تشكك حيال مبادرة باتيلي: تفاصيل غامضة وأسئلة بلا أجوبة

13 مارس 2023
وصف باتيلي الواقع الحالي لجهود الإعداد للانتخابات (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال الغموض يحيط بمبادرة المبعوث الأممي الى ليبيا عبد الله باتيلي، الخاصة بتيسير إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة منذ نهاية عام 2021، وسط تضارب في الآراء حول ما أعلنه أمس الأول السبت، بين الإخفاق والفشل، وبين الاتجاه التدريجي لكسر سيطرة الأطراف المتنفذة في المشهد على مصير الانتخابات.
وبعد أن أعلن باتيلي، خلال إحاطته التي قدمها إلى مجلس الأمن في 27 فبراير/ شباط الماضي، عزمه إطلاق مبادرة لتجاوز الانسداد السياسي وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية خلال العام الحالي، عقد أول من أمس السبت مؤتمراً صحافياً، في طرابلس، لشرح مبادرته، إلا أنه لم يتحدث عن تفاصيل جديدة، ما دفع ببعض المراقبين إلى الاعتقاد بأنه تراجع عن مبادرته، تحت ضغوط داخلية وخارجية.

جهود الإعداد للانتخابات الليبية

وسار حديث باتيلي أثناء المؤتمر الصحافي في اتجاهين؛ الأول استعرض فيه محطات عمله ولقاءاته بالقادة الليبيين ومسار عمل الأطراف الليبية، خصوصاً مجلس النواب ومجلس الدولة، منذ توليه مهامه في رئاسة البعثة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ووصف باتيلي في الاتجاه الثاني الواقع الحالي لجهود الإعداد للانتخابات. وفيما حث فيه الأطراف الليبية على ضرورة المضي في نحو التوافق حول قاعدة دستورية وقوانين انتخابية، فقد أثنى على التوافق الحاصل بين مجلسي النواب والدولة حول تعديل الإعلان الدستوري، إلا أنه استدرك بـ"أن الخلاف بين المجلسين لا يزال قائماً حول شروط الترشح للانتخابات الرئاسية"، وعليه "لا يمكن تحديد موعد للانتخابات قبل الانتهاء من إعداد القوانين والاتفاق عليها". 

اعتبر أشرف النيهوم أن الجميع أفرط في التفاؤل حيال جهود باتيلي
 

وربط باتيلي بين نجاح المجلسين في إصدار القوانين الانتخابية وبين سرعة وتيرة عملهما على إصدار التعديل الدستوري، معتبراً أنهما "إذا سارعا بنفس الوتيرة، يمكن إصدار القوانين الانتخابية قبل منتصف يونيو/ حزيران المقبل، وإجراء الانتخابات خلال العام الحالي".
وأضاف: "لا يجب أن تُترك الانتخابات بيد مجلسي النواب والدولة فقط، فقد كان بإمكان المجلسين الانتهاء من القاعدة الدستورية في العام الماضي"، مشيراً إلى أن اختصاصات مجلس النواب "انتهت، فمدة انتخابهم انتهت، وعليهم تقديم أنفسهم للشعب من جديد لانتخابهم".
وفيما لم يوضح باتيلي الكثير من تفاصيل مبادرته، بما فيها كيفية تشكيل اللجنة التوجيهية التي ستعمل على "تيسير اعتماد إطار قانوني وجدول زمني مُلزم لإجراء الانتخابات في 2023"، إلا أنه أشار إلى إضافة جديدة تختلف عن المبادرات السابقة، وتتعلق بضرورة تهيئة المناخ الأمني لإجراء الانتخابات من خلال لجنة "5 + 5" العسكرية فـ"التمهيد للانتخابات لا يتوقف عند إصدار الأطر الدستورية والقانونية فقط".
ولقي حديث باتيلي في المؤتمر الصحافي ترحيباً من جانب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، واستعداداً لدعم جهوده، فيما تحفظ رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري على إبداء موقف مجلسه بشكل واضح، قائلاً، في تغريدة: "لدينا الإرادة السياسية القوية لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، تجمع كل مكونات المجتمع الليبي قبل نهاية هذا العام". في المقابل لم يصدر عن مجلس النواب أي تعليق أو موقف حتى مساء أمس الأحد.

