخرى، تحديداً الطاجيك والهزارة. كل ذلك قد يؤدي إلى فتح جبهات قوية وجديدة في كابول والولايات ضد حركة طالبان، ولعل الأحداث الأمنية الأخيرة توحي بذلك". وكشفت منظمة العفو الدولية، أمس الثلاثاء، أن قوات "طالبان" قتلت خارج نطاق القضاء 13 من عرقية الهزارة، معظمهم من الجنود الأفغان الذين استسلموا لها، في قرية كاهور بإقليم دايكندي وسط البلاد في 30 أغسطس/آب الماضي.
إلى ذلك، التقى المبعوث الخاص لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، سايمون غاس بقادة حركة "طالبان" في أفغانستان. وذكرت وزارة الخارجية البريطانية، في بيان، أن غاس اجتمع مع قادة من "طالبان"، منهم وزير الخارجية أمير خان متقي ونائب رئيس الوزراء الملا عبد الغني برادر، لبحث سبل مساعدة بريطانيا لأفغانستان في معالجة الأزمة الإنسانية، وضرورة استمرار المرور الآمن لأولئك الذين يريدون مغادرة البلاد. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقال إنه يريد من مجموعة العشرين أن تضع شروطاً للاعتراف بطالبان. وقال ماكرون، في مقابلة إذاعية، أمس الثلاثاء، إن هذه الشروط يجب أن تشمل تحقيق المساواة للنساء والسماح بالعمليات الإنسانية الأجنبية ووقف التعاون مع الجماعات الإرهابية. وتابع: "أعتقد أن الاعتراف الدولي يجب أن يكون له ثمن، وكرامة المرأة الأفغانية والمساواة بين النساء والرجال يجب أن تكون واحدة من النقاط التي يتعين التأكيد عليها.