تشابك المشهد السياسي والأمني في إسرائيل

21 يونيو 2024
تظاهرة للحريديم في القدس المحتلة، يونيو الحالي (سعيد قاق/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- إسرائيل تواجه توترات سياسية وأمنية متزايدة، مع استمرار الحرب على غزة والتصعيد مع حزب الله، وتحاول الأحزاب الحريدية استغلال الأوضاع لتحقيق مكاسب خاصة، مما يزيد التوتر داخل الائتلاف الحكومي.
- التحديات تشمل محاولات تعديل القوانين لصالح الأحزاب الحريدية، مثل إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية، مما يثير جدلًا ومعارضة داخل المجتمع والكنيست.
- استطلاع للرأي يظهر دعمًا متزايدًا لتوسيع العمليات العسكرية ضد حزب الله، رغم مخاطر توسع الجبهة الشمالية، في وقت تواجه فيه الحكومة تحديات سياسية قد تؤثر على استقرارها.

يكاد لا يمر أسبوع من دون أزمات سياسية أو توترات أو تغيرات، صغيرة أو كبيرة، في المشهد السياسي والأمني في إسرائيل بالتوازي مع استمرار تعثر حرب الإبادة على قطاع غزة وعدم تحقيق أي من أهدافها الاستراتيجية، وزيادة التصعيد العسكري على الجبهة الشمالية. في الوضع الراهن، يرتبط المشهد السياسي بشكل وثيق ومباشر بالحالة الأمنية، والعكس صحيح.

وينعكس تشابك المشهد السياسي والأمني في إسرائيل بشكل خاص في محاولة الأحزاب الحريدية المتزمتة ابتزاز رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وتحصيل بعض الإنجازات العينية للمجتمع الحريدي المتزمت، ربما بسبب تقديرهم أن نهاية الحكومة الحالية باتت قريبة، مقابل رفض المجتمع الإسرائيلي لهذه المحاولات لأسباب مبدئية، زادت حدتها بسبب حالة الحرب على قطاع غزة واحتمال توسع جبهة الشمال أمام حزب الله.

الأبرز في المشهد السياسي والأمني في إسرائيل في الأسابيع الاخيرة كان محاولة الأحزاب الحريدية حسم قضية إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية بواسطة سن قانون في الكنيست، والذي تعتبره قضية مبدئية تم الالتزام بها في اتفاق التحالف مع حزب الليكود. تعثر ترتيب هذا الملف كاد أن يؤدي إلى أزمة سياسية جدية بين رئيس الحكومة والأحزاب الحريدية، من جهة، وأزمة دستورية مقابل المحكمة العليا التي طالبت بسن قانون لترتيب الإعفاء من الخدمة وعدم الاكتفاء بقرار من الحكومة، من جهة ثانية.

بات تحالف نتنياهو مع الأحزاب الحريدية يشكل عبئاً ومصدراً لعدم الاستقرار السياسي

إلا أن التحالف الحكومي نجح قبل نحو عشرة أيام في تخطي الأزمة بواسطة تمرير قانون يسمح الاستمرار بطرح اقتراح قانون لترتيب إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية، كان قد أقر بالقراءة الأولى قبل عامين من قبل وزير الأمن حينها، والوزير المستقيل حديثاً من حكومة الحرب، بني غانتس. وقد تم إقرار القانون بتأييد 63 عضو كنيست من أصل 64 في التحالف الحكومي، بعد معارضة وزير الأمن يوآف غالانت لهذا القانون. إلا أن إقرار القانون لا يعني انتهاء الأزمة، بحيث أعلن وزير الاقتصاد نير بركات، أمس الأول الأربعاء، أنه هو وعدد من أعضاء الكنيست من الليكود لن يدعموا مشروع القانون بصيغته الحالية في مراحل التشريع المقبلة. أي أن أزمة قانون التجنيد ستلازم حكومة نتنياهو في الأسابيع المقبلة أيضاً، ويستمر معها عدم رضى الأحزاب الحريدية من أداء التحالف.

