تعهدات إماراتية بمفاوضات حول سد النهضة عقب الملء الثالث

30 يونيو 2022
تعتزم إثيوبيا بدء الملء الثالث الشهر المقبل (أمانويل سيليشي/فرانس برس)
+ الخط -

تسعى الإمارات خلال الفترة الحالية، للتوصل إلى تسوية للنزاع الثلاثي بين مصر وإثيوبيا والسودان، حول أزمة سد النهضة الإثيوبي، بشكل يؤمّن مصالحها واستثماراتها في الدول الثلاث ومنطقة القرن الأفريقي.

واستضافت الإمارات خلال الأسبوع الماضي، جولة من المفاوضات الفنية بين مسؤولين في الدول الثلاث، بمشاركة مراقبين إماراتيين، بعد جولتين سابقتين خلال شهر مارس/ آذار الماضي، كان "العربي الجديد" قد انفرد بكشف تفاصيلهما.

وقالت مصادر مصرية رسمية مطلعة على الملف، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، إن "الأيام القليلة الماضية شهدت اتصالات مكثفة من جانب شركاء دوليين، طالبوا مصر بالهدوء وعدم اتخاذ أي إجراءات دبلوماسية عدائية أو حادة، لمنع مزيد من التأزم في العلاقات مع إثيوبيا، وذلك لحين الانتهاء من عملية الملء الثالث المقرر انطلاقها في يوليو/تموز المقبل".

اتصالات مكثفة من جانب شركاء دوليين، طالبوا مصر بالهدوء

تعهدات إماراتية بمفاوضات موسعة حول سد النهضة

وكشفت المصادر أن "أبوظبي قدمت تعهدات لمصر والسودان أخيراً، بإطلاق جولة مفاوضات موسعة بين الدول الثلاث، في أعقاب الانتهاء من الملء الثالث، نظراً لصعوبة إجراء أي اجتماعات قبل ذلك الاستحقاق"، مشيرةً إلى أن التعهد الإماراتي "تضمن الالتزام بحد أدنى من المخرجات لجولة المفاوضات التي تعتزم أبوظبي رعايتها في أعقاب الملء الثالث".

وأوضحت المصادر أن الحد الأدنى الذي تعهدت أبوظبي الالتزام به خلال جولة المفاوضات المرتقبة "يتمثل في التوصل إلى اتفاق جزئي يتضمن بنوداً إلزامية على أديس أبابا، بشأن إتاحة قناة رسمية لتزويد مصر والسودان بمعلومات دقيقة عن تدفقات المياه من السد في الفترات البينية لمواسم ملء خزان السد".

ولفتت المصادر إلى أنه "على الرغم من أن التصور الإماراتي لا يرقى للطموح المصري، والذي تعبّر عنه التصريحات الرسمية بشأن التوصل لاتفاق قانوني ملزم لملء السد وتشغيله، إلا أن القاهرة اضطرت للقبول به، ما يعد نجاحاً كبيراً لأديس أبابا، التي استطاعت أن تدير عملية شاملة أجبرت خلالها القاهرة على الرضوخ والقبول بما تحدده هي، وليس ما يملى عليها من ضغوط".

وحول الثقة الإماراتية لناحية دفع أديس أبابا لجولة المفاوضات المرتقبة في أعقاب الملء الثالث، أشارت المصادر إلى أن ذلك سيكون "عبر ضخ استثمارات كبيرة في الدول الثلاث خلال الفترة المقبلة، إذ إن القوة الإماراتية تستند إلى التصور الاستثماري في الدول الثلاث، والذي يقوم الجزء الأكبر فيه على مشروعات زراعية في مصر والسودان وإثيوبيا تعتمد بالأساس على مياه النيل".

تقارير عربية
التحديثات الحية

إثيوبيا متمسكة بكل مواقفها بشأن سد النهضة

وحول جولة المفاوضات الفنية التي انعقدت أخيراً في أبوظبي، قالت المصادر إنه "لم يظهر خلالها أي بوادر إيجابية تذكر، إذ تمسكت أديس أبابا بكل مواقفها السابقة، ولا سيما حول أن أي اتفاق بشأن السد لا بد أن يقوم على قاعدة المحاصصة منذ البداية، قبل التطرق لأي تفاصيل بشأن عملية الملء والتشغيل، وهو ما تحفّظ عليه المسؤولون المصريون".

في غضون ذلك، طلب رئيس مجلس الشيوخ المصري، المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، خلال استقباله السفير الفرنسي في القاهرة مارك باريتي، أول من أمس الثلاثاء، دعم فرنسا لمصر في ملف الأمن المائي وأزمة سد النهضة، للوصول إلى اتفاق ملزم في ظل المواثيق والأعراف الدولية. وقال إن مصر "تسعى للاستقرار والحل السلمي حتى يتسنى لها أن تقوم بدورها المحوري والمهم في استقرار المنطقة".

تعهدت أبوظبي بالتوصل إلى اتفاق جزئي يتضمن بنوداً إلزامية على أديس أبابا

من جهته، كشف وزير الري والموارد المائية السوداني، ضو البيت عبد الرحمن، عن انعقاد جولتي التفاوض حول سد النهضة بدولة الإمارات في مارس الماضي. وذكر بيان نشرته وكالة الأنباء السودانية يوم الإثنين الماضي، أن "اللجنة العليا لمتابعة ملف سد النهضة، برئاسة وزير شؤون مجلس الوزراء المكلف عثمان حسين عثمان، استمعت إلى عرض من وزير الري حول جولة المفاوضات الثانية التي تمت بدولة الإمارات العربية المتحدة".

