تصدّع النظام السياسي العراقي: خلافات متزايدة واتهامات متبادلة

09 سبتمبر 2024
مجلس القضاء الأعلى في بغداد، 23 أغسطس 2022 (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تصاعد الأزمات السياسية في العراق**: شهد العراق تصاعداً في الأزمات السياسية مع خلافات بين السلطتين القضائية والتنفيذية واتهامات متبادلة بين أطراف الائتلاف الحاكم بشأن "سرقة القرن".

- **فضيحة شبكة التنصت**: كشفت السلطات عن شبكة تجسس يقودها موظف في مكتب رئيس الحكومة، مما زاد التوتر بين القضاء والحكومة وأثار انقساماً داخل تحالف الإطار التنسيقي.

- **تداعيات الفساد والتجسس**: انعكست التوترات على ملفات أخرى مثل "سرقة القرن"، ودعا زعماء سياسيون إلى محاكمة علنية للمتهمين، مما دفع العراقيين لمناقشة انهيار النظام السياسي بسبب الفساد والتجسس.

زادت المشكلات السياسية خلال الشهرين الماضيين بشكلٍ كبير في العراق، حتى وصلت إلى إطلاق تعليقات من زعماء تقليديين في العملية السياسية في البلاد، محذرة من انهيار النظام السياسي العراقي القائم، فيما برزت قصة الخلاف العميق بين السلطتين القضائية والتنفيذية، والأحكام المستمرة بالاعتقال بحق موظفين ومقربين من رئيس الحكومة محمد شياع السوداني. كل ذلك في موازاة تبادل الاتهامات بين أطراف الائتلاف الحاكم (الإطار التنسيقي) بشأن ملف سرقة "الأمانات الضريبية"، المعروفة باسم "سرقة القرن".

في سياق تصدع النظام السياسي العراقي، فتحت شبكة "التنصت" التي كشف عنها القضاء العراقي، وأطاح زعيمها محمد جوحي، وهو موظف في مكتب رئيس الحكومة، باباً جديداً من التوتر في علاقة القضاء والحكومة. وأفادت المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، بأن "شبكة التجسس والتنصت راقبت هواتف نواب ووزراء وزعماء أحزاب، بالإضافة إلى قضاة"، مبينة أن "رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، منزعج كثيراً مما حدث، وأمر بعدم التهاون في جمع المعلومات عن هذه الشبكة، واعتقال كل من يرد اسمه في التحقيقات مع محمد جوحي أو غيره".

محيي الأنصاري: النظام السياسي العراقي يواجه صدمات عديدة تضرب أصل مشروعيته

السوداني وشبكة التنصت

ولم يبت حتى الآن في ما إذا كانت شبكة التنصت تابعة لمكتب رئيس الحكومة بشكلٍ مباشر، أم أنها احتالت على العنوان الحكومي ومضت بالنشاطات التجسسية، لكن ما تأكد من مصادر سياسية من مشارب حزبية متفرقة، أن "الشبكة مارست نشاطاتها التجسسية تجاه زعماء أحزاب وقادة في الفصائل المسلحة، وقد سجلت الشبكة معلومات شخصية عن بعضهم، ما أدى إلى انزعاج كبير، حينما كُشفت الحقيقة". وبحسب المصادر، فإن "تحالف الإطار التنسيقي منقسم حيال التعامل مع الأزمة، ما بين تحميل الحكومة الحالية المسؤولية، وبين معاقبة المتورطين الفعليين من موظفين ومنتفعين من الشبكة، وتسيير الأمور حتى نهاية عمر الحكومة الحالية"، مؤكدة أن "أطرافاً داخل الإطار التنسيقي أقرب إلى رفع يدها عن مواصلة دعم حكومة السوداني".

وانعكس هذا التشنج السياسي بين مكونات تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم في البلاد، إلى تبني مواقف بملفات أخرى، من بينها الموقف من قضية سرقة مبالغ "الأمانات الضريبية" البالغة أكثر من مليارين ونصف المليار دولار والمعروفة باسم "سرقة القرن"، خصوصاً بعدما أثار زعيم ائتلاف دولة القانون ضمن "الإطار التنسيقي" نوري المالكي مخاوف من مغبة التجاوز على السلطة القضائية في البلاد وأن ذلك "أكثر خطراً من الإرهاب"، فيما صعّد من مخاوفه، محذراً من انهيار النظام السياسي العراقي قريباً.

وظهر زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم في لقاء مع عدد من أنصاره، وقال إن "سرقة القرن تحتاج إلى محاكمة القرن، وأن تكون محاكمة المتهمين بسرقة القرن علنية". وسرعان ما دعم زعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي هذا الطرح بالقول "نُعلن تأييد إجراء محاكمة علنيّة وكبرى في قضية سرقة القرن، تَبُثها القنوات الفضائية ووسائل الإعلام بشكل مباشر".

