تعطّل حملة "قسد" شرق الفرات... وتوتر متصاعد في الرقة

04 نوفمبر 2018
تراجعت "قسد" عن مناطق سيطرت عليها سابقاً(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -


تصدّر الشرق السوري واجهة المشهد من جديد، والذي تؤدي "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) دوراً أساسياً فيه، وهي التي فشلت حتى اليوم في إنهاء وجود تنظيم "داعش" في جيب جغرافي محدود شرق نهر الفرات، بل إن حملتها ضد التنظيم توقفت في الفترة الأخيرة، فيما استعاد التنظيم المبادرة بشن هجمات أسفرت عن سقوط ضحايا في صفوف "قسد"، في وقت واصل فيه طيران التحالف الدولي غاراته في ريف دير الزور موقعاً المزيد من الضحايا المدنيين. بالتوازي مع ذلك، تشهد محافظة الرقة توتراً كبيراً، على خلفية اغتيال شيخ قبلي معروف، مع توجيه أصابع الاتهام إلى قياديين في الوحدات الكردية التي تسيطر على المحافظة، بالوقوف وراء هذه العملية غير المسبوقة.

وأكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن المعارك بين تنظيم "داعش" وقوات "قسد" متوقفة منذ أيام شرق نهر الفرات، فيما نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان عما قال إنها "مصادر موثوقة" أن القيادة العامة لـ"سورية الديمقراطية" بحثت أمس الأحد إمكانية استئناف الهجمات البرية على "داعش" في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، مؤكدة أن هذه القوات لا تزال تمتنع حتى الآن عن البدء بهجوم بري جديد.

لكن "قسد" تلقت أمس ضربة قاسية، إذ قُتل 12 مقاتلاً على الأقل من عناصرها في هجوم شنّه "داعش" على أحد مواقعها أمس، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وبدأ التنظيم وفق المرصد هجومه "بتفجير سيارة مفخخة يقودها انتحاري، استهدفت موقعاً لقوات سورية الديمقراطية بين بلدتي البحرة وهجين، قبل أن يخوض اشتباكات عنيفة، مستغلاً تردي الأحوال الجوية" في المنطقة الواقعة في دير الزور.

بالتوازي مع ذلك، أفادت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" بأن طيران التحالف الدولي يواصل قصف المناطق التي يسيطر عليها "داعش"، "وهو ما أدى إلى وقوع مجزرة السبت تضاف إلى مجازر سبقتها". وقُتل 14 مدنياً على الأقل، وأصيب آخرون السبت، نتيجة قصف جوي لطائرات التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن، طاول مدينة هجين وبلدتي السوسة والكمشة، الخاضعة لتنظيم "داعش". وأوضحت مصادر محلية أن بعض الجرحى بحالة حرجة، ورجحت ارتفاع عدد القتلى في الساعات المقبلة بسبب تردي الخدمات الطبية في المنطقة، مؤكدة أن عدداً كبيراً من العائلات غادر المنطقة، بسبب ارتفاع وتيرة القصف الجوي والمدفعي، في الآونة الأخيرة. وقالت المصادر إن نحو 40 ألف مدني يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" قرب نهر الفرات الشرقي والتي تمتد نحو 40 كيلومتراً وبعمق 10 كيلومترات، وتضم مدن وبلدات وقرى: هجين، السوسة، الباغوز، الشعفة، أبو الحسن، البوخاطر، الكشمة، البوبدران، موزان، السفافنة.

وحاولت الوحدات الكردية التي تشكل النواة الصلبة في "قسد"، يوم الأربعاء الماضي، الضغط على واشنطن كي تتدخل الأخيرة وتوقف هجمات الجيش التركي على مواقع هذه القوات في منطقة عين العرب، من خلال إعلان إيقاف عملياتها العسكرية ضد مواقع تنظيم "داعش" في ريف دير الزور الشرقي. وجاء توقف المعارك في الوقت الذي كانت فيه "قسد" تتراجع إلى مواقع لها قبل إطلاق حملة عسكرية على تنظيم "داعش" في العاشر من سبتمبر/ أيلول الماضي، إذ استغل التنظيم سوء الأحوال الجوية لشن هجوم شتت هذه القوات التي فقدت عدداً كبيراً من عناصرها. كذلك فقدت هذه القوات، وفق مصادر محلية، عدداً من قيادييها في المعارك، منهم قياديان يحملان الجنسية التركية، كما قُتل يوم الجمعة قائد الشرطة العسكرية في هذه القوات مع مرافقيه بنيران مجهولين في ريف دير الزور الشرقي.

وقبيل إعلان تعليق حملتها العسكرية، كانت قوات "قسد" تواصل التحضيرات مع التحالف الدولي لبدء العملية العسكرية الأخيرة ضد "داعش"، والتي تستهدف إنهاء وجوده في شرق الفرات. وأكدت مصادر إعلامية في وقت سابق وصول 100 عنصر على الأقل من مقاتلي "قسد"، دخلوا إلى منطقة الجبهة المحيطة بجيب التنظيم عند الضفة الشرقية لنهر الفرات، وذلك عقب دخول 500 مقاتل من قوات المهام الخاصة في الوحدات الكردية، وانتشار أكثر من ألفي مقاتل من أبناء عشيرة الشعيطات، كبرى عشائر ريف دير الزور الشرقي، في محيط الجيب الأخير للتنظيم.

