ينتظر التونسيون صدور المرسوم الرئاسي الجديد، الخاص بتعديل القانون المؤسس والمنظّم لهيئة الانتخابات، وسط مخاوف من توجه الرئيس قيس سعيد إلى ضرب آخر الهيئات الدستورية القائمة من خلال تفكيكها وترتيبها حسب مشروعه.
وتداول مجلس الوزراء بإشراف قيس سعيد، حسب بلاغ الرئاسة، مساء أمس الخميس، بشأن "مشروع مرسوم يتعلق بتنقيح بعض أحكام القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر/كانون الأول 2012، المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات وإتمامها". كما ذكر البلاغ نفسه أن الرئيس أمضى المرسوم الجديد، دون الكشف عن تفاصيل هذا التعديل.
وقال عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، محمد التليلي المنصري، في تصريح لـ"العربي الجديد": "طالعنا في بلاغ رئاسة الجمهورية تعديل القانون المحدث لهيئة الانتخابات ولا نعلم بعد محتواه"، متسائلاً: "فهل ذهب نحو تغيير كامل التركيبة أو غير الاختصاصات".
وبيّن المنصري "أنه لم تتم استشارة هيئة الانتخابات في التعديلات"، كما لم تتم مراسلة الهيئة لإبداء رأيها، مشيراً إلى أنه "تم لقاء وحيد، جمع رئيس الجمهورية بنائب رئيس الهيئة، فاروق بوعسكر".
من جانبه، رجّح عضو هيئة الانتخابات، بلقاسم العياشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تعديل القانون الأساسي المحدث لهيئة الانتخابات في 2012 يتجه نحو إتمام التركيبة وتسديد النقص في صلبها وسد أي شغور"، مشيراً إلى أن "هذه المعطيات غير رسمية بل تم استنتاجها من لقاء الرئيس بنائب رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر".
وأكد العياشي أن "رئاسة الجمهورية لم تستشر مجلس هيئة الانتخابات في التعديلات الجديدة، ولم تطلب رأيها كما لم ترسل نسخة من المرسوم الرئاسي الجديد".
وأضاف: "أتصور أن التعديلات ستشمل التركيبة من خلال تغيير الثلث المعني بالتجديد وسد أي شغور في الاستقالات"، مبيناً أنه "يمكن أن يتم تقليص التركيبة إلى 7 أعضاء بدل 9 أعضاء، وذلك بحذف اختصاصات بعينها من الهيئة والمحافظة على النواة من القدماء ممن لهم التجربة للحفاظ على استمرارية الهيئة، وقد يذهب إلى تعديل النصاب لاتخاذ القرارات في المجلس الجديد" بحسب رأيه.
وقالت أستاذة القانون الدستوري، منى كريم الدريدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن تعديل القانون الأساسي للهيئة بمرسوم مخالف للدستور، إذا ما سلمنا بمواصلة اعتماد أحكام دستور 2014"، مشيرة "إلى أن "قناعتي بأن الدستور ما زال قائما ولم يتم إلغاؤه، لأن الدساتير لا تُلغى بهذه الطريقة عبر إجراء استثنائي".
وبينت كريم أنه إذا "سلمنا أننا اليوم في إطار سير البلاد وفق سياسة الأمر الواقع، فإن ذلك يعني أنه لم يعد هناك دستور، وأصبحنا في ظل الأمر المنظم للسلطات العمومية المضبوط بالأمر الرئاسي 117 الذي أصدره سعيد في 22 سبتمبر/أيلول 2022، الذي منح سعيد صلاحيات مطلقة في الفصل 5 لتنظيم الهيئات الدستورية عبر مراسيم وكذلك بالنسبة القانون الانتخابي، والأساليب العامة لتطبيق الدستور".
وبينت كريم أن "الرئيس ماضٍ في خرق الدستور وتطويع الفصول حسب الطلب وحسب ما يتماشى مع الأمر الواقع، حيث يستنجد بفصول ألغاها في الأمر 117 ويغض الطرف عن فصول أخرى، بتجاوزه عبر أوامر أو مراسيم".
