تغيير واقع الضفة الغربية يسير بوتيرة متسارعة

13 سبتمبر 2024
نتنياهو وسموتريتش في وزارة الأمن، تل أبيب، 7 يناير 2024 (رونين زفولون/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تصعيد التوتر في الضفة الغربية**: تحذر المؤسسة العسكرية وأجهزة المخابرات في إسرائيل من أن سياسات وتصرفات أعضاء الحكومة الإسرائيلية، مثل اقتحامات المسجد الأقصى وتوسيع الاستيطان، تؤجج التوتر في الضفة الغربية المحتلة.

- **خطة الحسم وتغيير الواقع**: الحكومة الإسرائيلية تطبق "خطة الحسم" لفرض سيطرة كاملة على الضفة الغربية ومنع إقامة دولة فلسطينية، من خلال خطوات مثل انتزاع السيطرة من الجيش وتسليمها لموظفين مدنيين.

- **دعم الاستيطان والإجماع السياسي**: جميع الأحزاب الإسرائيلية، باستثناء حزب ميرتس، ترفض إقامة دولة فلسطينية وتدعم توسيع المستوطنات، مما يسهل تنفيذ سياسات اليمين المتطرف رغم التحذيرات الأمنية.

لا تنفك المؤسسة العسكرية وأجهزة المخابرات في إسرائيل عن الادعاء أن تصريحات وتصرفات أعضاء في الحكومة الإسرائيلية تؤجج التوتر في الضفة الغربية المحتلة، ويمكن أن تؤدي إلى اشتعالها. وتشير تحديداً إلى اقتحامات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وأتباعه للمسجد الأقصى وتنفيذ طقوس دينية يهودية، وسياسات وزير المالية والوزير في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش تجاه الضفة الغربية، منها توسيع الاستيطان ودعم عنف المستوطنين، والتضييق على الفلسطينيين وعلى السلطة الفلسطينية والعمل على ضرب مكانتها وقدرتها.

تغيير الواقع في الضفة الغربية

يبدو أن أخطر ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية حالياً في مناطق الضفة الغربية هو تطبيق غير معلن لـ"خطة الحسم" التي أطلقها سموتريتش عام 2017، وتقضي بترجمة قناعة تيارات الصهيونية الدينية بأن دولة إسرائيل يجب أن تشمل كافة مناطق فلسطين التاريخية، أو كما تسميها هي بأرض إسرائيل الكاملة. ولا يمكن وفق هذه القناعة أن تكون بين النهر والبحر سوى دولة واحدة هي الدولة اليهودية، وسط فرض واقع ميداني يمنع أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية، وإرغام الفلسطينيين على القبول بهذا الواقع للبقاء في بلداتهم. لا يخفي سموتريتش عمله لترجمة هذا المشروع على أرض الواقع وبشكل يومي، بل يتباهى بذلك، مستغلاً منصبه كوزير في وزارة الأمن المسؤولة عن الإدارة المدنية في الضفة الغربية. ففي يونيو/ حزيران الماضي، تم الكشف عن تسجيل صوتي لسموتريتش (حصلت عليه صحيفة نيويورك تايمز الأميركية)، في لقاء مع مجموعات من المستوطنين، يشرح فيه بإسهاب خطته لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية وإجهاض أي محاولة لأن تكون جزءاً من الدولة الفلسطينية. من ضمن ذلك وضع خطة واضحة لانتزاع السيطرة على الضفة الغربية بالتدريج من أيدي الجيش الإسرائيلي وتسليمها إلى موظفين مدنيين يعملون تحت إمرته.

في التاسع من سبتمبر/ أيلول الحالي، نشر الصحافي الإسرائيلي ناحوم برنايع تقريراً في صحيفة يديعوت أحرونوت حول خطوات سموتريتش العملية باتجاه ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة على أرض الواقع. وأوضح برنايع أن سموتريتش أحدث في الأشهر العشرين للحكومة الحالية تحولاً جذرياً في وضع اليهود والفلسطينيين في الضفة الغربية. من ضمن خطواته، الدفع لانهيار السلطة الفلسطينية عن طريق منع تحويل أموال المقاصة واقتطاع مبالغ كبيرة من تلك الأموال بذرائع مختلفة، وبذلك إلحاق ضرر بأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. كذلك منع دخول عمال فلسطينيين للعمل في المناطق المحتلة عام 1948، وضرب الاقتصاد الفلسطيني المدمر أصلاً منذ حرب الإبادة على قطاع غزة. يأتي ذلك بالتوازي مع إطلاق يد المستوطنين في إقامة بؤر استيطانية جديدة، والاعتداء على السكان الفلسطينيين، ومصادرة مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية، وتوسيع المستوطنات بدون أي عائق أو رقابة.

