تصعيد إسرائيلي "مضبوط" ضد غزة لتلافي مواجهة شاملة

14 يناير 2018
تصعيد إسرائيلي عسكري على قطاع غزة (Getty)
+ الخط -

يتّسم التصعيد الإسرائيلي العسكري الأخير على قطاع غزة، الذي يستهدف بشكل خاص بنى عسكرية ومصالح للمقاومة، بأنّه تصعيد مضبوط، لا يرمي إلى الانجرار إلى مواجهة شاملة مع حركة "حماس"، على الرغم من أن التصعيد هذه المرة بدا كأنه يتجاوز في حدّته الهجمات الأخرى.

وفي غضون أقل من شهرين أقدمت إسرائيل على تدمير ثلاثة أنفاق "هجومية" تدّعي أن "حماس" قامت بحفرها لتنفيذ عمليات في العمق الإسرائيلي. كذلك أقدم جيش الاحتلال، ليلة أمس السبت، على تدمير نفق، زعم أنه "نفق هجومي"، في حين أكّدت "حماس" أن النفق الذي يخترق الحدود المصرية مخصص لنقل البضائع الأساسية من مصر إلى قطاع غزة.

ومما يعكس اتجاهات التصعيد الحالي حقيقة أنه وبخلاف الهجمات السابقة التي استهدفت الأنفاق "الهجومية" فقد أقدم سلاح الطيران الإسرائيلي هذه المرة على مهاجمة فوهة النفق في الجانب الفلسطيني، في حين أنه في المرتين السابقتين، قام جيش الاحتلال بقصف فوهات الأنفاق في الجانب الإسرائيلي.

إلى جانب ذلك، فإن جيش الاحتلال، بخلاف المرات السابقة أيضاً، لم يقم بمهاجمة النفق من خلال الزعم بأن الهجوم جاء ردّاً على عمليات إطلاق قذائف صاروخية نفّذتها جماعات فلسطينية.



وكان من اللافت أيضاً أنّ التصعيد الأخير جاء مترافقاً مع تهديدات أطلقتها تل أبيب بتصفية القيادة السياسية لحركة "حماس"، وهو ما لم تقدم عليه إسرائيل منذ انتهاء عدوان 2014. فقد هدد وزير الإسكان الإسرائيلي الجنرال يواف غالانت بتصفية قائد الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار.

وقال غالانت، العضو في المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، خلال مشاركته في فعالية في مستوطنة "الخضيرة"، صباح اليوم الأحد، إن "السنوار يعيش على وقت مستقطع، وفي حال أقدم قادة حماس على خطوات متطرفة، فإننا سنزيلهم من على وجه الأرض هم ومن هم في محيطهم". أمّا رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، فقد هدّد حركة "حماس" باستخدام "قوة أكبر" في حال لزم الأمر.

غير أنّ التصعيد الإسرائيلي الميداني والكلامي لا يعبّر عن رغبة تل أبيب في خوض مواجهة شاملة مع الحركة، إذ إن الاحتلال يفترض أن حرص "حماس" على تحسين فرص تطبيق اتفاق المصالحة الذي يضمن لها التخلص من تبعات حكم قطاع غزة، يدفع الحركة إلى عدم الرد على العمليات الإسرائيلية، خشية تفجّر مواجهة شاملة تردع قيادة السلطة الفلسطينية عن استعادة السيطرة على القطاع، كما ينص اتفاق المصالحة.

في الوقت ذاته، فإن المسؤولين الإسرائيليين يجاهرون بالإقرار أن اندلاع مواجهة شاملة مع "حماس" لا يخدم مصالح تل أبيب. كذلك يقول وزير المواصلات والاستخبارات "الليكودي" يسرائيل كاتس، إنه "لا يوجد لإسرائيل أية مصالح استراتيجية يمكن تحقيقها من المواجهة الشاملة مع حماس".

وحذّر كاتس، في مقابلة أجرتها معه، أخيراً، القناة الإسرائيلية الثانية، من أن مثل هذا المواجهة يمكن أن تفضي فقط إلى توريط إسرائيل في قطاع غزة، على اعتبار أنه لا يوجد طرف فلسطيني أو إقليمي مستعد لتسلم قطاع غزة في حال انتهت أية مواجهة ضد حماس باحتلاله بشكل كامل.

كذلك حذّرت دراسة صدرت، الأسبوع الماضي، عن "مركز أبحاث الأمن القومي"، من التبعات السياسية والأمنية والاقتصادية الهائلة التي ستتكبّدها إسرائيل في حال أسفرت أية مواجهة مستقبلية مع "حماس" عن إعادة احتلال القطاع.

من ناحية ثانية، فإن إسرائيل تخشى تبعات انفجار مواجهة مع قطاع غزة على خلفية الغضب الفلسطيني على قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما تبعه من قرارات إسرائيلية. فحسب تحليل أعدّه الصحافي عاموس هارئيل ونشرته صحيفة "هآرتس"، أخيراً، فإن الجيش الإسرائيلي يعتقد أن اندلاع مواجهة شاملة مع قطاع ستشعل الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية.

في الوقت ذاته، فإنه استناداً إلى وزن المخاطر التي تتعرّض لها إسرائيل يمكن اعتبار أن المخاطر الناجمة عن مواجهة مع قطاع غزة متواضعة جداً مقارنة بالمخاطر الناجمة عن تفجر الجبهة الشمالية، خاصة في ظل تعبير تل أبيب عن قلقها الكبير من مظاهر تعاظم النفوذ الإيراني في سورية. فقد دعا رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي الأسبق، عاموس يادلين، صناع القرار في تل أبيب إلى تجنّب الانخراط في مواجهتين في آن واحد على الجبهة الشمالية والجنوبية.

ولضمان عدم اندلاع مواجهة شاملة جديدة مع غزة، فقد حرص وزراء إسرائيليون على المجاهرة بتبني مخططات للتخفيف اقتصادياً عن قطاع غزة، على اعتبار أن هذا يخدم المصالح الإسرائيلية. فقد تباهى الوزير كاتس بنجاحه في إقناع نتنياهو بعقد اجتماع للمجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن بهدف بحث خطته الهادفة إلى تدشين ميناء ومطار عائمين قبالة سواحل غزة، وبهدف تدشين بنى تحتية ومجمعات سكنية بعد تجفيف مساحات كبيرة من البحر. وعقد المجلس بالفعل اجتماعاً لمناقشة الخطة، إذ قرر على إثرها تشكيل لجنة فنية لمناقشتها.

إلى جانب ذلك، فقد دعت دراسة صدرت، الخميس الماضي، عن مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، إلى توظيف مصر في محاولة تجنّب اندلاع مواجهة شاملة مع "حماس" من خلال منح نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي القدرة على تقديم تسهيلات لقطاع غزة تغري الحركة بعدم الإقدام على أية خطوة يمكن أن تفضي إلى المواجهة الشاملة.






المساهمون