وكتب وزير حقوق الإنسان السابق وعضو تنفيذية "توانسة من أجل الديمقراطية"، سمير ديلو، على حسابه على "فيسبوك"، قائلاً: "جمهوريّة المراسيم الدّيكتاتوقراطيّة الشّعبيّة العُظمى، ماذا بعد هذا الارتفاع الشّاهق في التّاريخ؟"، متسائلاً: "أليس فيهم رجل رشيد هل هو التّطبيع مع العبث؟".
واستغرب ديلو قائلاً: "أمر يعطّل العمل بالدستور، ودستور ينصّ صراحة على استثناء النّظام الانتخابي من مجال المراسيم، فيتمّ تنقيح القانون الأساسي المنظّم للهيئة المستقلّة المشرفة على الانتخابات بمرسوم يصدره مترشّحٌ للانتخابات".
من جانبه، أعرب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، نبيل بفون عن "رفضه تغيير تركيبة الهيئة، بإدخال تعديلات على هذه التركيبة أو على القانون الانتخابي باعتماد المراسيم والأوامر الرئاسية".
وقال بفون في تصريحات صحافية، إنه "ليس من حق الرئيس قيس سعيد تغيير تركيبة الهيئة"، مشيراً إلى أن "هذا لا يتماشى مع القانون التونسي، سواء الدستور أو الأمر 117 الذي أصدره رئيس الجمهورية، ولا يتماشى مع المعايير الدولية التي أكدت أنه لا يمكن المساس بالمسائل الأساسية التي تمس الاستفتاءات والانتخابات في السنة التي ستنعقد فيها هذه الاستحقاقات".
وتابع بفون: "الأمور المتعلقة بتشكيل الهيئة المشرفة على الانتخابات والقانون الانتخابي لا بد أن تكون لها صبغة دستورية أو فوق القوانين العادية".
وانتهت ولاية بفون وعضوين آخرين، بحسب القانون المؤسس لهيئة الانتخابات، في يناير/كانون الثاني 2020، وذلك في إطار التداول والتجديد الدوري كل سنتين لثلث تركيبة هيئة الانتخابات، التي تضم تسعة أعضاء، بهدف ضمان حيادها واستقلاليتها.
غير أن البرلمان لم يقم بدوره في تجديد التركيبة وانتخاب رئيس جديد حتى تجميد أعماله في 25 يوليو/تموز الماضي. إلى ذلك، يواصل الأعضاء والرئيس المنتهية ولايته وظائفهم حتى تسليم العهدة للرئيس الجديد.
وطالما وجه سعيد انتقادات لاذعة للهيئة الدستورية الوحيدة التي ما زالت قائمة في البلاد، والتي أشاد مراقبون دوليون بنجاحها في تأمين الانتخابات بمختلف محطاتها؛ الرئاسية (2014 و2019)، والتشريعية (2011 و2014 و2019)، والبلدية (2018)، بالإضافة إلى انتخابات المجلس الأعلى للقضاء، كما كان لها دور في تأمين الانتقال الديمقراطي للسلطة بنزاهة وشفافية بحسب الملاحظين الدوليين والمختصين بالمجال الانتخابي.
وتعيش هيئة الانتخابات صعوبات كبيرة في علاقتها برئيس الجمهورية، تعمقت أكثر بانتقاد رئيسها نبيل بفون لإجراءات 25 يوليو/تموز، حيث اعتبرها مخالفة للدستور، غير أن بيانات الرئاسة أخيراً بعد لقاء نائب رئيس الهيئة فاروق بوعسكر أشارت إلى توجه تأمين هيئة الانتخابات للمحطات المقبلة، كالاستفتاء في 25 يوليو/تموز، والانتخابات المبكرة في 17 ديسمبر/كانون الأول القادمين بعد تغيير تركيبتها.
ويرى مراقبون أن سعيد يتجه لتعديل تركيبة هيئة الانتخابات وإبعاد الأعضاء الرافضين لمسار 25 يوليو/تموز، عبر تفكيكها بدل نسفها تماماً، لأن حلها وتكليف جهاز آخر بالإشراف على الانتخابات المقبلة يرفضه المجتمع الدولي وعدد من الدول المانحة والتي عبرت عن ذلك في زياراتها لتونس بوضوح.