تغييرات السوداني في المناصب العليا: هل تعود "الدولة العميقة"؟

08 نوفمبر 2022
السوداني خلال مناقشة منهاجه الوزاري بالبرلمان، 27 أكتوبر (الأناضول)
+ الخط -

أجرى رئيس الحكومة العراقية الجديدة محمد شياع السوداني سلسلة من التغييرات الواسعة في المناصب الأمنية والحكومية خلال أول أسبوعين من منح حكومته الثقة، أبرزها إلغاء جميع قرارات سلفه مصطفى الكاظمي التي اتُخذت خلال فترة تصريف الأعمال، التي أعقبت إجراء الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وهو ما يعني عملياً إجراء سلسلة كبيرة من الإعفاءات لقادة أمنيين ومسؤولين حكوميين، بالإضافة إلى تغييرات في المكتب الحكومي والأمانة العامة لمجلس الوزراء.

عودة ظاهرة الدولة العميقة

ووسط تأكيدات من نواب ومسؤولين سياسيين في تحالف "الإطار التنسيقي" لـ"العربي الجديد"، بشأن وجود توجه لإصدار قرارات جديدة تتضمن نقل وإقالة وإعفاء من مناصب أخرى حكومية وأمنية، تلوح ظاهرة "الدولة العميقة" التي هيمنت على المشهد العراقي خلال حكومتي نوري المالكي بين عامي 2006 و2014.

ويعزز غياب "التيار الصدري"، المنافس الوحيد لقوى "الإطار التنسيقي"، هذه الظاهرة، خصوصاً أن السوداني كان أحد كوادر تحالف "دولة القانون" بزعامة المالكي لسنوات عدة.

ويرتبط مفهوم "الدولة العميقة" في العراق بكونها شبكة مسؤولين على مستوى وكلاء وزراء ومدراء عامين ورؤساء هيئات ومحافظين وقادة ألوية وفرق عسكرية ورؤساء أجهزة أمنية، وجميعهم من المنتمين لقوى سياسية وفصائل مسلحة حليفة لإيران.

وخلال فترة حكومة الكاظمي التي امتدت لأكثر من ثلاث سنوات، نُفّذت سلسلة من عمليات التغيير الواسعة في أجهزة ومفاصل الدولة، كان أبرزها قرار تغيير القيادات الأمنية والعسكرية التي أمضت أكثر من 4 سنوات في منصبها، واعتُبر أن عدداً كبيراً من هذه التغييرات في صالح التيار الصدري.

وأقال الكاظمي قادة أمنيين وعسكريين نافذين، أبرزهم أبو علي البصري القريب من جماعة "كتائب حزب الله"، من منصب رئيس خلية الصقور الاستخبارية، كما أقال قائد الشرطة الاتحادية جعفر البطاط المحسوب على حزب الدعوة الإسلامية، فضلاً عن تغييرات أخرى حدثت أغلبها بين عامي 2020 و2021.


عضو في "الإطار التنسيقي": السوداني ينوي إجراء حملة تغييرات جديدة في المناصب العليا

وبالتزامن، أصدر مكتب السوداني بيانين، أول من أمس الأحد، أكد في الأول توليه رئاسة جهاز المخابرات، فيما أعلن بالثاني قبول استقالة رئيسة هيئة الاستثمار سها النجار، المقرّبة من الكاظمي.

وكشف نائب في البرلمان لـ"العربي الجديد"، أن السوداني هو الذي طلب من النجار تقديم استقالتها لتجنب اضطراره إلى إقالتها. وكان المنهاج الحكومي الذي قدمه السوداني إلى البرلمان، في 27 أكتوبر الماضي، وتم التصويت عليه، قد تضمن إعادة النظر بجميع القرارات التي اتخذتها حكومة الكاظمي.

وأجرى السوداني خمسة تغييرات إدارية على مكتبه، بعد أسبوع من توليه المنصب، فعيّن إحسان العوادي مديراً لمكتب رئيس الوزراء، وعبد الكريم السوداني سكرتيراً عسكرياً للقائد العام للقوات المسلحة، وعلي الأميري سكرتيراً لرئيس الوزراء، وربيع نادر مديراً للمكتب الإعلامي، وعلي شمران مديراً لقسم المراسم في رئاسة الوزراء.

في المقابل، أعفى عدداً كبيراً من مستشاري الحكومة السابقة أو نقلهم لدوائر أخرى، واستبعد رئيس جهاز المخابرات رائد جوحي، وقائد الفرقة الخاصة المكلفة بحماية المنطقة الخضراء الفريق الركن حامد الزهيري، إلى جانب آخرين في دوائر ومؤسسات الدولة ببغداد والمحافظات.

