استمع إلى الملخص
- تصعيد مستمر بين المجلسين: رغم الاتفاق، دعا رئيس مجلس النواب المؤسسات السيادية لعدم التصرف في الأرصدة المالية، وأحيى قرار إنشاء محكمة دستورية عليا، مما أثار قلق المجلس الرئاسي.
- دعم دولي للاتفاق وتحديات داخلية: رحبت واشنطن وعشر دول أخرى بالاتفاق، لكن الانقسامات الداخلية في مجلسي النواب والدولة لا تزال تعرقل التنفيذ.
تنتظر الأوساط في ليبيا وخارجها اعتماد مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة اتفاق تسوية أزمة المصرف المركزي، إلا أن خطوات وقرارات برزت في الأثناء تُظهر استمرار الأزمة في مستويات أخرى أكثر تعقيداً. واحتضنت البعثة الأممية في مقرها بالعاصمة طرابلس، أمس الأول الخميس، مراسم توقيع اتفاق تسوية أزمة المصرف المركزي بعد مفاوضات طويلة بين ممثلي مجلسي النواب والدولة، ينص على ترشيح محافظ للمصرف المركزي هو ناجي عيسى، ونائب له هو مرعي البرعصي. وبحسب نص الاتفاق فعلى مجلسي النواب والدولة اعتماده بشكل نهائي في غضون أسبوع، على أن يعتمد المجلسان الاتفاق بشكل نهائي، كما على المحافظ الجديد ترشيح أعضاء لمجلس الإدارة في غضون أسبوعين من تسلّمه مهامه. وعبّرت القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية ستيفاني خوري، في كلمة خلال مراسم التوقيع، عن أملها في أن تستثمر الأطراف الليبية تجربة حل أزمة المصرف المركزي بالحوار، لحل كل الإشكالات الأخرى العالقة في طريقة تسوية سياسية شاملة. إلا أن قرارات وإجراءات أخرى صدرت عن طرفي الأزمة الأساسيين، مجلس النواب والمجلس الرئاسي، تعكس عزمهما الاستمرار في التصعيد.
شدّد المجلس الرئاسي في خطاب إلى البعثة الأممية على أن تعيين كبار موظفي الدولة من اختصاصه
تصعيد رغم تسوية أزمة المصرف المركزي
بعد توقيع اتفاق تسوية أزمة المصرف المركزي الليبي، خاطب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عدداً من المؤسسات السيادية الليبية بعدم منع التصرف في الأرصدة المودعة بالحسابات التابعة للمصرف المركزي في الداخل والخارج، ومؤسسة النفط، أو إحالتها من المصرف الخارجي إلى المركزي "حتى عودة الإدارة الشرعية للمصرف وفقاً للقانون والاتفاق السياسي". كما دعا أعضاء مجلس النواب لعقد جلسة، يوم الاثنين المقبل في بنغازي، من المرجح أن يدفع خلالها بعدة إجراءات جديدة من شأنها محاصرة المجلس الرئاسي من خلال سحب المزيد من صلاحياته، وعلى رأسها ملف المصالحة الوطنية التي تعد استحقاقاً رئيسياً للمجلس الرئاسي. وفي سياق إجراءاته الاستباقية الموجهة لمساعي المجلس الرئاسي لتفعيل قرار إنشاء مفوضية للاستفتاء، أحيا مجلس النواب قراراً جدلياً مجمداً منذ نهاية 2022، يقضي بإنشاء محكمة دستورية عليا، إذ استدعى، الأربعاء الماضي، أعضاء المحكمة لأداء اليمين الدستورية أمامه، وافتتح مقراً للمحكمة في بنغازي.
من جانبه وجّه المجلس الرئاسي خطاباً إلى البعثة الأممية، شدّد فيه على اختصاص المجلس الرئاسي بتعيين كبار موظفي المؤسسات بالدولة، وفقاً لنصوص اتفاق جنيف الذي تشكّل بموجبه المجلس الرئاسي، وعليه فاختيار وتعيين أعضاء مجلس إدارة من ضمن مهامه. يأتي ذلك في خطوة تمكّنه من البقاء في ملف حل أزمة المصرف، بعد أن تم إقصاؤه من مراسم توقيع اتفاق تسوية أزمة المصرف المركزي. وفي خطاب آخر وجهه إلى مجلس النواب، أمس الأول، دعا المجلس الرئاسي إلى إعادة النظر في مشروع قرار إنشاء محكمة دستورية، واصفاً القرار بـ"الأحادي"، داعياً إياه للحوار من أجل تجاوز آثار هذا القرار الذي سيعمّق "حالة الانسداد السياسي". وذكر المجلس الرئاسي في خطابه أن "توقيت إصدار هذا القانون في هذه المرحلة الدقيقة يثير القلق، حيث من شأنه أن يعمق حالة الانسداد السياسي القائم ويزيد من تعقيد المشهد الوطني". ورأى أن "المشروع كما هو مطروح يمنح مجلس النواب سلطات واسعة تتعلق بتشكيل المحكمة واختيار أعضائها، مما يعزز من نفوذ المجلس على القضاء ويضعف من توازن السلطات في البلاد".