وسبق هذه الدعوة ظهور رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون مدافعاً عن نفسه، بتأكيده امتلاك قطعتي أرض فقط، مبدياً استعداده للمثول أمام مجلس النواب في جلسة مكاشفة حول أملاكه. وجاء هذا التعليق عقب أحاديث سياسية، بعضها علني ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي مجموعات النخب السياسية والمراقبين، وآخر سري، ظهرت أطراف منه تتحدث عن احتمالات تورط هيئة النزاهة مع المتهم الأول بجريمة "سرقة القرن" نور زهير. وفتح حنون في مؤتمر صحافي، عقده في أربيل، النار على الجميع بالقول إن "المتهم بسرقة الأمانات الضريبية نور زهير زوّر 114 صكاً مالياً، وعليه أن يعاقب بـ114 حكماً، وأن القاضي ضياء جعفر (الذي يحاكم زهير منذ أشهر) يلاحقني بمذكرة قبض، مع العلم أن ملفات السرقة اختفت عنده". وأضاف حنون أن "التقصير في قضية نور زهير أمر بيني وبين القاضي جعفر، وأطالب البرلمان باستجواب كلينا في جلسة علنية، وأفضّل أن أودع السجن بشرف من دون أن أتستر على المتهمين"، فيما هتف أمام الصحافيين: "هيئة النزاهة مستضعفة".


علي البيدر: هناك جهات سياسية تريد أن تطيح خصومها من خلال التصعيد الإعلامي

كما كشف أن "القضاة والوزراء تسلّموا قطع أراضٍ بمساحات 600 متر مربع من الحكومة السابقة لضمان الولاء، وأن شخصاً بغيضاً وبائساً سرق فيديو من هاتف أحد القضاة وأراد ابتزازي". هذه المشاكل بين القضاة من جهة، والأحزاب والحكومة من جهة ثانية، لم يعرف أغلب العراقيين تفاصيلها، لكنهم باشروا النقاش في مجالسهم الخاصة عن أن النظام السياسي العراقي أوشك على الانهيار جرّاء الفساد المالي المستشري، بالإضافة إلى قيام أطراف سياسية بالتجسس على أطراف سياسية أخرى. وبلغت أشكال التجسس حالة من الدخول في الحياة الشخصية لبعض المسؤولين والنواب والسياسيين، ما دفع باتجاهات خصومة جديدة. ومع وجود أحزاب أظهرت رأيها ورؤيتها بشأن الأزمات المتسارعة في البلاد، مثل تيار الحكمة وحركة العصائب وائتلاف دولة القانون، إلا أن أحزاباً أخرى غابت مواقفها وبدت بلا موقف من المجريات، لا سيما أن بعضها مُتهم بالتورط سواء في فضيحة "شبكة التجسس"، أو جريمة "سرقة القرن"، فيما منعت أحزاب أخرى أعضاءها من الحديث عن هذين الملفين للصحافة والإعلام.

صدمات النظام السياسي العراقي

في السياق، قال رئيس حراك البيت العراقي محيي الأنصاري، لـ"العربي الجديد"، إن "النظام السياسي العراقي يواجه صدمات عديدة تضرب أصل مشروعيته في الاستمرار بالحكم مع موجة فضائح داخلية تتصاعد مع احتدام الصراع على موارد الدولة، حتى صار الفساد الإداري والسياسي والمالي هو العنوان الأبرز للتداول الصحافي والشغل الشاغل للرأي العام". وأضاف الأنصاري أن "تحالف الإطار التنسيقي منقسم حيال قضيتي سرقة القرن وشبكة التنصت، لأن بعض أطراف التحالف ينوون التحالف انتخابياً مع رئيس الوزراء والاستفادة من موارد وإمكانيات الحكومة في تعزيز مواردهم الاقتصادية وحظوظهم الانتخابية، فيما ذهب طرف آخر للتدافع وعدم منحه الفرصة بالولاية الثانية التي يحلم ويخطط لها منذ يومه الأول في المنصب، لاعتقادهم بأنه لم يعد مؤهلاً بعد فضيحة شبكة التنصت وتداعياتها".

أما المحلل السياسي المقرب من الحكومة العراقية علي البيدر، فقد أشار إلى أن "الكشف عن وجود شبكة للتجسس والتنصت في العراق هو أمر طبيعي وقد يكون حتميَّ الحدوث، خصوصاً في الدول ذات الديمقراطية الناشئة، وسببها قلة النضج السياسي واستغلال ضعف الدولة"، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك جهات سياسية تريد أن تطيح خصومها من خلال التصعيد الإعلامي بشأنها، وخلق فجوات في بعض مؤسسات الدولة وتحديداً الأمنية". وأضاف البيدر: "الموضوع حساس ولا يمكن لأي جهة أو سلطة أن تدين نفسها، والعمل الذي كان ينفذ من قبل الشبكة ليس بالأمر الكبير ولا يستدعي القلق".

المساهمون