كشفت مصادر دبلوماسية تنتمي لدول أوروبية مختلفة مصر، لـ"العربي الجديد"، أن الخارجية المصرية أعادت التواصل مع جميع الدول التي تملك سفارات بالقاهرة، لمطالبتها بتأكيد نقل سفاراتها إلى العاصمة الإدارية الجديدة. ويتطلّب ذلك، دفع نسبة تتراوح بين 20 و25 في المائة من إجمالي ثمن الأرض التي سيتم تخصيصها للسفارات. وتسعى القاهرة لضمان ضخ سيولة مالية لدى الجهات الحكومية القائمة على إنشاء المشروع والمقاولين المكلفين ببناء الحي الدبلوماسي بالعاصمة الجديدة، على مساحة 1300 فدان (نحو 5.2 كيلومترات مربعة).
الدولة تسعى لضمان انتقال 50 سفارة على الأقلّ خلال المرحلة الأولى
وأضافت المصادر أن عدد الدول التي وافقت نهائياً على نقل سفاراتها حتى الآن، لا يتجاوز 20 دولة، غير أن هناك حوالى 20 دولة أخرى ما زالت موافقتها المبدئية معلقة، في انتظار توفير اعتمادات مالية لمصاريف الانتقال. وترى بعض الدول الأوروبية الكبرى والآسيوية البارزة أن نقل السفارات "غير ضروري، وعالي التكلفة بالنسبة للاعتبارات السياسية التي تحيط بالمشروع وعملية الانتقال".
وذكرت المصادر أن عواصم تلك الدول الأوروبية المتحفظة على الانتقال، وتراه لا يعدو كونه إسهاماً في تحسين صورة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومشروعه المتعثر لنقل العاصمة، نظراً لضعف التمويل وتأجيل العديد من المشروعات الصغيرة المكونة للعاصمة بسبب فيروس كورونا، إلى العام المقبل على أقرب تقدير.
وأوضحت المصادر أن بعض الدول البارزة وعدت بنقل سفاراتها واختارت بالفعل أماكن إقامة مبانيها الجديدة، ومنها الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، كما قرر بعضها إنفاق مبالغ طائلة لتجديد سفاراتها الحالية في القاهرة والجيزة قريباً. وهو ما أدى بدوره إلى حالة من التراخي في استجابة العواصم الأوروبية للمطالبات المصرية، التي تهدف بالأساس إلى بدء تشييد المباني الرئيسية في الحي الدبلوماسي بالتوازي مع إنهاء الإنشاءات بالحي الحكومي، وتجهيز الأحياء الأساسية للعاصمة للافتتاح في صيف أو خريف من العام المقبل.
وبحسب المصادر فإن من أسباب تعثر الدول الكبرى في اتخاذ خطوة نقل سفاراتها، هو ضرورة إيجاد مساكن قريبة للبعثات الدبلوماسية في الحي نفسه أو بالأحياء القريبة منه. وهو أمر يصعب حسمه حالياً بالنسبة للعديد من البعثات، بسبب ارتفاع أسعار العقارات في وسط القاهرة، أو بسبب عدم توافر مشروعات سكنية مناسبة في العاصمة الإدارية، أو إرجاء إنشاء بعض المشروعات القريبة بسبب ضعف التمويل العام وتعثر البيع المسبق كذلك.
كما ترى بعض الدول أن النقل السريع للسفارات قبل ضمان نجاح المشروع بالأساس سيمثل مخاطرة كبيرة، لا سيما أن بعضها سيبادر لبيع أماكن السفارات الحالية في العاصمة أو تأجيرها أو تغيير نشاطها مع استمرار امتلاكها. وهي مخاوف تحاول حكومة السيسي الرد عليه عملياً بالتأكيد على قرب انتقال وزارة الخارجية وكذلك رئاسة الوزراء رسمياً إلى العاصمة الجديدة، بالإضافة إلى البحث التصرف في العقارات المملوكة لكل منهما بالقاهرة لزيادة الحصيلة المالية للدولة. وهو ما زال محل تعثر أيضاً، بسبب الظرف الاقتصادي الحالي في مصر والعالم في ظل فيروس كورونا.
دفعت الأسعار المرتفعة الكثير من الدول إلى الإحجام عن نقل سفاراتها
ومن جهته؛ نبّه مصدر حكومي مطلع، إلى أن الدولة تسعى لضمان انتقال 50 سفارة على الأقلّ خلال المرحلة الأولى خلال عامين أو ثلاثة، وتراهن على أن الانتقال المبكر لسفارات الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والسعودية والإمارات، سيحفز عددا كبيراً من الدول الأصغر لنقل سفاراتها. لكن ذلك لم يحدث حتى الآن بشكل رسمي، بسبب عدم سداد المبالغ المالية المطلوبة، رغم الاتفاق بالفعل على عدد من النماذج الإنشائية والمتطلبات الأمنية الخاصة بكل منها.
ولتحفيز الدول الأصغر على الانتقال؛ أعلن اللواء أحمد زكي عابدين، رئيس شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية التي يساهم فيها الجيش وهيئة المجتمعات العمرانية، منذ أكثر من أسبوع، أن الشركة وبناء على توجيهات من السيسي، ستنشئ 30 مبنى سفارة لصالح عدد من الدول الأفريقية بنظام الإيجار، وذلك على مساحات تتراوح بين فدان وفدانين.
وينعكس التعثر في تصريحات سبق أن أطلقها عابدين منذ عام، أعلن خلالها أن هناك 30 دولة أجنبية وعربية، حصلت على أراض داخل العاصمة الإدارية الجديدة، لإنشاء مقار للسفارات والقنصليات، في الحي الدبلوماسي، وستسدد مقدمات الحجز. ومن هذه الدول، الولايات المتحدة والسعودية ونيجيريا والبحرين والإمارات. وأضاف أن الشركة تلقت 60 طلباً للانتقال من دول، من بينها البرازيل والأرجنتين والهند وكوريا واليابان والمكسيك والإمارات والمغرب والغابون والصين والكويت وكازاخستان، وعدد من المنظمات الدولية.
ومن المقرر أن يكتمل إنشاء الحي الدبلوماسي في عام 2030 إذا سارت الأمور كما تخطط لها أجهزة السيسي، وأن يكتمل إنشاء المرافق وتقسيم الأراضي خلال عام واحد. لكن تراجع وتيرة العمل في العاصمة بعد انتشار كورونا وانخفاض التمويل يثيران الشكوك حول تلك المواعيد في أوساط المراقبين العقاريين.