توالت حملات التحريض الرسمية في إسرائيل ضد فلسطينيي الداخل منذ أحداث "هبة الكرامة" (الاحتجاجات والمظاهرات التي وقعت في الداخل في مايو/أيار الماضي)، وتجلى ذلك في أكثر من مناسبة في تصريحات لرئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينت، ووزيرة الداخلية أيليت شاكيد ومسؤولين من جهاز المخابرات العامة (الشاباك).
كما اعتبر قادة في الجيش الإسرائيلي أن هذه الأحداث والمظاهرات التي اندلعت في الداخل الفلسطيني، بما في ذلك المدن الساحلية التاريخية مثل يافا وعكا واللد والرملة وسقط فيها شهيد فلسطيني هو موسى حسونة، تشعل ضوءا أحمر في كل ما يتعلق بالجبهة الداخلية في إسرائيل في حال اندلاع تصعيد عسكري أو حرب قادمة.
ووصل الأمر في حينه، قبل أشهر، إلى حد الكشف عن مداولات سرية في الجيش، تمخضت في نهاية المطاف عن تشكيل لواء خاص في الجيش الإسرائيلي لمرافقة وحراسة نقل العتاد والجنود خلال المعركة القادمة على الطرق التي تمر من قلب بلدات عربية، لا سيما وادي عارة، وفق ما كشفته في حينه صحيفة "يسرائيل هيوم" في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.
واستمر سيل التحريض على الداخل الفلسطيني أخيرا عندما ادعت وزيرة الداخلية في سياق ترويجها لقانون منع لم شمل الفلسطينيين أن رئيس الشاباك رونين بار أبلغها رسميا بأن 40% من الشبان الفلسطينيين الذين شاركوا في الاحتجاجات التي اندلعت خلال الشهر الماضي في النقب هم من أمهات فلسطينيات من الضفة الغربية المحتلة، وأن هذا النوع من الزيجات يشكل تحايلا فلسطينيا لتكريس تنفيذ حق العودة الفلسطيني.
ومنذ أحداث "هبة الكرامة" في مايو/أيار من العام الماضي، واصلت الشرطة الإسرائيلية وأجهزة الاستخبارات ورجال السياسة في إسرائيل تصنيف عمليات الاحتجاج المذكورة والتضامن مع أهالي الشيخ جراح وقطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي بأنها نشاطات على خلفية قومية وضد أمن الدولة.
واليوم، كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن النيابة العامة الإسرائيلية انضمت، الأسبوع الماضي، خلال مداولات تمديد اعتقال وفرض العقوبة على أحد معتقلي "هبة الكرمة"، وهو الشاب محمد أسود، من مدينة عكا، إلى سياسة التحريض الجديدة عندما طالبت المحكمة بتحديد سقف عقوبات عال وعدم اعتبار الأحداث المذكورة احتجاجات مدنية بل وصفت النشطاء والمعتقلين بعبارة "أعداء من الداخل"، ما يوجب عمليا تحديد وفرض عقوبات شديدة وعدم الاكتفاء بأحكام "خفيفة" كالسجن الفعلي لمدة عام.
ونقلت "هآرتس" أن ممثل النيابة العامة في جلسة المحكمة المركزية، الأسبوع الماضي، شلومي أبرمزون، وهو مسؤول ما يسمى بقسم "المخالفات الأمنية" في النيابة الإسرائيلية العامة، أعلن بشكل صريح أن النيابة الإسرائيلية العامة تريد قرار حكم يشكل قرارا موجها لباقي المحاكم في إسرائيل (التي تنظر في نحو 300 ملف لمعتقلين من الداخل، على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات المذكورة)، لتشديد العقوبات التي ستفرضها على من سماهم بمثيري الشغب خلال العدوان الإسرائيلي "حامي الأسوار".
وادعى أبرمزون أن المعتقلين الذين قدمت ضدهم لوائح اتهام "نشطوا ضد قوات الأمن وأضروا بالبنية التحتية واعتدوا على مواطنين لا ذنب لهم سوى أنهم من اليهود"، وخلص أبرمزون إلى الادعاء "أننا أمام عدو من الداخل وليس أمام عدو خارجي".
وفي هذا السياق، قال المحامي خالد الزبارقة، الذي يترافع عن بعض المعتقلين من مدينة اللد وعضو اللجنة الشعبية في المدينة، لـ"العربي الجديد": "بداية الجهاز القضائي الإسرائيلي معادٍ للعرب بطبيعته. وأثبت الجهاز القضائي هذا الأمر في أحداث الكرامة في مايو/ أيار الماضي. إذ يتعامل الجهاز القضائي بالقمع مع العرب، أما اليهود، الذين اعتقلوا بالخلفية نفسها، فتعامل معهم بقفازات من الحرير".
وأضاف الزبارقة "على ما يبدو، فإن هناك أصواتا سياسية داخل المنظومة الإسرائيلية تريد المزيد من العداوة للعرب بالداخل الفلسطيني وممارسة المزيد من القسوة معهم. هذا تدخل في عمل الجهاز القضائي من أجل التأثير والتدخل بقرار القضاة".
وتابع: "هذا تصريح له أهداف سياسية، لأنه يتبنى النظرة الأيديولوجية المتطرفة للمجتمع الإسرائيلي. ويبدو أن هناك ضغوطات من أجل فرض الأجندة المتطرفة في المجتمع الإسرائيلي على الجهاز القضائي من أجل أهداف سياسية وتكريس فوقية اليهود ودونية العرب".
من جهته، قال محمد نصرة، وهو عضو لجنة شبابية لمتابعة معتقلي عكا: "نحن لا نستغرب هذه التصريحات للنيابة العامة، فمنذ بداية الاعتقالات كان التعامل مع المعتقلين كأعداء دولة. ففي عكا، تم خلال الهبة اعتقال 300 ناشط ومواطن، وما زال لليوم 32 شخصا معتقلين، منهم 20 داخل السجون و12 معتقل في إقامة جبرية. وقبل أسبوع، تم إصدار حكم على الشاب محمد أسود من عكا لمدة عام، وقدمت النيابة استئنافا على هذا الحكم، وتطالب بسجنه لأربع سنوات بتهمة ارتكاب أعمال شغب".
وبحسب نصرة، فإن "هدف اعتقال عدد كبير من المواطنين من المدينة هو الردع وترهيب الشباب، ولذلك تعاملوا معهم بوحشية منذ البداية خلال هبة مايو/ أيار. إنهم يدعون للتعايش من جهة، ويحاربون من جهة أخرى بشكل يومي أهالي عكا القديمة، منهم التجار والمواطنون. هذه دولة عنصرية، لم تعتقل ولا أي يهودي في هبة مايو/أيار من عكا. فقط يتعاملون مع العربي الفلسطيني بالداخل بهذه الطريقة لكونه عربياً".