إفراط في التفاؤل بجهود باتيلي

وعبّر الباحث أشرف النيهوم عن استيائه من حديث باتيلي، معتبراً أن الجميع أفرط في التفاؤل حيال جهوده، وإمكانية أن تحمل مبادرته جديداً يجبر الأطراف المعرقلة للانتخابات على الرضوخ.
وقال النيهوم، لـ"العربي الجديد"، إن "ما تحدث عنه باتيلي إعلان مبادئ ونوايا وليس مبادرة، فمن سينقل هذا الكلام النظري إلى تطبيقي، ومن سيشكل أعضاء اللجنة التوجيهية، ومن سيجبر كل الأطراف على القبول بنتائج عملها. كلها أسئلة تدور حول كلام باتيلي لا جواب لها".
وأضاف النيهوم أن "ترحيب باتيلي بتوافق مجلسي النواب والدولة يدل على تراجع كبير عما أعلنه أمام مجلس الأمن (تحدث باتيلي عن تعثر الإعلان الدستوري وفشل المجلسين في التوافق). والآن يقول إن دور مجلس النواب انتهى، ومن جانب آخر يقول إن عمل المجلسين من خلال لجنة 6+6 (لجنة مشتركة من المجلسين) إذا سار بنفس الوتيرة يمكن أن يصدر خريطة الطريق والقوانين الانتخابية قبل منتصف يونيو المقبل. يعني أنه تراجع وأرجع الأمر للمجلسين".
وأشار إلى أن "لجنة 6+6 ستصطدم بالنقاط الخلافية الخاصة بترشيح العسكريين ومزدوجي الجنسية التي لا يوجد لها حسم، ما يعني فشلاً مؤكداً لعمل اللجنة، وبالتالي ضياع السنة الحالية من دون أن يتم التقدم بخطوات جديدة".
وفيما اعتبر النيهوم أن باتيلي أعلن فشله خلال مؤتمره الصحافي أمس الأول، وأن مجلسي النواب والدولة عندما توافقا على التعديل الدستوري نجحا في قطع الطريق أمامه واستعادة السيطرة على قرار الانتخابات، ذهب الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية خليفة الحداد الى العكس من ذلك.

توصيف لفشل مجلسي النواب والدولة

ورأى الحداد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن حديث باتيلي عن مجلسي النواب والدولة وتوافقهما حول التعديل الدستوري، وعزمها تشكيل لجنة "6 + 6"، "هو توصيف لفشلهما المقبل، فهو كان يتحدث عن نتيجة عمل المجلسين قبل أن يصلا إليها، ولذا نبه إلى أن صلاحيات مجلس النواب انتهت، ولا يجب أن يُترك مصير الانتخابات بين المجلسين".

 

وشرح الحداد قراءته لمضمون كلام باتيلي، قائلاً إن "اللجنة التوجيهية التي يعتزم باتيلي تكوينها ستعمل بالتوازي مع عمل المجلسين، وستستمر عند فشل المجلسين، وهو ما قصده بقوله علينا ألا نترك مصير الانتخابات للمجلسين. كما أنه ترك المجلسين في حيرة عندما لم يعلن عن تفاصيل اللجنة التوجيهية وصلاحياتها وكيفية اختيار أعضائها".
واعتبر الحداد أن باتيلي قطع الطريق أمام مجلسي النواب والدولة عندما حصر مهامهما في الإعداد للإطار الدستوري لـ"يضيق الخناق عليهما ويحشرهما في زاوية الفشل. ولو لاحظنا فإنه لم يتحدث عن أهداف المجلسين الأخرى، وهي تغيير المناصب السيادية وتشكيل حكومة موحدة، وهو هدف أساسي للمجلسين عندما تقاربا مؤخراً".
ولفت الحداد إلى أن باتيلي شدد على قضايا أخرى تتعلق بتسهيل إجراء الانتخابات، ومنها تحسين البيئة الأمنية وتسهيل تنقل المرشحين خلال حملاتهم الانتخابية.
وأشار إلى أن هذه المهمة ستتولاها لجنة "5+5" العسكرية، موضحاً أن "ذلك كان جواب باتيلي غير المباشر للمجلسين بشأن تشكيل حكومة موحدة مهمتها تأمين إجراء الانتخابات، وعليه فالمجلسين لا عمل لهما إلا إصدار القوانين الانتخابية، التي لن يتمكنا من خلال لجنة 6 +6 من إصدارها، ما يعني أن الطريق ستكون ممهدة ومفتوحة أمام اللجنة التوجيهية بإشراف مباشر من البعثة".
وحول الموقف الدولي والإقليمي، لفت الحداد إلى أن "مصر وروسيا من الواضح أنهما يتحفظان على مسار عمل باتيلي، بينما تدعم واشنطن والعواصم الأوروبية عمله، والنتيجة ستكون في قدرة موسكو وتأثير القاهرة على مجلس الأمن عندما سيصدر قراراً ليحصن مبادرة باتيلي وفرض نتائجها".

دعم أميركي وبريطاني لباتيلي

على الصعيد الدولي، حث المبعوث الأميركي إلى ليبيا وسفيرها، ريتشارد نورلاند، الأطراف السياسية الليبية على "الاستماع لملاحظات باتيلي، والنظر في كيف يمكن أن يكونوا جزءاً من حل يكسر الجمود السياسي"، وفق ما أوردته السفارة الأميركية، في تغريدة على "تويتر"، السبت الماضي.
من جانبها، أكدت السفير البريطانية لدى ليبيا كارولين هورندال، في تغريدة أمس الأول، دعم بلادها الكامل لمبادرة باتيلي، مؤكدة أن "نجاح الانتخابات في ليبيا يحتاج لإجماع سياسي واجتماعي أوسع على القضايا الرئيسية، إضافة إلى إنجاز القوانين كافة".

قضايا وناس
التحديثات الحية
المساهمون