تصعيد تركي في الشمال السوري... رسائل عشية اجتماع أستانة؟

15 يونيو 2023
دبابة تركية في عفرين، أكتوبر الماضي (بكر القاسم/فرانس برس)
+ الخط -

صعّد الجيش التركي خلال الأيام القليلة الماضية من عملياته ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وقوات النظام السوري في شمال سورية، وذلك قبيل أيام من انعقاد جولة جديدة من مسار أستانة التفاوضي في 20 و21 يونيو/ حزيران الحالي، والتي من المتوقع أن تشهد اجتماعات رباعية ما بين تركيا وروسيا وإيران والنظام للدفع أكثر باتجاه تقارب بين دمشق وأنقرة.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن القوات التركية قصفت صباح أمس الأربعاء بالمدفعية الثقيلة مواقع عسكرية تابعة لقوات النظام، في قرية شوارغة التابعة لناحية شران بريف حلب الشمالي، ما أدى إلى إصابة عنصرين من هذه القوات بجروح متفاوتة.

من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع التركية في بيان: "تحييد 41 إرهابياً من تنظيم العمال الكردستاني ـ وحدات حماية الشعب، بعد رصدهم في منطقتي تل رفعت ومنبج، شمالي سورية".

وأوضحت الوزارة أن المسيّرات التركية ساهمت في العملية التي بدأت بعد "اعتداء الإرهابيين قبل أيام على منطقة أونجو بينار الحدودية بولاية كيليس"، جنوبي البلاد. ولفتت إلى أن "عدد المحيدين في شمال سورية منذ نهاية الأسبوع الماضي ارتفع إلى 53 إرهابياً".

والأحد الماضي، استهدفت "وحدات حماية الشعب" بـ 5 صواريخ أطلقتها من شمال سورية منطقة حدودية في ولاية كيليس، وسقطت في أرض خالية، وفق وكالة "الأناضول". وكان قد قُتل ثلاثة عناصر من قوات النظام السوري، أول من الثلاثاء، نتيجة قصف مدفعي نفذته القوات التركية على محيط قرية آقيبة التابعة لناحية شيراوا في عفرين، شمالي حلب.

هجمات تركية في سورية

وفي السياق، أفاد المرصد السوري بأن الجانب التركي نفذ 6 هجمات بمسيرات ضد قوات "قسد" في الشمال السوري، منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية التركية في 28 مايو/ أيار الماضي، مشيراً إلى أن هذه الهجمات أدت إلى مقتل وإصابة نحو 25 شخصاً ما بين مدنيين وعسكريين.

وأعلن "مجلس منبج العسكري" التابع لقوات "قسد" في بيان له أول من أمس الثلاثاء أن طائرة استطلاع مسلحة تابعة للجيش التركي، قصفت حاجزاً تابعاً له في قرية درّج، مشيراً إلى أن طائرة استطلاع أخرى قصفت نقطة تابعة للمجلس بمحيط جسر قرقوزاق، شرقي منبج، مما أسفر عن مقتل اثنين من مقاتليه.


هشام جوناي: "التصعيد التركي يندرج في سياق تقوية موقف أنقرة في أستانة"

إلى ذلك، ذكرت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام أمس الأربعاء، أن القوات الروسية أرسلت تعزيزات إلى نقاط لها في شمال حلب، بعد مقتل أحد الجنود الروس وجرح 3 آخرين بقصف مدفعي للجيش التركي، على الطريق بين بلدتي حريبل وأم حوش.

وأشارت إلى أن القوات الروسية في ريف حلب: "قصفت قوة مراقبة وفصل عند خطوط التماس"، بين قوات النظام، وبعض الجيوب التي تنتشر فيها "قسد"، وبين فصائل المعارضة السورية التابعة للجيش التركي.

وكان جندي روسي قد لقي مصرعه الإثنين الماضي في ريف حلب الشمالي. وتضاربت الأنباء عن أسباب مقتله، إذ أكدت مصادر إعلامية تابعة لقوات "قسد" أن مسيّرة تركية استهدفت دورية روسية على طريق حربل - أم حوش في منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، مما أدّى إلى مقتل الجندي الروسي وإصابة 3 آخرين.

بيد أن مصادر "الجيش السوري" المعارض نفت هذه الأنباء مؤكدة أن الدورية "تعرضت لاستهداف بعبوة ناسفة مزروعة مسبقاً"، مما أدّى إلى تضرر عربة تابعة للشرطة العسكرية الروسية وانقلابها. ويأتي التصعيد التركي في الشمال السوري قبل انعقاد جولة جديدة من مسار أستانة التفاوضي في 20 و21 يونيو الحالي في العاصمة الكازاخستانية. ومن المتوقع أن تُناقش خلال الاجتماع خريطة طريق وضعها الجانب الروسي لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة.

وفي هذا الصدد، قال الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، إن مسودة "خريطة الطريق" للتطبيع بين سورية وتركيا التي وضعتها روسيا باتت جاهزة. ونقلت وسائل إعلام روسية عن بوغدانوف قوله إن "مهمتنا هي المناقشة مع شركائنا والمضي قدماً في هذا العمل. نأمل أن يتيح لنا الاجتماع في أستانة إحراز تقدم جاد".

وكانت موسكو قد اقترحت خلال اجتماع وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، الذي عُقد في موسكو في 10 مايو الماضي، وضع خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، وإعادة الروابط اللوجستية بين سورية وتركيا.

موقف أنقرة من جولة أستانة

ورأى المحلل السياسي التركي هشام جوناي في حديث مع "العربي الجديد" أن التصعيد التركي "يندرج في سياق تقوية موقف أنقرة في الجولة المقبلة من أستانة"، مضيفاً أن "نظام الأسد يريد انسحاباً عسكرياً تركياً كلياً من الشمال السوري، ولكن إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان ستجبر النظام على القبول بفتح باب الحوار من دون انسحاب تركي كلي من سورية".

ورجح جوناي حدوث اتفاق برعاية روسية على "انسحاب تركي تدريجي من الشمال السوري"، مضيفاً أن "التصعيد الحاصل رسالة أن تركيا مستمرة في مكافحة التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن كونه بمثابة رفع لسقف التفاوض والحوار مع النظام السوري".


مصطفى فرحات: الموقف التركي في الملف السوري بات أقوى بعد إعادة انتخاب أردوغان

من جهته، رأى المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الموقف التركي في الملف السوري "بات أقوى بعد إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان"، مشيراً إلى أن "كل طرف يحرص على امتلاك عوامل قوة قبيل أي عملية تفاوض". وتابع أن هناك موقفاً حازماً في الشمال السوري، وحاضراً بقوة، فضلاً عن أن الجيش الوطني السوري المعارض أثبت أنه رقم مهم في معادلة الصراع لا يمكن تجاوزه.

وتوقع فرحات أن يطرح النظام والروس خلال الجولة المقبلة من أستانة ملف الطريق الدولي "أم 4"، الذي يربط بين الساحل السوري ومدينة حلب، كبرى مدن الشمال، الذي تسيطر على جانب كبير منه فصائل المعارضة شمال غربي سورية.

واستبعد انسحاب الجانب التركي وفصائل المعارضة السورية من مناطق في ريفي إدلب وحماة ومنها جبل الأربعين من أجل فتح الطريق، مضيفاً: "معادلة صعبة، لأن الانسحاب يسمح للنظام بالتحكم على الشمال الغربي من سورية بالأسلحة المتوسطة، وهذا يشكل تهديداً على الجانب التركي، وعلى نحو 4 ملايين مدني شمال غربي سورية".