ووفق البيان، أكد الاجتماع ضرورة الوصول إلى تفاهمات مشتركة بين الدول الثلاث تراعي المصالح الاستراتيجية العليا بينها.

والشهر الماضي، كشفت مصادر مصرية خاصة تفاصيل جولتين من المفاوضات، بوساطة من جانب الإمارات، خلال شهر مارس الماضي. وأوضحت المصادر أن "المشاورات كانت على المستوى الفني من جانب وفود متخصصة من البلدان الثلاثة؛ مصر والسودان وإثيوبيا، وجرت في أبوظبي، وذلك بعدما أقنع الإماراتيون الإثيوبيين بالمشاركة بضمانات من جانب أبوظبي، حيث حضر ممثلون عن دولة الإمارات الاجتماعات غير المعلنة، كمراقبين".

المقاربة الإماراتية بشأن أزمة سد النهضة

وعلقت مصادر دبلوماسية مصرية على تجدد محاولات الإمارات لإقناع الطرفين المصري والسوداني برؤيتها لحل قضية سد النهضة، بأنها تنطلق بالأساس من مقاربتها المتكررة التي تلخصها معادلة "الحل مقابل ضخ الاستثمارات".

وأشارت المصادر إلى أن أبوظبي "تعتبر مقاربتها هي الحل النهائي الوحيد الذي يمكن تنفيذه وتمريره بموافقة إثيوبية، من خلال التركيز على ملف الاستثمارات في المناطق المتنازع عليها بين السودان وإثيوبيا"، والتي تجدد التوتر فيها خلال الأسبوع الحالي، وتحديداً في منطقة الشفقة، عقب ما أعلنته دولة السودان عن إعدام سبعة من عسكرييها على أيدي القوات الإثيوبية في تلك المنطقة.

هذا فضلاً عن "عرض الإمارات، في إطار مقاربتها، المساعدة في إقامة مشروعات للتنمية المستدامة بين البلدان الثلاثة، مرتبطة بتوليد الكهرباء من الطاقة المائية والرياح في محيط سد النهضة (ولاية بني شنقول -قمز) وتخصيص أراض في المنطقة للزراعات الاستراتيجية لتوريدها إلى الإمارات ومصر"، وفق المصادر.

جولة المفاوضات الفنية التي انعقدت أخيراً في أبوظبي لم يظهر خلالها أي بوادر إيجابية تذكر

وفي مسألة التحركات الدولية التي تقوم بها مصر وبعض المطالبات بتدويل قضية السد لإلزام إثيوبيا بالتوصل إلى اتفاق، قال دبلوماسي مصري وخبير بالقانون الدولي، لـ"العربي الجديد"، إن إثيوبيا "لا يمكن أن تقبل بتوقيع اتفاق قانوني شامل وملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، كما تطالب السودان ومصر، لأنها تدرك تماماً أن ما تم التوقيع عليه في العاصمة السودانية الخرطوم في 23 مارس عام 2015‏ (اتفاق المبادئ)، معاهدة دولية ملزمة للدول الثلاث".

وتابع "لكن على الرغم من ذلك، فإن اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة التي ‏وقعتها مصر والسودان وإثيوبيا، هي اتفاقية ابتدائية أولية يجب أن يتبعها ككل الاتفاقيات ‏الإطارية العامة، اتفاق فني لاحق، والذي يمكن أن تسميه الدول بروتوكولاً فنياً، يترجم ‏ما ورد في الاتفاقية الإطارية العامة الموقعة عام 2015".

وأوضح المصدر أن الاتفاق الفني "يهدف لتحويل المبادئ العامة إلى قواعد فنية ‏تطبيقية تنصب على المسائل الفنية الحاسمة اللصيقة بإدارة وتشغيل السد، وتحديد ‏المعايير الأخرى التي ترتبط بكمية ونوعية ملء السد، سواء كان ذلك في ‏الفترات العادية أو فترات الجفاف".

تطور العلاقات الإماراتية الإثيوبية

ومنذ صعود أبي أحمد لرئاسة الحكومة الإثيوبية، اتخذ التنسيق مع الإمارات أبعاداً جديدة، شملت زيارات متبادلة بين مسؤولين اقتصاديين ورجال أعمال من البلدين، فضلاً عن مشاركات متبادلة في المعارض الصناعية والزراعية الرسمية، وتدشين مشروعات تنموية بأموال إماراتية في المناطق الإثيوبية الأكثر احتياجاً. كما زادت وتيرة إرسال المساعدات الطبية واللوجستية والغذائية من أبو ظبي إلى أديس أبابا.

وبحسب تقرير حكومي إثيوبي حصل عليه "العربي الجديد" في وقت سابق، فإن الإمارات تستثمر في نحو 100 مشروع في إثيوبيا، تم تنفيذ 25 منها حتى عام 2019، و10 مشروعات أخرى خلال العامين الأخيرين، وهناك تجهيزات لنحو 20 مشروعاً آخر. وتتوزع هذه المشروعات في قطاعات المرافق والبنية التحتية والري والزراعة والصحة والصناعة والعقارات السكنية، والسياحية، والإنشاءات الحكومية، والتعدين.

ووقعت الإمارات وإثيوبيا عام 2019 مذكرة تفاهم عسكرية لتعزيز التعاون في المجالات العسكرية والدفاعية بين البلدين، كما قدمت أبوظبي دعماً يصل إلى 3 مليارات دولار عام 2018 كمساعدات واستثمارات.

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون