يتصاعد التوتر شمالي وشرقي سورية، إثر استهداف جديد للقوات التركية في ريف محافظة إدلب، ما تسبب في وقوع قتلى وجرحى بين القوات التركية التي باشرت منذ صباح اليوم السبت قصف مواقع لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وسط مخاوف من قرب بدء عملية عسكرية تركية واسعة في المنطقة، بالتزامن مع تصاعد وتيرة التهديدات التركية بهذا الشأن.
وذكر الناشط محمد الشمالي لـ"العربي الجديد" أن القوات التركية قصفت فجر وصباح اليوم بالأسلحة الثقيلة مناطق مختلفة في ريفي الرقة وحلب، واستهدف القصف خاصة مواقع "قسد" في قرية أم البراميل، والطريق الدولي (إم 4) في ريف ناحية عين عيسى شمالي الرقة، ما أدى لوقوع أضرار مادية، كما طاول قرية المالكية وقلعة شوارغة في ناحية شرا في ريف عفرين.
ويأتي ذلك عقب تفجير وقع الليلة الماضية استهدف رتلاً عسكرياً في ريف إدلب، ما أسفر بحسب مصادر عدة عن مقتل جنديين تركيين وإصابة 5 آخرين.
وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن التفجير وقع نحو الساعة العاشرة من مساء أمس الجمعة، أثناء سير الرتل بالقرب من مفرق مدينة معرة مصرين، ما أدى إلى مقتل اثنين وإصابة ثلاثة آخرين في صفوف الجيش التركي، إضافة لإصابة ثلاثة من العناصر المرافقة للرتل من "الجيش الوطني السوري"، فضلاً عن إعطاب آليات عسكرية وسيارات في صفوف القوات التركية والفصائل، فيما عملت مروحيات تركية على سحب المصابين والقتلى، بالتزامن مع تحليق عدد من الطائرات المسيّرة في المكان.
وفيما لم يعلّق الجانب التركي على الحادثة حتى الآن، أعلنت ما تسمّى بـ"سرية أنصار أبو بكر الصديق" مسؤوليتها عن الهجوم الذي استهدف الرتل، وقالت إنه تم بواسطة سيارة مفخخة. وكانت السرية المذكورة قد تبنّت هجمات عدة استهدفت القوات التركية في منطقة شمال غربي سورية خلال الأشهر الماضية. والخميس الماضي، أعلن جهاز "الأمن العام" التابع لـ"هيئة تحرير الشام" إلقاء القبض على أحد مسؤولي التفخيخ في المجموعة.
وفي 10 سبتمبر/ أيلول الماضي، استُهدف رتل تركي على طريق إدلب - بنّش، ما أسفر عن مقتل جنديين تركيين وإصابة آخرين بجروح، فارق أحدهم الحياة في وقت لاحق، متأثراً بجروحه.
وتأتي هذه التطورات في وقت تعيش عموم مناطق سيطرة "قسد" في شمال وشمال شرق سورية، حالة من التوتر والترقب من إقدام القوات التركية على عملية واسعة في المنطقة بعد تصاعد تهديدات المسؤولين الأتراك بهذا الشأن، وحديثهم عن تنسيق محتمل مع القوات الروسية والتركية المنتشرة في المنطقة. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قيادة "قسد" أوعزت لعناصرها تعليمات تمنعهم من مغادرة مقراتهم في كل من دير الزور والرقة والشدادي والمناطق الخاضعة لنفوذها، لمدة ثلاثة أيام، وكل من يخالف التعليمات يعرض نفسه للمساءلة، وذلك بعد حصولها على معلومات تفيد بإعطاء الروس ضوءاً أخضر للأتراك باستهداف قيادات غير سورية في "قسد"، مشيراً إلى أن الروس يضغطون على قيادات "قسد" لتقديم تنازلات للنظام السوري.
وكان مسؤولان تركيان قد صرّحا، أمس الجمعة، لوكالة "رويترز"، أن تركيا تستعدّ لشنّ عملية عسكرية جديدة ضد "قسد"، إذا فشلت المحادثات بشأن هذه القضية مع الولايات المتحدة وروسيا.