لكن تطوراً آخر برز أمس في شمال شرق سورية، إذ أعلن التحالف الدولي أن القوات الأميركية سيّرت دوريات في المنطقة قرب الحدود مع تركيا. وأفادت وكالة "فرانس برس" بأن دورية مؤلفة من ثلاث مركبات مدرعة وعليها العلم الأميركي، سارت أمس في بلدة الدرباسية الحدودية مع تركيا في أقصى محافظة الحسكة. وأكد المتحدث باسم التحالف الدولي، شون راين، لوكالة "فرانس برس"، تسيير "دوريات أميركية" في المنطقة بشكل "غير منتظم" ترتبط وتيرتها بتطور "الظروف" الميدانية. وهذه الدورية هي الثانية التي يتم تسييرها في المنطقة منذ يوم الجمعة، وفق المصدر ذاته. ومن المقرّر أن تسيّر هذه الدوريات على طول الشريط الحدودي وصولاً حتى مدينة رأس العين، التي تقع على بعد خمسين كيلومتراً غرب الدرباسية، وفق ما أوضح المتحدث الرسمي باسم "قوات سورية الديمقراطية" مصطفى بالي لـ"فرانس برس". وتسبّب القصف التركي خلال الأسبوع الأخير على مدينتي عين العرب وتل أبيض بمقتل أربعة مقاتلين أكراد. وقال بالي إن تسيير "الدوريات متعلق مباشرة بهذه التهديدات، وهدفها دعوة تركيا إلى الكف عن عدوانها".


في موازاة ذلك، لا يزال التوتر سيّد الموقف في محافظة الرقة في شرق سورية، بعد أيام من اغتيال شيخ من عشيرة "العفادلة"، أكبر عشائر الرقة وأكثرها تأثيراً. وعلى الرغم من أن تنظيم "داعش" تبنّى عبر وكالة "أعماق" عملية اغتيال الشيخ بشير الهويدي، إلا أن مصادر محلية قالت إن قياديين في الوحدات الكردية هم وراء العملية، مؤكدة أن القتيل كانت له مواقف مناهضة للوجود العسكري الكردي في منطقة ذات وجه عربي.
ونشرت شبكة "فرات بوست" تسجيلاً مصوراً للحظة طرد الأهالي الرئيسة المشتركة لـ"مجلس الرقة المدني" ليلى مصطفى، وأعضاء من مجلس الرقة المدني التابع لـ"قسد"، بالإضافة لقيادي عسكري في "قسد" يدعى لقمان الساحة، من مجلس عزاء الشيخ الهويدي في حي المشلب شرقي مدينة الرقة.

ودانت عشائر عدة في محافظة الرقة عملية الاغتيال، وقالت عشيرة الولدة في بيان إن عملية الاغتيال جاءت بعد اجتماع الهويدي مع قيادات في "قسد"، مشيرة إلى أنه كان يرفض بشكل سلمي سيطرة الوحدات الكردية على الرقة. كذلك أكّدت عشيرة السبخة مقاطعتها لقوات "قسد"، داعية إلى استعادة القرار في المحافظة من الوحدات الكردية، وإلى تشكيل لجنة تحقيق خاصة في عملية الاغتيال. من جهته، قال مبعوث التحالف الدولي بريت ماكغورك، في تغريدة له، إن مواقف الشيخ القتيل "تجاه التطرف لن تُنسى"، مضيفاً" على العدالة أن تأخذ مجراها تجاه من يعد مسؤولاً عن عملية مقتله".

كذلك ذكرت "شبكة أخبار الرقة" أن قوات "قسد" سحبت بعض حواجزها في الريف الشرقي والغربي خوفاً من أعمال انتقامية بعد اغتيال الهويدي، مشيرة إلى أن هذه القوات تستقدم تعزيزات عسكرية إلى مدينة الرقة. وأوضحت الشبكة أنه تم "طرد كل حواجز مليشيات قسد من قرية الرقة السمرة حتى تقاطع باب بغداد، على خلفية اغتيال بشير الهويدي".
ومن المتوقع أن يكون للاغتيال تداعيات كبيرة، إذ أكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن "الاحتقان على أشده، والحادث لن يمر بسهولة"، مضيفة "بدأت مرحلة جديدة في التعاطي مع هذه القوات التي تتصرف تصرف المحتلين مع أهالي المحافظة".

وكانت قوات "قسد" قد سيطرت على مدينة الرقة وجزء كبير من ريفها خلال العام الماضي، بعد أكثر من 3 سنوات من سيطرة تنظيم "داعش" عليها. وأدت الحملة الجوية من قبل طيران التحالف إلى تدمير أغلب مدينة الرقة ومقتل عشرات الآلاف من سكانها الذين ينتمون لعشائر عربية ويتعاملون اليوم مع الوجود الكردي كأمر واقع يبعد عنهم شبح عودة النظام بقواته وأجهزته الأمنية التي تفتك بسكان المناطق التي تنتزع السيطرة عليها.

المساهمون