فاضل الطويل: الجميع مقتنع بأن أزمة المصرف المركزي لا تزال قائمة
تطوّر حالة الصراع الليبي
على الرغم من أهمية توصّل أطراف أزمة المصرف المركزي إلى اتفاق لحلها، إلا أن الناشط السياسي فاضل الطويل رأى أن مسار الأزمة لا يزال قائماً. وتساءل في حديث لـ"العربي الجديد": "كيف سيعتمد مجلس النواب الاتفاق في غضون أسبوع وهو يواجه انقساماً حاداً بين أعضائه ولم يعد قادراً على توفير النصاب المطلوب لاعتماد الاتفاق، وهو ثلثا أعضائه؟"، مضيفاً أن "المجلس الأعلى للدولة كذلك منقسم على نفسه بين رئاستين (بين خالد المشري ومحمد تكالة)". واعتبر الطويل أن أزمة المصرف المركزي تمثّل تطوراً جديداً لحالة الصراع الليبي، مضيفاً أنه "إذا كان للمجلسين ممثلان في عملية التفاوض ووقّعا على الاتفاق، فما الحاجة لاعتماد الاتفاق من جانبهما؟". وأوضح أنه "في الواقع، إن ما حدث مجرد محاولة لفك الانسداد الحاد في الأزمة والمضي بها خطوة واحدة إلى الأمام، لكن الجميع مقتنع بأن الأزمة لا تزال قائمة". ولفت إلى أن "الأزمة نجمت عن تحوّل في شكل خريطة المتصارعين، فمقابل تراجع مجلس الدولة وانتهاء فاعليته طرفا مقابل لمجلس النواب، برز المجلس الرئاسي ليحل محله، وقد بدأ فعلياً بالتحرك بقوة منذ بيانه الذي خاطب فيه مجلس النواب بشأن المحكمة الدستورية". وقال الطويل إن مضمون الخطاب "فيه دخول واضح على أعمال مجلس النواب التشريعية".
ورأى أن مجاهرة المجلس الرئاسي بالخصومة لمجلس النواب، بمثابة "ولادة قطب جديد في الصراع السياسي، وكان ذلك منذ إنشاء مفوضية الاستفتاء التي ستعرض قرارات مجلس النواب وغيرها من الجهات السياسية على الشعب ليقول فيها رأيه". ولذا، وفق الطويل، "أنشأ مجلس النواب المحكمة الدستورية لإنهاء أي قرار يبني عليه المجلس الرئاسي أي خطوة، وفي هذا الاتجاه جاء خطاب المجلس الرئاسي ليضرب شرعية إنشاء المحكمة الدستورية". واعتبر أن "مجلس النواب يعرف أن المرشح الجديد لمنصب محافظ المصرف المركزي، ناجي عيسى، سيمارس أعماله بسلطة الواقع، وأدرك أن المجلس الرئاسي كسب المعركة، فالمحافظ الجديد مقرب منه، وعليه أصدر خطابه لمؤسسات الدولة بعدم التصرف في الأرصدة المالية وإحالتها إلى المصرف المركزي أو المصرف الخارجي". وباعتقاد الطويل، فإن "مجلس النواب سيدفع بالمزيد من القرارات لمنع المجلس الرئاسي من التحرك في المشهد السياسي أكثر، وسيعتبر وجوده غير شرعي بعد أن أعلن في السابق إنهاء ولايته بانتهاء آجال اتفاق جنيف".
المبروك القلعي: يقف عدد من العواصم ذات الثقل الدولي وراء الاتفاق وعلى رأسها واشنطن
يُذكر أن واشنطن أصدرت أمس الجمعة، بياناً مشتركاً مع عشر دول أخرى، وهي إيطاليا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والجزائر ومصر والمغرب وقطر وتركيا والإمارات، رحّب باتفاق تسوية أزمة المصرف المركزي ودعمه. وطالب البيان الأطراف الليبية بإنهاء الجمود السياسي والذهاب إلى الاتفاق على خريطة طريق موثوقة لإنهاء الفترة الانتقالية. وفي هذا الصدد، رأى أستاذ العلاقات الدولية المبروك القلعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أزمة المصرف المركزي انتهت، "وما على مجلس النواب بالتوافق مع رؤساء اللجان الدائمة بمجلس الدولة، إلا اعتماد اتفاق التسوية". وأكد "وقوف عدد من العواصم ذات الثقل الدولي وراء الاتفاق، على رأسها واشنطن". واستند المبروك إلى بيان الدول، الجمعة، وغيره من مواقف واشنطن حيال أزمة المصرف، ليشدّد على "نفاذ اتفاق التسوية، بشكل لا يمكن لأي طرف معارضته". وأضاف أنه "طيلة سنوات ماضية لم يكن المجلس الرئاسي يملك هذه القوة لفرض قراراته"، معتبراً أن "هناك أطرافاً دولية، مثل واشنطن، بدأت في تبني المجلس الرئاسي كقوة سياسية تملك صلاحيات من واقع الاتفاقات السياسية يمكنها دفع الأزمة الليبية نحو حوارات سياسية جديدة". كما أجبرت تلك الأطراف، وفق القلعي، مجلسي النواب والدولة "على المفاوضات الحالية، لتشكيل حكومة جديدة تهيمن عليها وتقودها، ومن وراء هيمنة المجلس الرئاسي في قيادة تتولاها أطراف التدخل الخارجي".
وفيما أشار إلى كلمة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، الأربعاء الماضي، والتي هاجم فيها مجلس النواب واتهمه بالعرقلة وتجاوز الاتفاقات السياسية، رأى القلعي أن ذلك مؤشر آخر يدل على أن المجلس الرئاسي "لا يسعى لأن يكون طرفاً مخاصماً لمجلس النواب والأطراف الأخرى، بقدر ما يتم دعمه ليهيمن على الحالة السياسية والتحكم في مؤسسات الدولة كالمصرف ومؤسسة النفط، بدعم أميركي غربي لحرمان الخصم الروسي من الاستفادة منها في إطار توغله في ليبيا وفي المنطقة الأفريقية المجاورة".