يمضي النظام السوري قُدما في ما يسمّيه بـ"التسويات" في مناطق سيطرته، حيث افتتح أول من أمس الثلاثاء، مركزاً في بلدة مسكنة في ريف حلب الشرقي، في محاولة إعلامية جديدة للظهور بمظهر "المنتصر" الذي "يعفو" عن معارضيه والمنشقين عن قواته.
ونقلت وسائل إعلام النظام عن محافظ حلب المعيّن من قبل النظام، حسين دياب، زعمه أن "هناك إقبالاً" على مركز التسوية في بلدة مسكنة (نحو 100 كيلو متر شرقي مدينة حلب)، من قبل المقيمين في البلدة وريفها ومن مناطق قريبة تقع تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).
وأشار دياب إلى أن مهمة مركز بلدة مسكنة "تسوية أوضاع المطلوبين من المدنيين والعسكريين في المحافظة".
مصادر محلية: لا يوجد في مسكنة وريف حلب الشرقي عموماً، أي مطلوبين للأجهزة الأمنية أو منشقين عن قوات النظام
غايات إعلامية للنظام من خلال التسويات
ويعتبر النظام السوري عمليات التسوية "مكرمة من بشار الأسد"، بينما الوقائع الميدانية تؤكد أن للنظام غايات إعلامية من وراء هذه التسويات التي كان شرع بها في مناطق عدة تقع تحت سيطرته؛ في دير الزور والرقة وريف حلب شرقاً، وفي ريف دمشق ودرعا جنوباً.
في السياق، أكدت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يوجد في مسكنة وريف حلب الشرقي عموماً، أي مطلوبين للأجهزة الأمنية أو منشقين عن قوات النظام".
وأضافت أنه "لو كان هناك مطلوبون، لكانت الأجهزة الأمنية اعتقلتهم منذ سيطرتها على هذا الريف في عام 2017"، متسائلةً "هل يُعقل أن يبقى مطلوبون للأجهزة الأمنية في مناطق تسيطر عليها قوات النظام؟".
من جهته، أكد حسين. ف، وهو من أبناء مسكنة المقيمين في مدينة الطبقة القريبة والواقعة تحت سيطرة "قسد"، أنه لا يفكر إطلاقاً بالعودة إلى بلدته "طالما هي تحت سيطرة قوات النظام وأجهزة أمنه".
وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الذهاب إلى مناطق سيطرة النظام أشبه بالذهاب إلى المجهول، موضحاً أنّ "عدداً كبيراً من أبناء مسكنة والقرى المحيطة بها، نقلوا أعمالهم منذ سنوات عدة إلى محافظة الرقة، ومناطق أخرى خارج سيطرة النظام".
نفوذ إيراني في ريف حلب الشرقي
وأشار المتحدث نفسه إلى أن "ريف حلب الشرقي تحوّل إلى منطقة نفوذ إيراني بشكل كامل، إذ أقام الإيرانيون هناك حسينيات في أكثر من قرية، وشكلوا مليشيات محلية من شبان المنطقة خلال العام الفائت، مرتبطة بمليشيات إيرانية أخرى مثل لواء الباقر، ولواء الإمام الرضا، وفاطميون".
وأوضح أن هذه المليشيات "تستغل الحالة المعيشية الصعبة التي يعاني منها من بقي من سكان الريف الشرقي لحلب فيه، لجذب الشباب للانتساب إليها".
ريف حلب الشرقي
ويمتد ريف حلب الشرقي على مسافة جغرافية يقدر طولها بأكثر من 100 كيلو متر، إذ ينتهي إدارياً عند قرية دبسي فرج التابعة لمحافظة الرقة.
ويضم هذا الريف الواسع العديد من البلدات، والعشرات من القرى متوسطة وصغيرة الحجم الواقعة على أو القريبة من نهر الفرات.
وأبرز بلدات هذا الريف: دير حافر، مسكنة، والخفسة التي تقع على ضفاف بحيرة سد الفرات حيث محطة الضخ الرئيسية إلى مدينة حلب.
ويقع في ريف حلب الشرقي واحد من أكبر المطارات العسكرية في سورية وأهمها، وهو مطار "كويرس"، والذي يضم كلية الطيران التابعة لوزارة الدفاع في حكومة النظام.
وحاصر تنظيم "داعش" هذا المطار على مدى نحو عامين حتى استطاعت قوات النظام فك الحصار عنه في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015.
شكل الإيرانيون مليشيات محلية في ريف حلب الشرقي
وكان "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، قد أكد منتصف العام الفائت، أن الحرس الثوري الإيراني أقام قاعدة له في ريف حلب الشرقي تقع في قرية حبوبة بين بلدتي الخفسة ومسكنة، ليس بعيداً عن مكان تمركز "قوات سورية الديمقراطية".
وتسيطر "قسد" على جانب مهم من ريف حلب الشرقي والشمالي الشرقي، كمدينة منبج وبعض ريفها في غربي نهر الفرات، وعين العرب (كوباني) ذات الغالبية الكردية من السكان في شرقي الفرات على الحدود السورية التركية.
وبقي ريف حلب الشرقي تحت سيطرة تنظيم "داعش" من عام 2014 وحتى بدايات عام 2017، حيث تقدمت قوات النظام وسيطرت على جانب منه ومن ريف الرقة الغربي المتاخم له من الناحية الشرقية.
ويخترق ريف حلب الشرقي طريق دولي يعد من أكثر الطرق في سورية حيوية، ويبلغ طوله نحو 400 كيلو متر، إذ يبدأ من مدينة حلب غرباً، مروراً بهذا الريف، وصولاً إلى الطبقة ومن ثم الرقة، ومنها إلى محافظة دير الزور، ثم إلى الحدود السورية العراقية عند منطقة البوكمال.