تعليق المفاوضات الأفغانية: وقف النار بعيد المنال

16 ديسمبر 2020
تستمر موجة العنف بحصد أرواح المدنيين (سيّد سادات/الأناضول)
+ الخط -

انتهت المرحلة الأولى من الحوار الأفغاني بين الحكومة وحركة "طالبان"، والمنعقد في العاصمة القطرية الدوحة، بعد التوافق على مدونة السلوك، وتبادل المطالب بين الجانبين، لتكون مشمولة في أجندة الحوار بمرحلته المقبلة، والتي من المقرر أن تبدأ في الخامس من شهر يناير/ كانون الثاني المقبل. ومع أن أعضاء من هيئة التفاوض الحكومي يؤكدون إحراز تقدم، بالنظر إلى صعوبة المفاوضات، يرى الأفغانيون، والسياسيون منهم كذلك، أن ما كان يترقبه الشعب ويتطلع إليه لم يتحقق، وهو وقف النار، سواءً أكان وقفاً شاملاً ودائماً، أو خفضاً لوتيرة العنف بأقل تقدير.

تحتاج المسائل العالقة إلى كثير من التشاور بحسب مصادر الحكومة الأفغانية

وناقشت جلسة خاصة في مجلس الشيوخ الأفغاني، يوم الأحد الماضي، الوضع الأمني في البلاد، ودان المجلس المعارك الطاحنة التي تدور بين قوات الحكومة و"طالبان" في إقليم قندهار ومناطق من الجنوب الأفغاني، مطالباً الطرفين بمواصلة التفاوض وعدم وقفه، قبل التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، أو خفضٍ لوتيرة العنف. وجاء ذلك بعد يوم من إعلان طرفي المفاوضات في الدوحة توقف الحوار حتى الخامس من يناير، أي لمدة 20 يوماً، وذلك بهدف التشاور.

وفي هذا الشأن، دعا رئيس مجلس الشيوخ الأفغاني فضل الهادي مسلم يار، أمام الجلسة، وباسم المجلس، طرفي الحوار "إلى مواصلة المفاوضات حتى الوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار"، لافتاً إلى أن "الشعب الأفغاني متضايق جداً". وقال مسلم يار "لقد طال الأمد، حيث مضت ثلاثة أشهر على المفاوضات، ويبدو أن التقدم بسيط، نحن نريد أن تتوقف المعارك بالتزامن مع توقف الحوار"، مشيراً إلى أن "الحرب تحصد أرواح المواطنين بشكل يومي، وبلا هوادة". ولفت إلى أن استمرار هذه الحرب "لا جدوى منه، فالطرفان جلسا على طاولة الحوار، ولا بد من الوصول إلى حلّ نهائي، أو وقف للنار قبل توقف المفاوضات".
وبينما تحدثت التسريبات الأولية عن توقف المفاوضات لحاجة المفاوضين إلى استراحة والعودة إلى ديارهم لفترة محددة، قالت العضو في هيئة الحكومة، حبيبة سرابي، في تصريح صحافي، إن الطرفين تبادلا المسائل والمواضيع التي يجب بحثها، لتتضمنها أجندة المفاوضات خلال الفترة المقبلة، لافتة إلى أن القرار بشأن هذه المسائل يحتاج إلى الكثير من التشاور، وبالتالي فإن الجانبين قررا تعليق عملية التفاوض، على أن تستأنف الشهر المقبل.
وعلم "العربي الجديد"، من مصادر خاصة، أن من بين مطالب حركة "طالبان" إعادة تكوين التشكيلة السياسية في أفغانستان، تحت مسمى الحكومة الإسلامية الجديدة، ما يعني عدم رضا الحركة عن بقاء حكومة أشرف غني، ذلك علاوة على وضع سياسة خاصة متعلقة بحرّية النساء ونظام التعليم، فضلاً عن ملف السبعة آلاف سجين للحركة، والذين لم تطلق الحكومة سراحهم بعد. في المقابل، وضعت هيئة التفاوض الحكومية خطاً أحمر تحت بند قضية الحكومة وطلب تغييرها، وسط إصرار على عدم تغيير النظام، بل سعي لضمّ "طالبان" إليه، إضافة إلى تمسكها بوقف إطلاق النار كأول خطوة في جدول الأعمال، فيما تضع الحركة مسألة وقف النار مقابل موافقة هيئة الحكومة على إعادة الهيكلة السياسية.