أزمة جديدة بين نتنياهو والأحزاب الحريدية

وفي إطار تشابك المشهد السياسي والأمني في إسرائيل، شهد الأسبوع الحالي أزمة جديدة بين نتنياهو والأحزاب الحريدية، متمثلة في محاولة رئيس حزب شاس آرييه درعي سن قانون لنقل صلاحيات تعيين "الحاخام الرئيسي" في البلدات الإسرائيلية من السلطة المحلية إلى وزير الأديان، وهو حالياً ميخال ملكئيل من حزب شاس. وقد كان من المفروض أن يصوت الكنيست خلال الأسبوع الحالي على اقتراح القانون هذا، الأمر الذي أدى إلى أزمة سياسية داخل التحالف الحكومي، بحيث أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير معارضته لمشروع القانون في محاولة منه لابتزاز نتنياهو بغية ضمه إلى الدائرة المصغرة لاتخاذ القرارات حول الحرب على غزة، وأيضاً إلى أزمة داخل حزب الليكود ذاته، إذ عارض اقتراح القانون عدد كبير من رؤساء السلطات المحلية وكذلك عدد من أعضاء الكنيست من حزب الليكود.

الإعلام الإسرائيلي تعامل مع اقتراح القانون هذا على أنه يؤدي إلى زيادة الفساد السلطوي للأحزاب الحريدية، وأن درعي يرمي عبر هذا القانون لزيادة سيطرة حزب شاس على المؤسسات الدينية المحلية وإرفاقها لسلطة وزير الأديان، وإنتاج مئات الوظائف الحكومية ذات دخل مرتفع لمقربي الحزب، بالرغم من الأوضاع الاقتصادية السيئة في إسرائيل. وبعد أن وجد نتنياهو أنه لم ينجح في ضمان أغلبية لتمرير اقتراح القانون، والأزمة السياسية التي يمكن أن يدخل بها التحالف الحكومي، قرر تأجيل طرحه، الأمر الذي أثار حفيظة درعي، وتهديد الأخير بفض الشراكة وفقاً لما جاء في عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية، واتهامه لنتنياهو بفقدان السيطرة على أعضاء حزب الليكود.

لا توقعات بتغير المشهد السياسي والأمني في إسرائيل

على ما يبدو فقد بات تحالف نتنياهو مع الأحزاب الحريدية المتشددة دينياً، يشكل عبئاً ومصدراً لعدم الاستقرار السياسي، بعد أن كان هذا التحالف الأقوى بين تحالفات نتنياهو في العقدين الأخيرين. ومن غير المتوقع أن يتغير المشهد السياسي والأمني في إسرائيل وسترافق الأزمات الداخلية حكومة نتنياهو في الأسابيع والأشهر المقبلة، وهي مؤشرات تشي بتآكل التحالف الحالي، وربما تؤدي إلى تفكيكه، خاصة في ظل تراجع قوة وسلطة نتنياهو السياسية.

أظهر استطلاع رأي أن 36% من اليهود يعتبرون أن على إسرائيل مهاجمة حزب الله بشكل فوري

وقلصت الحرب على غزة، وإمكانية توسع الجبهة الشمالية، وارتفاع العبء العسكري والاقتصادي على شرائح عديدة من المجتمع الإسرائيلي، قابلية المجتمع على احتواء وقبول مطالب الأحزاب الحريدية، الأمر الذي بات ينعكس أيضاً في زيادة رفض قسم من أعضاء الكنيست من حزب الليكود الانصياع إلى إملاءات ورغبات نتنياهو. في المقابل، بدأت الأحزاب الحريدية بمراجعة حسابات الربح والخسارة نتيجة تحالفها مع نتنياهو، في ضوء فشل التحالف بتمرير قوانين تخص الفئات الحريدية.

المجتمع الإسرائيلي يؤيد الحرب مع حزب الله

تحذر العديد من المقالات التحليلية في إسرائيل في الأسابيع الأخيرة من مخاطر توسع الجبهة أمام حزب الله، وتدعي أن نتائج الحرب مع الحزب ستكون كارثية على إسرائيل. لكن هذا لم يمنع من تصعيد لهجة التهديد من قبل قيادات سياسية وعسكرية إسرائيلية تجاه حزب الله ولبنان، والتصعيد في عمليات اغتيال قيادات عسكرية من الحزب. في المقابل جاء رد حزب الله الميداني العسكري بزيادة حجم ومدى الهجمات الصاروخية على مواقع إسرائيلية، وتصعيد التهديد الكلامي.

