16 نوفمبر 2020
+ الخط -

منذ الإعلان عن نهاية الحرب بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه، يوم الثلاثاء الماضي، إثر اتفاق بين الطرفين بوساطة روسية، تروج انتقادات في أوساط إعلامية وسياسية في إيران لفحوى هذا الاتفاق، لا سيما ما تعتبره ضعفا أبدته الدبلوماسية الإيرانية تجاه التطورات في الإقليم وطريقة تعاطيها مع الاتفاق، وذلك رغم ترحيب الرئاسة والخارجية الإيرانيتين سريعا به وبإنهاء المواجهات العسكرية بين طرفي النزاع، والتي استمرت 44 يوما.  
وتأتي هذه الانتقادات فيما كان يهم إيران كثيرا إنهاء المواجهات العسكرية بين باكو ويريفان، لتأثرها الشديد بهذه التطورات، ليس في محيطها الجغرافي الحدودي فحسب، وإنما في داخلها أيضاً، لارتداداتها. وزادت من النزعة القومية لدى الشارع الأذري في إيران، البالغ عددهم أكثر من 25 مليون نسمة وتعاطفوا بشكل واسع مع دولة أذربيجان، سواء من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أو مسيرات عديدة في المحافظات الإيرانية التي تقطنها غالبية أذرية.  
ولم تخف الأوساط الإيرانية المنتقدة لاتفاق إنهاء الحرب قلقها وتحذيرها من أن الاتفاق من شأنه أن يحدث تغييرات دراماتيكية في فضاء إيران الحدودي، واحتمال قضائه على حدودها مع أرمينيا بسبب الممر الذي ينص الاتفاق على إنشائه لربط نخجوان بأذربيجان، والذي يمر على امتداد حدود إيران في المنطقة. ولذلك، هناك مخاوف جادة من أن يكون الممر ملاصقا للحدود الإيرانية، ما يعني قطع التواصل الجغرافي بين أرمينيا وإيران، وهو أمر من الصعب بمكان أن تقبل به طهران. 
ولم تسلم روسيا من سهام الانتقادات الإيرانية، في ظل اتهامات لها بتجاهل الدور الإيراني وإدخال اللاعب التركي إلى المنطقة وعقد صفقة معه حول ناغورنو كاراباخ بعيداً عن إيران.

كما أبدت تلك الأوساط الإيرانية تحفظها أيضاً لنشر روسيا قواتها على الحدود الإيرانية الأرمينية، فضلاً عن هواجس لربط تركيا حدودها مع أذربيجان عبر الممر الرابط، ومن ثم وصولها إلى بحر قزوين شمالي إيران. 
كما أبدت إيران مخاوفها وانتقاداتها لجلب مقاتلين سوريين إلى ساحات المعركة الدائرة بالقرب من حدودها شمال غربي البلاد، في محافظة أذربيجان الشرقية، وسط تهديدات بأنها لن تحتمل بقاء هؤلاء المقاتلين الذين قاتلتهم طيلة السنوات الماضية على الأراضي السورية.

وفي السياق، جدد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، اليوم الاثنين، خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي، تأكيد بلاده أن وجود هؤلاء المقاتلين "خط أحمر لنا ولا توجد أي ذريعة لوجودهم"، معربا عن أمله في أن "تكون هذه القوات التكفيرية قد غادرت المنطقة الآن وأنا أتحدث معكم"، حسب قوله.
وأضاف قائلاً: "لن نتحمل وجود أي طرف من خارج المنطقة، وتحديداً الكيان الصهيوني المحتل، في هذه المنطقة، ولن نسمح لأي دولة أن تحضر قوة من خارج المنطقة". 

