05 أكتوبر 2022
+ الخط -

ركزت الوثائق على وصف الحالة المعنوية المنهارة لقيادات إسرائيل

خشي دايان أن تسترد القوات السورية هضبة الجولان

تبادل الإسرائيليون الاتهامات لتبرئة ساحتهم من المسؤولية

حذر موشيه دايان من فتح جبهة شرقية عبر الأردن والعراق

9 أكتوبر، رئيس الأركان: لو عرضوا اتفاقاً لوقف إطلاق النار لوافقت

بات موعد "يوم الغفران" اليهودي سنوياً مناسبة متجددة لكشف المزيد من خبايا وأسرار حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، إذ نشرت صحيفة إسرائيلية، يوم الثلاثاء، وثائق تعود لمكتب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، تكشف حالة اليأس والكآبة التي عانت منها القوات الإسرائيلية أثناء تلك الحرب.

تُعرف حرب عام 1973 باسمها المصري "حرب أكتوبر"، و"حرب رمضان"، وباسمها الإسرائيلي حرب "يوم الغفران" لاندلاعها في يوم الغفران اليهودي، الذي تعطلت فيه كل مناحي الحياة اليهودية، والتي فاجأت فيها مصرُ وسوريةُ إسرائيلَ، وأخذتها على حين غرّة، إلى أن تمكنت من قلب موازين الحرب بعد سلسلة من العمليات العسكرية، أبرزها تمكن أريئيل شارون من عبور القناة والالتفاف على القوات المصرية، وبدء الجسر الجوي والبحري من الإمدادات العسكرية الأميركية لإسرائيل.

وكانت الوثائق التي كشف عنها في السنوات السابقة قد ركزت على مسألة عنصر المفاجأة المصرية، وفشل القيادة الإسرائيلية في قراءة وتحليل الإنذارات التي وصلتها عن ساعة الصفر، وعدم تصديق القيادة العسكرية، ولا سيما رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية إيلي زعيرا، للتحذيرات التي أرسلها رئيس الموساد الإسرائيلي تسفي زامير، من لندن بعد لقاء عاجل له مع أشرف مروان، صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، إلى جانب الكشف أيضاً في العام الماضي، عن عميل آخر في صفوف الجيش المصري، أرسل هو الآخر تحذيراً مشابهاً.

وفي الوثائق التي تم الكشف عنها هذا العام، ونشرتها صحيفة "هآرتس"، يوم الثلاثاء، تم التركيز على وصف الحالة المعنوية للقيادات الإسرائيلية العسكرية؛ قائد الجيش دافيد إلعازار، وقائد المنطقة الجنوبية شموئيل غونين، وقائد الجبهة الشمالية إسحاق حوفي، وجملة من القيادات السياسية، بدءاً برئيسة الحكومة غولدا مائير، مروراً بوزير الأمن موشيه دايان.

الأيام الأولى للحرب: يأس وإحباط وتشاؤم 

ووفقاً للوثائق التي اعتمدت على ما سجل في غرفة قيادة الحرب، في السجل اليومي لمدير مكتب رئيس أركان الجيش، أفنير شاليف، فإن حالة التشاؤم الشديد والسوداوية واليأس والإحباط والذعر انتابتهم في الأيام الأولى من الحرب.

وهذه الحالة، بحسب الوثائق، سادت غرفة قيادة العمليات، مصحوبة باقتراحات يائسة، تبدأ باقتراح كسر سورية واستهداف دمشق، وتمر بفصل رؤوس العرب عن أجسادهم، وذبح المصريين، وحتى اقتراح غولدا مائير السفر إلى واشنطن وطلب تدخل الرئيس الأميركي، آنداك، ريتشارد نيكسون، لتقديم السلاح والجنود للدفاع عن إسرائيل، وصولاً إلى إعلان رئيس الأركان استعداده للقبول بوقف إطلاق النار.

وبحسب ما ذكره موقع "هآرتس"، فإن المصطلحات التي تم تداولها في غرفة قيادة الحرب بدأت بكلمات مثل "كارثة، هزيمة، حرب على أرض إسرائيل"، وانتهت بالاقتراحات المذكورة آنفاً بشأن الرد الواجب القيام به.

وتصف يوميات مدير مكتب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي خلال الحرب، الوضع على الجبهتين الشمالية والجنوبية بأنه "سيئ، وسيئ للغاية"، وفق الاقتباس المؤرخ بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول، والمنسوب لنائب رئيس أركان الجيش يسرائيل طال.
 
وعلى الجبهة الشمالية تحديداً ارتعدت فرائص "حوكا"، الذي لم تعد ركبتاه تحملانه، وفق التعبير الذي استخدمه وزير الدفاع موشيه دايان لوصف حالة قائد المنطقة الشمالية في الجيش إسحاق حوفي.

ويتضح من الوثائق، أن دايان خشي في الأيام الأولى للحرب، أن تسترد القوات السورية هضبة الجولان التي كانت إسرائيل احتلتها في حرب يونيو/حزيران عام 1967.

