شيّع مئات الفلسطينيين، ظهر اليوم الثلاثاء، جثمان فراس يعيش (53 عاماً)، الذي قضى في الأحداث التي لا تزال جارية في مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، بين الشبان الفلسطينيين وقوات الأمن الفلسطينية، بعد اعتقال الأمن الفلسطيني مطاردين لقوات الاحتلال.
وبعد الانتهاء من تشريح جثمان يعيش في معهد الطب العدلي التابع لجامعة النجاح بنابلس، نقل إلى مسجد الحاج نمر النابلسي، حيث أُديت صلاة الجنازة عليه، ومن ثم حمله المشيعون على الأكتاف وسط هتافات تدعو إلى محاسبة المسؤولين عن جريمة مقتله، وتندد باستمرار الأحداث الداخلية.
وخلال مواراته الثرى، قال الناطق باسم عائلة يعيش، رئيس بلدية نابلس الأسبق عدلي يعيش، لـ"العربي الجديد"، إن "مُصاب العائلة كبير بفقدان هذا الرجل الذي لم يؤذِ أحداً في حياته، كان مسالماً إلى أبعد الحدود"، مؤكداً أن العائلة تطالب الجهات المختصة بالوقوف عند مسؤولياتها، وإجراء التحريات اللازمة لمعرفة من يقف خلف مقتل ابنهم.
وتابع يعيش: "لا نريد لدمه أن يتحول لمادة للمناكفات وتسجيل المواقف، لكننا نؤمن أن الله لا يرضى بالظلم، وسينصفه ويقتص من الفاعلين والساعين إلى خلق الفوضى في صفوف شعبنا الفلسطيني".
بدورها، دعت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" إلى فتح تحقيق جنائي فوري في مقتل المواطن فراس يعيش، وإصابة المواطن أنس عبد الفتاح، وإعلان نتائج التحقيق، وتقديم كل من يثبت تورطه في مخالفة القانون أو تعليمات إطلاق النار من الأجهزة الأمنية للمساءلة.
وأشارت الهيئة، في بيان صحافي صادر عنها اليوم الثلاثاء، إلى أنها انتدبت طبيباً شرعياً للمشاركة في تشريح جثمان يعيش، مردفة أنه "تم الترتيب لممثل عن الهيئة لزيارة الموقوفين والالتقاء بهم والاطلاع على ظروف توقيفهم والإجراءات المتخذة بحقهم".
وأضافت: "ننظر بقلق بالغ للأحداث المؤسفة التي وقعت الليلة الماضية واليوم في مدينة نابلس، احتجاجاً على إقدام أجهزة الأمن الفلسطينية على اعتقال الشابين مصعب اشتية وعميد طبيلة، وما رافق هذه الأحداث من أعمال احتجاج وإطلاق نار".
وطالبت الهيئة المستقلة جميع الجهات والفعاليات والأجهزة الأمنية والمواطنين بـ"ضبط النفس والاحتكام إلى القانون والحفاظ على السلم الأهلي، وحماية الممتلكات الخاصة والعامة".
من جهتها، قالت مجموعة "محامون من أجل العدالة" إنها تابعت التوتر الحاصل في مدينة نابلس، على أثر اعتقال الأجهزة التنفيذية للسلطة الفلسطينية الشابين اشتية وطبيلة في المدينة، ومقتل يعيش، خلال الاحتجاجات رفضاً للاعتقال.
في سياق متصل، دانت مجموعة "محامون من أجل العدالة" مقتل المواطن يعيش وإصابة آخرين، وترى أن "إراقة هذه الدماء الفلسطينية على أرض مدينة نابلس ما هي إلا نتيجة متوقّعة بعد إعطاء الجهات المتنفذة الضوء الأخضر بالتغول على القانون، ومنح أنفسهم الحق في التعدي على المواطنين على أسسٍ سياسية".
وقالت المجموعة، في بيان لها، إنها ترى أن "استخدام الأجهزة التنفيذية المصفحاتِ، والسلاح، وقنابل الغاز، وفقاً للتقارير الواردة من نابلس، واستخدامها بحق المحتجين على عملية الاعتقال، هو تعدٍ واضح للقانون والتعامل مع المواطنين المعبرين عن رأيهم، وأن وعود عدم استخدام قوى الأمن العنف بحق المواطنين التي صدرت بعد قمع الاحتجاجات المنددة باغتيال نزار بنات، في يونيو/حزيران من عام 2021، لم تُطبّق على أرض الواقع".
واعتبرت أن اعتقال اشتية وطبيلة يأتي "ضمن سلسلة الاعتقالات السياسية التي تنفذها الأجهزة التنفيذية، والتي طاولت سابقاً مطاردين ومطلوبين للاحتلال الإسرائيلي في مدينة جنين، كما تذكّر بشهداء نابلس الذين ارتقوا في الفترة الماضية، والذين واجهوا الاعتقال السياسي وملاحقة الأجهزة التنفيذية قبل ارتقائهم، وتذكرنا بعددٍ من الأسرى في سجون الاحتلال الذين حُقق معهم على قضايا سابقة خلال اعتقالهم السياسي لدى السلطة الفلسطينية".
وطالبت المجموعة بـ"الإفراج الفوري عن أبناء مدينة نابلس المعتقلين، وضبط النفس، واحترام حرية الرأي والتعبير، وعدم استخدام السلاح بحق المواطنين والمحتجين، وبالمحاسبة الفورية لمن قتل يعيش"، كما دعت إلى "تطبيق نتائج لجان التحقيق السابقة وتوصياتها الداعية إلى كفّ الأجهزة التنفيذية سلاحها عن المواطنين".