سموتريتش ليس وحيداً

سموتريتش على قناعة بأنه بالإمكان استغلال الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهجوم "حماس" على المستوطنات الإسرائيلية في الجنوب، وبدء حرب الإبادة على قطاع غزة، لتنفيذ مخططات وسياسات ما كان بالإمكان تنفيذها في أوضاع عادية. ناهيك عن وجود تحالف حكومي داعم لهذا النهج والمشروع، وتعلّق مصير التحالف الحكومي بدعم حزب الصهيونية الدينية برئاسة سموتريتش وحزب القوة اليهودية برئاسة بن غفير. فحتى في حال وجود ضغوط دولية على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فإن حاجة الأخير لدعم سموتريتش والأحزاب اليمينية المتطرفة في التحالف الحكومي تفوق تأثير أي ضغط خارجي. يدرك سموتريتش وكافة تيارات اليمين المتطرف أيضاً التحولات الحاصلة في المجتمع الإسرائيلي في العقد الأخير، وكذلك في المشهد الحزبي الإسرائيلي تجاه القضية الفلسطينية والاحتلال، وأنها تسهل تنفيذ السياسات الحالية. ولم يعد هناك أي صوت جدي في المجتمع الإسرائيلي يطالب بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وبتفكيك المستوطنات، ويدعم إقامة دولة فلسطينية. ترفض الأحزاب الإسرائيلية كافة، باستثناء حزب ميرتس، الذي اندثر في الانتخابات الأخيرة عام 2022، إقامة دولة فلسطينية، وتطالب، بالحد الأدنى، بإبقاء الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية. هذا ليس تحولاً جديداً نتيجة "طوفان الأقصى"، بل نضج قبل أكثر من عقد، وبرز منذ انتخابات الكنيست عام 2013.

لا فروق جدية في مواقف الأحزاب الإسرائيلية تجاه قضية الاحتلال ورفض إقامة دولة فلسطينية

أوضحت انتخابات العام 2013 غياب فروق جدية في مواقف الأحزاب الإسرائيلية تجاه قضية الاحتلال ورفض إقامة دولة فلسطينية. على سبيل المثال، جاء في البرنامج الانتخابي لحزب البيت اليهودي برئاسة نفتالي بينت حينها: "إن الحلول السياسية المطروحة لتسوية الصراع عبر حل الدولتين، أو عبر المطالبة بضم يهودا والسامرة (التسمية الإسرائيلية للضفة الغربية) وسكانهما إلى دولة إسرائيل، هي حلول غير عملية، ومن شأنها تهديد مستقبل دولة إسرائيل". ووفقاً لبرنامج "البيت اليهودي"، ليس هناك "بين النهر والبحر مكان سوى لدولة إسرائيل"، كذلك فإن الحل يجب أن يكون حسب خطة التهدئة التي اقترحها بينت حينها، وتشمل ضم مناطق "ج" (تخضع لسيطرة أمنية ومدنية إسرائيلية كاملة) مع سكانها إلى إسرائيل، وإقامة سلطة فلسطينية أو إدارة ذاتية في المناطق الفلسطينية كثيفة السكان، من دون أن تكون هناك دولة. يقول حزب يسرائيل بيتنو برئاسة أفيغدور ليبرمان، إنه لا يمكن لإسرائيل حل القضية الفلسطينية وحدها، بل عليها أن تسعى إلى حل شامل مع الدول العربية أولاً، ما يفرض إيجاد حل للقضية الفلسطينية واتفاق مع السلطة الفلسطينية. ويشمل هذا الاتفاق تبادلاً للأرض والسكان بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، خصوصاً تبادل مناطق المثلث (داخل أراضي الـ48 تمتد من أم الفحم شمالاً، وحتى كفر قاسم جنوباً)، وتخيير بقية السكان الفلسطينيين في إسرائيل بين قبول دولة إسرائيل بصفتها دولة الشعب اليهودي أو الانتقال إلى الدولة الفلسطينية.