وخلافاً لحالة غرفة القيادة في حرب يونيو/حزيران 1967؛ يشير تقرير "هآرتس"، إلى أن قادة الجيش بدأوا منذ الأيام الأولى للحرب بتوجيه الملاحظات والرسائل الهادفة لتبرئة ساحتهم من الهزيمة التي توقعوها، قاذفين بالمسؤولية على من كانوا في ميادين القتال، مثل ملاحظة دايان المشار إليها أعلاه، بشأن حالة الخوف التي أصابت قائد المنطقة الشمالية في جبهة الجولان، وأقوال لرئيس أركان الجيش، دافيد إلعازار، الذي قال للموجودين: "أنا أصدر الأوامر، لكنهم في الميدان لا يطبقونها".

كما استبق إلعازار نهاية الحرب بالتمهيد لإلقاء المسؤولية على قائد المنطقة الجنوبية شموئيل غونين (المعروف إسرائيلياً بلقب غورديش)، متهماً إياه بأنه لا يملك صورة حقيقية عمّا يحدث، وبالفعل كان غورديش أبرز من دفع ثمن الحرب، حيث أقيل من الجيش بعد الحرب، وفق توصيات "لجنة أغرنات"، التي حققت في سبب الفشل الإسرائيلي في الحرب.

شارون لا ينصاع للأوامر

ويورد التقرير أيضاً تصريحات لرئيس الأركان ضد أريئيل شارون، الذي خرج من الحرب باعتباره البطل الإسرائيلي، خصوصاً وقد اشتهر بصورة له بعد إصابته وعودته للقتال ورأسه لا يزال معصوباً.

وكان شارون معروفاً بعدم انصياعه للأوامر، وفي هذا الباب يشير سجل يوميات مدير مكتب رئيس أركان الجيش، إلى انتقادات رئيس الأركان لشارون الذي قاد الكتيبة 143، ونفّذ عبرها عملية اجتياز القناة، معلناً عزمه تقديم شارون بعد الحرب لمحاكمة عسكرية وطرده من الجيش. 

لكن التقرير يكشف أيضاً ما اعتبر أهم العبر الإسرائيلية في الحروب المقبلة والمنسوبة لموشيه دايان في غرفة قيادة عمليات الحرب، عندما قال دايان: "هذه الحرب ستكون آخر حرب في الحياة لا يتلقى فيها العرب هجوماً استباقياً".

9 أكتوبر: ميزان القوى في غير صالحنا

وتدل الوثائق على حالة اليأس لدى رئيس أركان الجيش في التاسع من أكتوبر، أي ثالث أيام الحرب، حيث يقول: "ميزان القوى في غير صالحنا بشكل خطير للغاية، إنهم يعيدون ترتيب صفوفهم وسيقضموننا".

وفي ظل هذه الأجواء السائدة في غرفة قيادة الحرب، طُرحت أفكار مختلفة للخروج من الورطة، منها عرض رئيس أركان الجيش القاضي بـ"مهاجمة دمشق وضربها بقوة حتى يطلبوا وقف إطلاق نار، وإذا رفضوا سنكسر سورية"، أما دايان فاقترح "ذبحهم" في سياق السوريين، و"الذبح بدم بارد" في إشارة للمصريين.

ووفقاً للوثائق، فقد أصيب دايان بحالة هلع، وقال إن "هذه الحرب هي حرب "على أرض إسرائيل"، مطالباً بتغيير القادة الميدانيين وجلب جنود يهود من العالم، وتدريب مسنين وصغار في السن للقتال.

لكن الذروة في ما تكشفه هذه اليوميات، هي "الفكرة المجنونة"، بحسب تعبير الموقع، التي طرحتها غولدا مائير، في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول؛ وهي القيام بزيارة سرية للولايات المتحدة ولقاء الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، لمطالبته بتزويد إسرائيل وبسرعة بالعتاد والسلاح، وأن يعطوا إسرائيل دعماً وسلاحاً كما لو كانت ساحة القتال ساحتهم، ساحة للجيش الأميركي ليقدموا كل ما يلزم.

وفي ذلك اليوم، أعرب رئيس الأركان الإسرائيلي عن أمله بالتوصل لوقف لإطلاق نار، معترفاً بأنه "يشك بإمكانية إنهاء الحرب دون خسارة أراضٍ، وأنه في حال عرضوا اتفاقاً لوقف إطلاق النار لوافقت".

من جانبه، حذر موشيه دايان من فتح جبهة شرقية، يقوم بها الأردن والعراق.

ووفقاً للتقرير والوثائق التي كشف عنها، فإن التغيير حدث لأول مرة في 11 أكتوبر/تشرين الأول، حيث سجلت أول تصريحات متفائلة على ضوء "تحقيق نتائج رائعة على الجبهة الجنوبية"، و"وضعنا على الجبهة الشمالية جيد إلى جيد جداً".

وتعززت التصريحات الإيجابية في 14 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب سجل يوميات مدير مكتب رئيس أركان الجيش، حيث وردت عبارة: "الوضع في الجنوب جيد جداً ورائع".