 الحركة ستستأنف استهدافها للقوات الأجنبية بحال لم يلتزم بايدن باتفاق السلام

وسبق أن أكد رئيس المكتب السياسي لـ"طالبان"، عبد الغني برادر، وجود ثلاث عقبات في وجه عملية السلام وهي: قضية ما تبقى من أسرى الحركة في سجون الحكومة، والقائمة السوداء لقيادات وعناصر "طالبان"، وما وصفها بالحملة الإعلامية ضد جهود السلام، مؤكداً أن الحركة تتعهد بالعمل على توافق الدوحة مع واشنطن، وتتطلع لأن تفي الأخيرة أيضاً بوعدها وتعمل لتنفيذ اتفاق الدوحة.
ونقلت شبكة "بي بي سي" البشتوية عن اثنين من قيادات حركة "طالبان"، أن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إذا لم يلتزم بالاتفاق (الذي توصل إليه الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب) مع حركة "طالبان"، فإن الحركة سوف تعاود استهداف القوات الأجنبية الموجودة في أفغانستان. وذكّر المصدران بأن على على الولايات المتحدة، وفق توافق الدوحة، أن تخرج قواتها كاملة من أفغانستان بحلول شهر مايو/ أيار المقبل، وإلا فإن الحركة ستستأنف عملياتها ضد القوات الأجنبية. هذا الأمر يجعل اتفاق الدوحة للسلام الأفغاني على المحك، كما سيعرض المفاوضات بين الأطراف الأفغانية أيضاً للخطر.
دعوة للتفاوض داخل أفغانستان
ومع توقف المفاوضات بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، عرض مستشار الأمن القومي الأفغاني حمد الله محب، على الحركة، عقد المراحل المقبلة من الحوار داخل أفغانستان. وبرأي محب، فإن الحوار خارج البلاد، سيضع مصالح الجهات الأجنبية في الاعتبار، لافتاً في المقابل إلى أن الحوار في الداخل، يُبعد أفغانستان عن أي ضغوط خارجية. هذا الطرح، أيّده الرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي قال، وفق بيان صدر عن الرئاسة أول من أمس الإثنين، إن "حركة طالبان تدّعي أن قياداتها موجودة داخل أفغانستان، إذاً فعليها أن تقبل الحوار داخل البلاد، وهو أمر يتطلع إليه الشعب برّمته". كذلك أبدى حاكم إقليم بكتيا، محمد حليم فدائي، استعداده لتهيئة الأجواء للحوار بين الأطراف الأفغانية في الإقليم، وفي ظلّ رقابة وتنسيق مع الزعامة القبلية. وقال فدائي إن الزعامة القبلية في الجنوب الأفغاني قامت دائماً بتصفية المشاكل، وهي مستعدة لفعل ذلك الآن. من جهتها، لم تعلق "طالبان" إلى الآن على عرض الحكومة، لكن يبدو أن حواراً في الداخل الأفغاني يبقى بعيد المنال، كما أن الظروف الأمنية في البلاد، لا تسمح بذلك.

تأكيد أميركي على خفض العنف

وطلب المبعوث الأميركي الخاص للمصالحة الأفغانية زلماي خليل زاد، من الأطراف الأفغانية، استئناف الحوار في الخامس من يناير المقبل، وفق إعلان الطرفين، معرباً في تغريدة على "تويتر"، عن أسفه الشديد حيال استمرار العنف والتصعيد في أفغانستان. وقال زاد قبل توجهه إلى باكستان ولقائه قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوه لمناقشة مستجدات المصالحة الأفغانية، أول من أمس الإثنين، إنه "مع الأسف الشديد، لا تزال دوامة الحرب في أفغانستان مستمرة، وهناك حاجة ملحّة للتسوية السياسية ولوقف إطلاق النار". ويشي ذلك باستياء المبعوث الأميركي، من توقف المفاوضات. من جهته، ناقش الرئيس الأفغاني أشرف غني، في اتصال هاتفي، مستجدات المصالحة الأفغانية، مع رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، بالإضافة إلى ضرورة حصول وقف شامل للنار، بهدف الوصول إلى نتيجة بناءة للحوار، وفق بيان للرئاسة.
وتأتي هذه التطورات في خضم موجة عنف غير اعتيادية في أفغانستان خلال موسم الشتاء، وذلك مع استمرار التصعيد الأمني، وسط تبادل الأطراف المتخاصمة إلقاء اللوم على الطرف الآخر بالوقوف وراء التصعيد. ففي إقليم قندهار، تستمر المواجهات العنيفة في 4 مديريات هي: زيري، أرغنداب، ميوند، وبنجواي، حيث تدعي السلطات الحكومية مقتل عشرات العناصر من "طالبان" يومياً، فيما تؤكد الحركة ومصادر قبلية سقوط قتلى مدنيين جرّاء القصف الحكومي. كذلك الحال في إقليم قندوز، الذي قتل فيه 17 من عناصر القوات الحدودية في أول من أمس الإثنين، إثر هجوم لـ"طالبان" في مديرية إمام صاحب. وأمس الثلاثاء، قتل نائب حاكم إقليم العاصمة كابول، محبوب الله محبي، مع سكرتير له، في انفجار وقع في منطقة ميكروريان وسط العاصمة.

المساهمون