ووفقاً لعضو بارز في البرلمان عن تحالف "الإطار التنسيقي"، فإن السوداني ينوي إجراء  تغييرات جديدة في المناصب العليا بالدولة في الأيام المقبلة، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التغييرات ستكون أمنية وتنفيذية، على أن تتم بشكل تدريجي، وتستهدف مسؤولين ثبت تقصيرهم بالعمل في وزارات مختلفة".

واستدرك العضو البرلماني عن "الإطار" بالقول إن السوداني "لا ينوي الاقتراب من المناصب التي تشغلها شخصيات قيادية بارزة في التيار الصدري، حتى لا يعتبر ذلك استهدافاً للصدريين، كونهم غير مشاركين بالحكومة الجديدة ومعارضين لها، ولهذا السبب فإن التغييرات لن تشمل مناصب التيار".

وأشار العضو عن "الإطار التنسيقي" في البرلمان، إلى أن السوداني "ينوي إحلال شخصيات جديدة في المناصب التي سيطاولها التغيير بالتشاور مع الإطار التنسيقي، لأن فشل هذه الحكومة يعني أن الإطار فشل، لذا نحن من نتحمل المسؤولية عن كل قرارات الحكومة".

السوداني على خطى المالكي

لكن العضو البارز في التيار الصدري عصام حسين، قال لـ"العربي الجديد"، إن إجراءات السوداني الأخيرة "خطوة في صالح الدولة العميقة".

وأضاف حسين أن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يسير على خطى نوري المالكي في تأسيس دولة عميقة جديدة، وهذا يهدف إلى تقوية نفوذهم السياسي والمالي على حساب المواطن، من أجل تحقيق نتائج انتخابية خلال المرحلة المقبلة، وهذا هدف التغييرات التي تحصل في المناصب العليا".


عصام حسين: السوداني على خطى المالكي في تأسيس دولة عميقة جديدة

من جهته، وصف نائب عن كتلة حركة "امتداد" المدنية بالبرلمان التغييرات الأخيرة بأنها "غير مريحة"، مضيفاً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "ظاهرة قلع (طرد) الكوادر مع كل حكومة جديدة لن تُبقي في العراق أي خبرات، والبصمة السياسية حاضرة في الإقالات الأخيرة، تحديداً في جهاز المخابرات".

وأشار النائب، الذي رفض الكشف عن اسمه، إلى أن "الحديث عن استبعاد المسؤولين المحسوبين على التيار الصدري من أي تغييرات في مناصبهم، يؤكد أن الجانب السياسي يغلب على أجواء الإجراءات الإدارية بحكومة السوداني".

في المقابل، رأى عضو البرلمان عن ائتلاف "دولة القانون" النائب عارف الحمامي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "التغييرات التي أجراها أو التي سيجريها السوداني بالأيام المقبلة، لا تستهدف أي طرف سياسي، بل تهدف لتطوير عمل مؤسسات الدولة، وليس لها أي أجندة حزبية".

وكشف عن تشكيل السوداني "لجنة من أجل تقييم كافة أصحاب المناصب العليا بالدولة التنفيذيين أو الأمنيين، وعلى ضوء أدائهم سيتم إجراء التغييرات. كما أن هناك شخصيات يتوجب عليهم تغيير أدائهم السابق من أجل تصحيح المسار، وهذا الأمر مدعوم برلمانياً وسياسياً". ونفى الحمامي أن يكون السوداني يسعى إلى "خلق دولة عميقة محسوبة سياسياً على الإطار التنسيقي، أو من أجل ترتيب أوضاعها انتخابياً".

من جانبه، اعتبر المحلل ماهر جودة في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن التغييرات التي أجراها السوداني "أمر متوقع"، مشيراً إلى أن "التغييرات تحصل مع تسلم أي شخصية جديدة لمنصب رئاسة الحكومة، وكل الذين حكموا العراق سابقاً فعلوا ذلك وجاؤوا بأشخاص مقربين منهم للمناصب العليا المهمة".

وكشف جودة أن "استمرار السوداني بهذه التغييرات من دون العودة للقوى السياسية وإعطاء المناصب لشخصيات مقربة منه فقط، سيدفع تلك القوى إلى تغيير المواقف الداعمة له، خشية من بناء دولة عميقة جديدة"، مبدياً اعتقاده بأن "الدعم السياسي للسوداني من القوى السياسية لن يطول إذا ما استمر بهذه التغييرات".

المساهمون