وفي ظل توتر المشهد السياسي والأمني في إسرائيل وعلى الرغم من وضوح حجم الأضرار المحتمل، نجد أن مواقف المجتمع الإسرائيلي تؤيد توسيع الحرب ضد حزب الله ولبنان، بل تطالب بها. فعلى سبيل المثال وجهت ألف عائلة نازحة من سكان المستوطنات الشمالية، رسالة إلى نتنياهو في ضوء زيارة المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين إلى المنطقة أخيراً، في محاولة لخفض التوتر بين إسرائيل وحزب الله، قالوا فيها، كما جاء على موقع القناة 14 في 17 يونيو/حزيران الحالي، إنهم لن يقبلوا بأي شكل من الأشكال بـ"اتفاق مليء بالثقوب مع منظمة إرهابية قد يعيدنا إلى وضع مماثل في المستقبل، ولا نقبل الاعتماد على القوات الأجنبية لحماية حياة أطفالنا. ندعوكم للتصرف بشكل حاسم والإعلان أننا لن نعود إلى ديارنا دون إزالة التهديد الذي يهدد بيوتنا وأطفالنا". واختتموا الرسالة بالقول إن "جيش الدفاع الإسرائيلي وحده الذي يضمن سلامتنا وإزالة التهديد".

وقال رئيس بلدية مستوطنة كريات شمونة أفيحاي شترين، في عدة مناسبات أخيراً، إن المستوطنين لن يعودوا إليها استناداً إلى اتفاق بين إسرائيل وحزب الله، بل يطالبون بحل جذري لتهديد حزب الله بواسطة عملية عسكرية واسعة. وقد عبر عن هذا الموقف أيضاً رفائيل ساليف، أحد مستوطني كريات شمونة وعضو إدارة في مجموعة "القتال من أجل الشمال"، في مقابلة إذاعية الأحد الماضي، قائلاً: "نريد أن يتم تنفيذ الاتفاق بقوة السلاح. لا يمكننا العودة إلى بلداتنا بناءً على اتفاق لا يساوي قيمة الورق الذي كتب عليه".

هذه المواقف والمطالبة بحسم عسكري في جبهة الشمال تعكس موقف غالبية المجتمع الإسرائيلي، وليس فقط مستوطني الشمال، وفقاً لاستطلاع أجراه معهد سياسات الشعب اليهودي بعد عدة أيام من خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن، ونشر الأحد الماضي. وقال 36% من المستطلعين اليهود إن على إسرائيل مهاجمة حزب الله بشكل فوري (مقارنة بـ29% في مارس/آذار الماضي)، و26% قالوا إن الهجوم يجب أن يكون بعد الانتهاء من غزة (مقارنة بـ28% في مارس)، و30% قالوا إنهم يفضلون الحل السياسي (مقارنة بـ34% في مارس). ووفقاً لنتائج الاستطلاع فإن 57% من مصوتي اليمين يطالبون بهجوم فوري على حزب الله دون علاقة بالحرب على غزة، بينما كانت النسبة أقل لدى مصوتي أحزاب الوسط الذين يفضلون إنهاء الحرب في غزة أولاً ومن ثم التوجه إلى حرب واسعة مع حزب الله.

وبذلك نجد أن المجتمع الإسرائيلي، وعلى الرغم من تعثر الجيش في حرب غزة وعدم قدرته على الحسم وعلى تحقيق أهداف الحرب، وعلى الرغم من تحذيرات خبراء إسرائيليين وقيادات عسكرية سابقة من دخول إسرائيل في حرب واسعة مع حزب الله، يدعم توسيع الحرب على جبهة الشمال، ويرى أن الحل العسكري هو الأنسب.

وفي ظل المشهد السياسي والأمني في إسرائيل واستمرار سيطرة دعم الخيارات العسكرية لدى المجتمع الإسرائيلي، وتزايد الأزمات السياسية الداخلية التي تهدد تماسك التحالف الحكومي، وموقف حزب الله الذي يربط بين إنهاء العمليات العسكرية في الشمال ووقف الحرب على غزة، يمكن التكهن أن خيارات إسرائيل ستكون، مرة أخرى، الهروب إلى الأمام وتبني الخيارات العسكرية. وتأمل إسرائيل بذلك ترميم مكانتها الأمنية الاستراتيجية وقدرة الردع، وحل مشاكل مستوطني الشمال، وربما حل الأزمات السياسية الداخلية وخفض التصدعات داخل المجتمع الإسرائيلي. وقد يكون هذا أيضاً مخرج للحفاظ على التحالف الحكومي وإطالة بقاء نتنياهو في الحكم.