وربما ما يقلق السلطات الإيرانية أكثر هو تداعيات مشاركة إسرائيل غير المباشرة في الحرب الأخيرة، ووقوفها الكبير إلى جانب أذربيجان من خلال تزويدها بأسلحة نوعية، حيث أن هذا الأمر سيفرض بطبيعة الحال فواتير على باكو، لتدفعها لتل أبيب، التي تحسب في مواجهتها مع إيران حسابا كثيرا لموقع أذربيجان الجغرافي معها للقيام بأنشطة التجسس، وأحيانا بعمليات تخريبية داخل الأراضي الإيرانية. 
بالمجمل لدى إيران ثلاث تحفظات أو ملاحظات حول الاتفاق الأخير بين أرمينيا وأذربيجان وروسيا، وردت في مقال بصحيفة "كيهان" المحافظة، كتبه المحلل السياسي الإيراني سعد الله زارعي، المقرب من جهات صانعة للقرار في إيران. وبعد الإشارة إلى أن الاتفاق "يحظى بدعم الجمهورية الإسلامية، وأنه إلى حد كبير يتطابق مع مبادئنا الموضوعة"، تحدث زارعي عن ثلاث ملاحظات بشأنه، مسميّا إياها على هذا النحو: "الوجود طويل الأمد للقوات العسكرية الروسية في المنطقة وطريقة إنشاء الممر بين نخجوان وأذربيجان، وطريقة إدارة الممر والإشراف عليه".  
وأكد المحلل السياسي الإيراني أن "أي ترتيبات أمنية وتغييرات جيوسياسية ستؤثر على الوضع الأمني لإيران ومصالحها، بسبب وجود منقطة كاراباخ المتنازع عليها بالقرب من الحدود الإيرانية". ودعا إلى ضرورة أن تكون إيران "جزءا من الترتيبات الأمنية" في هذه المنطقة.  
كما كشف زارعي عن قلق إيران من نفوذ تركيا وحصولها على موطئ قدم في القوقاز الجنوبي، إذ قال "لدينا قلق من استغلال بعض الدول، التي تتعاون مع الإرهابيين بشكل معلن خلال السنوات الأخيرة، للممر"، مشددا على أنه "يجب أن يكون ممرا بين نخجوان وأذربيجان فقط، وأي نشاط وحركة لدولة ثالثة فيه يجب أن يكون بموافقة أرمينية وأن تكون أرمينيا جزءا من ترتيباته الأمنية".  
وأضاف زارعي في مقاله بـ"كيهان" أن إيران "مصرة على استمرار الجيرة مع دولة أرمينيا المهمة، وينبغي أن يكون الممر بين نخجوان وأذربيجان بشكل لا يضر بجيرتنا الجغرافية مع جمهورية أرمينيا".  
أما من الناحية الرسمية، واجهت الخارجية الإيرانية الانتقادات الداخلية بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في ناغورنو كاراباخ بنفي أي تغيير محتمل للحدود الجغرافية الإيرانية في هذه المنطقة، وفقا للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية، اليوم الاثنين، مؤكدا أن "إيران واعية بموقعها الجيوسياسي وتستفيد من ذلك ومن خلاله تقدم الدعم لأصدقائها".  
وعن الممر المقرر إنشاؤه لربط نخجوان مع أذربيجان، قال خطيب زادة إن "فهمنا مما تم نشره حوله هو أن هذا الممر عبارة عن طريق ترانزيت بسيط، يجب أن يكون هناك نقاش حول شكله وطريقة تأمينه"، مشددا على أن "الجمهورية الإسلامية تتابع هذا الموضوع بدقة".  
وسبق أن رد نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الجمعة، على ما وصفه بـ"الشائعات" حول اتفاق إنهاء الحرب في ناغورنو كاراباخ، معتبرا أنها "لا أساس لها من الصحة"، ومؤكدا أن "المزاعم بشأن قطع الحدود بين إيران وأرمينيا غير صحيحة".  

تقارير دولية
التحديثات الحية

وأضاف عراقجي، الذي حمل قبل عشرة أيام مشروع بلاده لحل النزاع في ناغورنو كاراباخ إلى طرفيه وتركيا وروسيا، أن طهران "تواصل مشاوراتها مع جميع الأطراف، ومساء الأربعاء أجريت مباحثات طويلة مع السفير الروسي في طهران في هذا الخصوص"، ما يعني وجود هواجس لدى إيران دفعتها إلى هذه المباحثات.  
لكن التوضيحات الرسمية لم تقنع المنتقدين، وذهب بعضهم إلى القول إن إيران هي الخاسرة من الاتفاق قبل أرمينيا، رغم الترحيب الحكومي به واعتباره مهمة لإحلال السلام في المنطقة. غير أن الملاحظات التي تبديها جهات ومحللين مقربين من دوائر صنع القرار تشي بأن الترحيب الإيراني تشوبه في الوقت نفسه مخاوف وقلق مما يمكن أن يؤول إليه الوضع لاحقاً.