تصاعد الأصوات الرافضة لجونسون داخل حزبه

31 مايو 2022
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون (Getty)
+ الخط -

وصل عدد النوّاب "المحافظين" ممن طالبوا رئيس الوزراء بوريس جونسون بالتنحّي إلى 28 نائباً، وهو رقم ينذر بالأسوأ بالنسبة إلى مستقبله السياسي كزعيم للحزب وكرئيس للوزراء. وجاءت العطلة البرلمانية في وقت حرج، إذ عاد معظم النوّاب إلى دوائرهم الانتخابية في مناطقهم، وهناك وجدوا أنفسهم في مواجهة صعبة للغاية مع الناخبين الغاضبين والمنهكين في الوقت ذاته بسبب أزمة المعيشة التي تواجهها بريطانيا.

وجاءت العطلة البرلمانية بعد أيام قليلة من نشر كبيرة موظّفي الخدمة المدنية سو غراي لتقريرها الموعود، حول "حفلات داونينغ ستريت" وخرق رئيس الوزراء للقانون المتعلّق بالإغلاق العام في أوج تفشّي كوفيد-19. تقرير "سو غراي" أخرج الكثير من النوّاب "المحافظين" عن صمتهم، حيث لم يعد يتعلّق الموضوع بمواقفهم الشخصية من جونسون، بل بمستقبلهم السياسي هم أيضاً. سيكون من الصعب عليهم الحصول على أصوات تبقيهم في البرلمان لو استمرّوا في الدفاع عن جونسون الذي خرق القواعد بالدليل القاطع، لا بل لو استمرّوا في صمتهم أيضاً ولم يعلنوا على الملأ موقفهم المعارض له ولسلوكه خلال الأشهر الماضية.

هذا ما دفع الكثير من النوّاب الـ28 للمطالبة بحجب الثقة عن رئيس الوزراء بشكل علني أمام دوائرهم الانتخابية أو على مواقعهم على الإنترنت. النائب البارز أندرو بريدغن قال مثلاً مخاطباً ناخبيه شمال غرب ليسترشاير: "اعتقدت أنه خلال المراحل الأولى من الحرب الروسية الأوكرانية سيكون من الخطأ التنافس على الزعامة"، معلناً أنه قدّم خطاب حجب الثقة. وإن كانت أزمة أوكرانيا قد أسعفت جونسون في الأشهر الماضية، على حدّ تعبير بريدغن، يبدو أنها لم تعد كذلك بعد نشر سو غراي تقريرها وبعد انتهاء الشرطة من تحقيقاتها والحديث عن حفلات إضافية أقيمت في مقرّ إقامة رئيس الوزراء ولم تخضع للمراقبة بعد. ويحتاج إجراء تصويت على سحب الثقة من رئيس الوزراء، إرسال 54 خطاباً لرئيس لجنة 1922 في "حزب المحافظين" غراهام برادي، أي أن الأرقام تشير إلى اقتراب الحزب من لحظة التصويت تلك مع وصول عدد النوّاب "المعارضين" لبقاء جونسون إلى 28.

تأتي ردود الفعل هذه بعد أيام قليلة أيضاً من تعديل مثير للجدل أجراه جونسون على القانون الوزاري بما يتيح للوزراء الاكتفاء بالاعتذار في حال خرقوا القواعد مبعداً عنهم (وعنه بشكل أساسي) ضرورة التنحّي. وفي رسالة إلى صحيفة "ذا تايمز"، كتبت جين مارتن التي عملت في لجنة المعايير في الحياة العامة لمدة خمس سنوات حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن جونسون "أساء استخدام القانون الوزاري"، مضيفة أنه أخطأ في استخدام التقرير الذي أعدّته لجنتها بما يضعف القوانين. وقالت مارتن، في رسالتها أيضاً، إن توصياتها في صيغتها الأصلية كانت تهدف إلى تطوير نهج متوازن للمساءلة مع العقوبات المناسبة، بما في ذلك الاستقالة في حال كان الانتهاك خطيراً، مثل تضليل البرلمان.

المطالبون برحيله من "حزب المحافظين" هم أنفسهم الذين ساعدوا على وصوله إلى رئاسة الوزراء في العام 2019

ويبدو المأزق الذي يعيشه جونسون واضحاً اليوم أكثر من أي وقت مضى، فهو من جهة يواجه ضغوطاً متزايدة من حزبه ومن جهة أخرى يواجه أزمة اقتصادية شديدة الخطورة. المطالبون برحيله من "حزب المحافظين" هم أنفسهم الذين ساعدوا على وصوله إلى رئاسة الوزراء في العام 2019، كما أن الدعم الذي كان يحصل عليه من المقاعد الأكثر تأييداً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يبدو متعثّراً اليوم. يضاف إلى ذلك عجزه عن تقديم إجراءات حقيقية واستثنائية تنتشل البريطانيين من قلقهم المتصاعد بسبب غلاء المعيشة وتمتصّ غضبهم مما وصلت إليه الحياة السياسة أيضاً. حيث بيّن استطلاع للرأي أجراه أخيراً مركز الاستطلاع السياسي والشعبي "إيبسوس" أن نصف البريطانيين عبّروا عن عدم ثقتهم بأن يفضي تقرير "سو غراي" إلى محاسبة المسؤولين. مما يحيل إلى أزمة ثقة كبيرة تعيشها الحكومة في بلد تشكّل فيه معايير النزاهة والشفافية والمساءلة والمحاسبة أهمية كبيرة.

ويبدو أن حزمة الحكومة الأخيرة البالغة 15 مليار جنيه إسترليني والرامية إلى تخفيف الأزمة المعيشية لن تحسّن مكانة الحزب ولن تستعيد ثقة الناخبين المنهكين فعلاً والقلقين على مستقبلهم ومستقبل أولادهم. وتقول مصادر مقرّبة من الحكومة إن حزمة المساعدات الأخيرة تدلّ على أن جونسون يفتقد أكثر مما مضى إلى الإحساس بالأمان في منصبه كرئيس للوزراء. لأن سياسات "حزب المحافظين" عبر التاريخ تشير إلى أنه كلما كان رئيس الوزراء أكثر أماناً في منصبه، كلّما ابتعد عن هموم الناخبين.

وفي هذه الأثناء، ينتظر البريطانيون عودة نوّاب البرلمان من عطلتهم نهاية الأسبوع القادم، كما ينتظرون نتائج الانتخابات البرلمانية الفرعية في 23 يونيو/حزيران والتي ستكون بحسب مقرّبين من الأحزاب المعارضة، حاسمة بالنسبة لمستقبل جونسون. وستجري تلك الانتخابات في كل من تيفيرتون وهونيتون وويكفيلد. يسعى "الحزب الديمقراطي الليبرالي" إلى الاستيلاء على تيفرتون وهونيتون بينما يسعى "حزب العمال" لتأمين ويكفيلد. ومن المرجّح أن يواجه جونسون تصويتاً بالإجماع على حجب الثقة إذا ما خسر حزبه مرّتين في تلك الانتخابات الفرعية الشهر المقبل.

المساهمون