ولم يطرح حزب يوجد مستقبل برئاسة زعيم المعارضة يئير لبيد، الذي خاض الانتخابات لأول مرة عام 2013 وافتتح حملته الانتخابية من مستوطنة أريئيل، جديداً في جانب القضية الفلسطينية، إذ التزم الإجماع الإسرائيلي الرافض لتفكيك الكتل الاستيطانية، واستمرار البناء في المستوطنات القائمة. ويرى أن الحدود التي سيُتفق عليها مع السلطة الفلسطينية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار احتياجات إسرائيل الأمنية، والواقع الذي تولد على الأرض منذ سنة 1967، على أن تتم تسوية مسألة اللاجئين الفلسطينيين ضمن حدود الدولة الفلسطينية العتيدة، وأن تكون القدس المحتلة عاصمة دولة إسرائيل الأبدية. حزب العمل برئاسة شيلي يحيموفتش حينها (2013)، تجاهل وجود الاحتلال في حملته الانتخابية، فيما تركزت الحملة على القضايا الاقتصادية والاجتماعية. وهو ما يقوم به الحزب منذ تلك الانتخابات إلى أن بات حزباً غير مؤثر بتاتاً في المشهد السياسي الإسرائيلي. كذلك فعل حزب أزرق أبيض برئاسة بيني غانتس منذ العام 2019، ومن ثم حليفه حزب "المعسكر الرسمي"، الذي لم يأت في برنامجه السياسي بتاتاً على القضية الفلسطينية والمستوطنات، بل يقول إنه يجب الاستمرار في العملية السلمية من دون أي تفضيل. ولا ننسى موقف حزب الليكود ورئيسه نتنياهو الذي طرح عام 2021 خطة صفقة القرن التي شملت ضم المناطق الفلسطينية المعروفة بمناطق "ج" وفقاً لاتفاقية أوسلو، ورفض إقامة دولة فلسطينية.

دعم الاستيطان من كافة الحكومات

تُترجم مواقف الأحزاب هذه على أرض الواقع باستمرار توسيع المستوطنات في الضفة الغربية وزيادة عدد المستوطنين، وتوفير الموارد المالية الضرورية لذلك. ومع عودة نتنياهو للحكم عام 2009 كان عدد المستوطنين قرابة 297 ألف مستوطن (بدون القدس الشرقية)، بينما ارتفع هذا العدد في عام 2021 إلى قرابة 450 ألف مستوطن، أي بنسبة 50% خلال 14 عاماً. مع العلم أنه خلال هذه الفترة تشكلت عدة حكومات برئاسة نتنياهو شارك فيها أحياناً حزب العمل، و"يوجد مستقبل"، و"أزرق أبيض". كما تخصص الحكومات الإسرائيلية بشكل دائم ميزانيات فائضة للمستوطنات أكبر من حصة المستوطنين من مجمل السكان في إسرائيل. ولم يتحول هذا التخصيص الفائض إلى موضوع خلافي لا في المجتمع الإسرائيلي ولا بين الأحزاب الإسرائيلية، بل هناك إجماع على الاستيطان ودوره في المشروع الصهيوني، الأمني والإيديولوجي والسياسي.

لم تؤد سياسات سموتريتش وخطوات المستوطنين على أرض الواقع، من عنف واعتداءات على البلدات الفلسطينية، التي تصل مراراً إلى حد القتل، وحماية جيش الاحتلال لهذه العمليات، لغاية الآن إلى أي رد فعل جدي رافض لا من قبل الحكومة ولا الأحزاب السياسية، حتى المعارضة منها، ولا من قبل المجتمع الإسرائيلي، ولا من قبل المؤسسات الدولية، ولا إلى رد فعل جدي من قبل السلطة الفلسطينية ولا الدول العربية. جل ما في الأمر هو تحذيرات المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية من اشتعال الضفة الغربية نتيجة كل هذا. إلا أن المؤسسة الأمنية والعسكرية ذاتها تبادر إلى عمليات عسكرية في الضفة الغربية وإلى عمليات قتل وملاحقة واعتقالات، وبذلك تمهد الطريق لتطبيق سياسات سموتريتش والمستوطنين.

لا تجرؤ الأحزاب الإسرائيلية على معارضة جوهر السياسات الحكومية ولا تقترح أي بديل لسياسات اليمين المتطرف

ما يقوم به سموتريتش في الوضع الراهن لا يتعارض مع قناعات غالبية المجتمع الإسرائيلي والأحزاب الإسرائيلية، ولو بتفاوت. ولا تجرؤ الأحزاب السياسية، المشاركة في التحالف أو المعارضة، على معارضة جوهر السياسات الحكومية، ولا تقترح أي بديل لسياسات اليمين واليمين المتطرف. جل ما تقترحه هو الحاجة لإبقاء السلطة الفلسطينية على قيد الحياة كشريك أمني، وتحذر من تحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية في حال ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، ومن مخاطر سياسات حكومة نتنياهو، وسط تبني هذه الأحزاب مواقف المؤسسة العسكرية والأمنية. إلا أن كافة هذه التحذيرات لم تغيّر السياسات الحكومية، ولم تمنع سموتريتش أو اليمين من تنفيذ مخططاتهم الهادفة لخلق واقع جديد في الضفة الغربية في ظل حرب الإبادة على قطاع غزة. والأهم أن الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية، اللذين يحذران من مخاطر تلك السياسات، يقومان على أرض الواقع بحماية تطبيقها.

المساهمون