رحبت ألمانيا بمواقف الولايات المتحدة الواضحة حول روسيا، على إثر التصعيد اللفظي الذي أطلقه الرئيس الأميركي جو بايدن بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووصفه بـ"القاتل".
وقد جاء تصعيد بايدن اللفظي ضد بوتين كرد فعل غاضب على ما جاء في تقرير الاستخبارات الأميركية أخيراً بأن أجهزة الاستخبارات الروسية حاولت التأثير في الانتخابات الرئاسية عام 2020 في الولايات المتحدة بأخبار كاذبة لمنع انتخاب بايدن. ووضع تصعيد بايدن، برلين والأوروبيين في موقف صعب، وعند نقطة تحول في السياسة الأوروبية تجاه موسكو.
وياتي توصيف بايدن لبوتين في وقت كان الاعتقاد بأنّ سياسة باراك أوباما الخارجية الناعمة ستعود مع الرئيس جو بايدن، وتفاجأ الجميع بخطاب بايدن القاسي بحق بوتين، وهي نبرة غير معتادة في التخاطب الدبلوماسي بين الدول.
وأشارت صحيفة "هاندلسبلات" الألمانية إلى أن توصيف بايدن يخلق مشكلة لأوروبا أكثر منه لأميركا، لافتة إلى أنه، و"على عكس أصدقائك، لا يمكنك اختيار جيرانك، والجغرافيا تمنع أوروبا من قطع الجسور مع موسكو".
وعلى الرغم من أنّ اجتماعاً لوزراء الخارجية الأوروبيين مقرر الإثنين المقبل لمناقشة استراتيجية أوروبا المستقبلية تجاه روسيا، إلا أن النطاق أصبح محدوداً بالفعل للحوار البناء حول القضايا المهمة المتعلقة بالحد من التسلح والأزمة السورية والاتفاق النووي الإيراني، علاوة على العلاقات الاقتصادية بعد التهديد الروسي بقطع العلاقات مع أوروبا إذا ما فرضت الأخيرة عقوبات جديدة على موسكو، على خلفية اعتقال المعارض الروسي أليكسي نافالني.
وتبرز التعليقات أنّ الرئيس بايدن قال إنّ بوتين "سيدفع ثمناً" مقابل تصرفات مخابراته، والتي لم تكن لتحصل من دون علمه، والثمن لا يعني شيئاً سوى أن واشنطن ستفرض مزيداً من العقوبات على روسيا، وهذا ما سيؤدي إلى زيادة الضغط على الأوروبيين ليحذوا حذو أميركا.
وفي ترجمة لهذا الوضع، سيصبح التوصل إلى حل وسط في النزاع حول "نورد ستريم 2" غير مرجح، وبالكاد تستطيع ألمانيا أن تعهد بأمن الطاقة إلى رجل يعتبر أهم حلفاء برلين أنه "قاتل".
وثمة من يعتبر أيضاً أنه لا يمكن أن يكون الانقطاع الدائم مع موسكو في مصلحة الولايات المتحدة، وانقطاع الحوار مع بوتين سيكون له عواقب سلبية على السياسة الخارجية والداخلية الأميركية، وأن بايدن يحتاج إلى مساعدة بوتين لكبح نفوذ إيران في الشرق الأوسط.
كما أن هناك من يرى أنه ليس بإمكان بوتين أن يغلق الباب والابتعاد عن الغرب والتوجه نحو الصين، كما اعتاد أن يهدد دائماً، لأن ذلك ليس سوى خدعة منه، وعلاقة بكين بالولايات المتحدة أهم بكثير من علاقتها بروسيا، وخلافاً لما حدث في الحرب الباردة، فإن موسكو ستكون هذه المرة الشريك الأصغر للصين، وأن للدول مصالح وليس صداقات.
وثمة من يرى أن بايدن يعرف الرئيس الروسي أفضل من معرفة الرئيس السابق دونالد ترامب لبوتين، ويريد أن يبقى على مسافة من الحاكم في الكرملين، لاسيما أن الحزب الديمقراطي أكثر انتقاداً من الجمهوريين لروسيا، وبايدن، وعلى عكس ترامب، لا يبدي أي اهتمام بإضعاف أو تقسيم أوروبا.
وحاول ترامب إظهار نفسه كصديق لبوتين إلى حد أنه قال ذات مرة إنه يثق ببوتين أكثر من أجهزته السرية، رغم أن إدارته فرضت بعض العقوبات على شركات وشخصيات روسية.
وفي السياق، اعتبرت صحيفة" دي تسايت" الألمانية أنّ الإدانة اللفظية لبوتين "كانت خطأ"، وبغض النظر عن مسألة ما إذا كان يمكن إثبات مثل هذا الادعاء ضد بوتين بشكل كاف، فإنّ الرؤساء ليسوا من يتحدثون عن التهم والأحكام، وإنما المدعون العامون والقضاء، والعواقب المباشرة ستكون محدودة، رغم أنه من الواضح أن بايدن أول رئيس أميركي منذ رونالد ريغان لم يبدأ فترة ولايته بإعادة ضبط العلاقات مع روسيا.
من جهته، رأى الكاتب السياسي راينهارد فيزير، في مقال لصحيفة "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ" الألمانية، أنه كان من الأفضل تنسيق السياسات بين أوروبا وأميركا، "لأن هناك حاجة إلى موقف صارم تجاه موسكو، وسيكون من الجيد اعتماد موقف واضح ومتشدد في العلاقات مع روسيا، لأن التصعيد اللفظي لا يساعد".
وأوضح فيزير أنّ "التصعيد اللفظي يشكل نموذجاً للدعاية ويخدم الكرملين، ويجعل الحوار معه أكثر صعوبة حتى في تلك المجالات التي لا يزال من الممكن التفاهم فيها ممكناً، وسيكون من المهم للولايات المتحدة وأوروبا، إيجاد سياسة منسقة بشأن هذه المسألة معاً ضد الكرملين، والتحدي الاستبدادي الكبير الآخر الذي تشكله الصين، والذي يتكون من عنصرين؛ الاستعداد للدفاع عن قيمهما ومصالحهما بقوة وفي نفس الوقت الانفتاح على المناقشات".
تجدر الإشارة إلى أن الكرملين رفض تقرير الاستخبارات الأميركية، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الأربعاء الماضي، إن التقرير خاطئ، فيما تمنى الرئيس بوتين، بعد إطلاق الوصف المسيء بحقه، الصحة لبايدن، وطالبه بالحوار المباشر.