وكانت "مجموعات عرين الأسود" قد دعت جماهير مدينة نابلس إلى "النفير العام والعصيان المدني الشامل في جميع شوارع ومناطق المدينة".
وقالت المجموعات، في بيان صحافي: "ندعو إلى إشعال الإطارات ووضع المتاريس وإغلاق الشوارع، لتكون رسالة واضحة منكم على التفافكم حول حالة المقاومة والمطاردين داخل البلدة القديمة، ورفضكم سياسة الاعتقال السياسي التي تتبعها السلطة".
وأشارت "عرين الأسود" إلى أن "النفير العام والعصيان المدني سيستمر حتى تحقيق مطالبنا بالإفراج عن إخوتنا مصعب اشتية وعميد طبيلة".
وقالت المجموعة التي تتمركز في البلدة القديمة في نابلس، في بيان مقتضب، إن "جهود مؤسسات المجتمع المدني والوفود التي توجهت لنا مباركة ومشكورة ومقدّرة، ولكن لا فك لحالة العصيان المدني التي دخلتها مدينة نابلس إلا بالإفراج عن اشتية".
في المقابل، دعت "جماهير الشعب الفلسطيني للحفاظ على السلم الأهلي والمجتمعي، وأمن وسلامة المواطنين"، وكانت المجموعة قد دعت جماهير مدينة نابلس إلى النفير العام والعصيان المدني الشامل في جميع شوارع ومناطق المدينة.
يُشار إلى أن ست إصابات بالرصاص قد وقعت خلال الأحداث في نابلس، بينها إصابات خطيرة، علاوة على وقوع إصابات بالاختناق بالغاز المسيل للدموع.
وحذرت مؤسسة "الحق" الفلسطينية، مساء اليوم الثلاثاء، من خطورة الوضع القائم إثر الأحداث التي شهدتها مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، بعد اعتقال المطارد من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي مصعب اشتية، داعية كافة الأطراف إلى إعلاء المصلحة الوطنية والحفاظ على السلم الأهلي وتغليب لغة الحوار في معالجة الأزمة الراهنة.
وأكدت الحق في بيان صحافي، على ضرورة المساءلة لكل من يثبت تورطه بانتهاكات حقوق الإنسان لما له من أهمية في تحقيق الاستقرار، وجبر الضرر، والحفاظ على النسيج المجتمعي، وتعزيز مبدأ سيادة القانون.
وقالت المؤسسة إنها تدرس الأحداث المؤسفة في نابلس، مساء الإثنين، وتعمل على توثيقها، والتحقق من معطياتها، وستقوم بنشر نتائج التحقيق فور الانتهاء منه.
وطالبت "الحق"، النيابة العامة بسرعة فتح تحقيق جزائي بمقتل المواطن فراس يعيش، وإصابة خمسة مواطنين آخرين، وإعلان النتائج، وإحالة كل من يثبت تورطه إلى القضاء المختص لاتخاذ المقتضى القانوني بحقه، فيما طالبت "الحق" النيابة العسكرية بفتح تحقيق سريع بالأحداث المؤسفة، والتحقق من قيام عناصر الأمن بالالتزام بمدونة قواعد استخدام القوة والأسلحة النارية، وإحالة المخالفين للقضاء المختص لاتخاذ المقتضى القانوني.
كما طالبت النائب العام بمراجعة إجراءات القبض والتوقيف التي قام بها عناصر الأمن بحق المواطنين اشتية وطبيلة، ومدى احترامها للإجراءات والضمانات المقرة قانوناً، بينما طالبت الحكومة الفلسطينية بالتعامل مع الأحداث بأعلى قدر من المسؤولية الوطنية والقانونية، وتطبيق مبدأ سيادة القانون، واحترام التشريعات النافذة بشأن التجمعات الجماهيرية، وبخاصة مدونة قواعد استخدام الأسلحة النارية.
وكان مجلس الوزراء الفلسطيني، قد دعا في بيان له، إلى "تغليب الحكمة، وعدم الانجرار وراء محاولات سلطات الاحتلال زرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وإشاعة الفوضى ليتسنى لها تمرير سياساتها الرامية لتقويض حلم شعبنا بالحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال".
كما شدد المجلس، في تعقيبه على الأحداث المؤسفة التي وقعت في مدينة نابلس صباح اليوم، على "ضرورة الحفاظ على القانون والنظام العام، وتحريم الدم الفلسطيني، والتحلي بالمسؤولية والوحدة الوطنية، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لتصليب تلك الوحدة، بينما لا تتوقف سلطات الاحتلال عن سياساتها وممارساتها العنصرية في جميع الأراضي المحتلة".
وتقدّم المجلس بالتعازي والمواساة إلى عائلة يعيش، في وفاة ابنها فراس يعيش، الذي كان يقف أمام منزله في المدينة، وأضاف البيان أن النيابة العامة فتحت تحقيقاً في ظروف وفاته، وأن رئيس الوزراء يتابع الأوضاع أولاً بأول، كما يواصل وزير الداخلية اللواء زياد هب الريح اتصالاته مع جميع الفعاليات في المدينة لنزع فتيل الأحداث، والحفاظ على السلم الأهلي، بحسب البيان.