ونقلت الوكالة عن مسؤول تركي كبير (لم تكشف عن اسمه) قوله إنه "من الضروري تطهير المناطق، لا سيما منطقة تل رفعت، التي تنطلق منها الهجمات ضدنا باستمرار". ولم يحدّد المصدر توقيت وطبيعة العمل العسكري، إلا أن الجيش التركي وجهاز الاستخبارات الوطني التركي يجريان الاستعدادات، حسب "رويترز".
وأشار المسؤولان إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيناقش هذه القضية مع نظيره الأميركي جو بايدن، خلال لقائهما في قمة مجموعة العشرين التي تُعقد نهاية الشهر الحالي. كما أشار مسؤول تركي ثالث إلى ضرورة إبعاد الوحدات الكردية مسافة 30 كيلومتراً على الأقل، وأن روسيا تسيطر تماماً على المناطق التي جاءت منها الهجمات الأخيرة، إلى جانب بعض العناصر الإيرانيين.
وأضاف أن أردوغان سيجري محادثات أيضاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد محادثاته مع بايدن، قائلاً: "إذا لم تكن هناك نتيجة من المحادثات الدبلوماسية، ولم يغادر حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السياسي لـ"قسد"، هذه المناطق، فإن العملية تبدو حتمية في تل رفعت وعدة مواقع أخرى".
وشنت القوات التركية ثلاث عمليات توغل في الأراضي السورية بالسنوات الخمس الماضية، وفرضت سيطرتها على مئات الكيلومترات على طول الشريط الحدودي، وتوغلت بعمق نحو 30 كيلومتراً في شمالي سورية.
كما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس الجمعة أن "كفاح تركيا في سورية سيستمر بشكل مختلف للغاية في الفترة المقبلة"، بحسب ما نقلته وكالة "الأناضول".
ولفت أردوغان إلى أن التنظيمات الكردية المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة تصول وتجول "ليس في الشمال فقط، بل في عموم سورية، وهي تمارس إرهابها باستخدام الأسلحة والذخائر والمعدات التي قدمتها تلك الأطراف بذريعة مكافحة تنظيم "داعش".
وأضاف: "كفاحنا في سورية سيستمرّ بشكل مختلف للغاية في الفترة المقبلة، سنخوض جميع أشكال الكفاح اللازم ضد تلك التنظيمات الإرهابية والقوات المدعومة أميركياً هناك، وكذلك ضد قوات النظام السوري ونحن عاقدون العزم في هذا الخصوص".
وسبق أن حمّل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو روسيا والولايات المتحدة مسؤولية الهجمات التي استهدفت القوات التركية في سورية، مشدداً على أن بلاده "ستفعل ما يلزم".
وفي السياق، قال القيادي في المعارضة السورية العميد فاتح حسون إن قرار الحرب في الشمال السوري هو بيد المستوى السياسي، وإن رفع القوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري من جاهزيتهم لا يعني أننا أمام عملية عسكرية وشيكة، "لأن هذا أمر دوري، لتكون تلك القوات في حالة جاهزية حال تلقيها الأوامر من المستوى السياسي".
ولفت حسون، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، إلى أن تركيا ربما قد تتخذ قراراً منفرداً بشأن شنّ عملية عسكرية في المنطقة دون انتظار موافقة الجانبين الروسي والأميركي، كما توحي بذلك التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية التركي.
وتفيد تقديرات بأن هدف العملية العسكرية التركية المتوقعة غير واضح تماماً حتى الآن، وقد يكون المساحة الممتدة بين رأس العين إلى القامشلي، أو تل رفعت ومحيطها، أو عين العرب ومنبج، أو عين العرب فقط، والإبقاء على منبج في حالة شبه حصار حالياً، على الرغم من أن صحيفة يني شفق التركية ذهبت إلى أبعد من ذلك بالتأكيد أن العملية المرتقبة ستشمل منبج وتل رفعت وعين عيسى وتل حلف.
ومن جانب آخر، تشير تقديرات أخرى الى أن التحرك التركي قد يكون مجرد عمليات قصف بواسطة طائرات مسيّرة تركية لأي مكان يشتبه في وجود أشخاص من حزب "العمال الكردستاني" فيه، وقيادات وعناصر أخرى في قوات "قسد".