انتقدت قيادات بحركة "فتح" طريقة التعامل مع قضية تمثيل القدس في تركيبة القائمة الرسمية للحركة لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، وما سمته "تهميش" الحركة للقدس.
وقال القيادي في "فتح" حاتم عبد القادر، لـ"العربي الجديد"، إن "القدس غيّبت عن المجلس التشريعي من خلال تركيبة القائمة، وحسب ترتيب الأسماء والمكانة المضمونة من مدينة القدس لا تتجاوز مقعدين اثنين، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول ما إذا كانت القدس فعلاً حاضرة في الأذهان السياسية لحركة فتح ولجنتها المركزية أم لا؟".
وتابع قائلا "هذا التهميش للقدس على صعيد المجلس التشريعي يتواكب مع تهميش واسع النطاق في كافة مؤسسات السلطة الفلسطينية، وهذا كان مدعاة امتعاض وتذمر من قبل المواطنين في المدينة المقدسة"، قبل أن يضيف "كنا نفترض أن تكون هناك حصة وازنة لمدينة القدس برموز موازية، أنا لا أنكر أن هناك رموزاً ومناضلين في القائمة، ولكن بالتأكيد ليس كما كنا نتوقع، وليس كما كانت تريد مدينة القدس".
وأردف: "أعتقد أنه كان هناك خطأ كبير من قبل اللجنة المركزية لحركة فتح في إدارة الترشح وفي إدارة بناء قائمة حركة فتح. لقد كان هناك العديد من الارتجال والارتباك وضرب عرض الحائط بكل المعايير الموضوعية اللازمة لعضوية المجلس التشريعي، ما نتج عنه هذا التفتيت الذي أرجو ألا يكون منظماً، ولكن تتحمل اللجنة المركزية للحركة المسؤولية، وتشكيل القائمة لم يكن مرضياً".
وتابع عبد القادر: "نحن وافقنا على معايير واضحة تؤكد على عدم مشاركة أعضاء اللجنة المركزية في القائمة الانتخابية، وعدم مشاركة أعضاء الثوري والمحافظين، والوزراء، غير أنه للأسف الشديد كسرت هذه المعادلة، وبالتالي هناك عدد من أعضاء المركزية على رأس قائمة حركة فتح، وهذا بالتأكيد أدى إلى ردود فعل، وإن تعدد القوائم تتحمل مسؤوليته اللجنة المركزية للحركة، التي كان من المفروض أن تتحمل مسؤوليتها بلم الشمل الفتحاوي".
وعن الكيفية التي سيشارك فيها المقدسيون في الانتخابات، قال عبد القادر: "هناك غموض في ما يتعلق بالانتخابات فيها، وهذا الغموض مرده أن إسرائيل لم تعط حتى الآن رداً لا سلباً ولا إيجاباً على تمكين المقدسيين من المشاركة في هذه الانتخابات، على غرار ما حدث في انتخابات 2005 و2006، وهناك أيضاً غموض في البدائل لدى لجنة الانتخابات في ما لو رفضت إسرائيل إجراء هذه الانتخابات".
وتابع عبد القادر: "نحن نرفض وضع إسرائيل فيتو على الانتخابات، لكن لا يجوز أن تؤجل بتبرير عدم موافقة إسرائيل، بل يجب أن تتحول الانتخابات لمعركة صدامية مع الاحتلال داخل القدس، أما استبدال القدس بضواحيها لإجراء الانتخابات، فهو مرفوض ومدان، ويتساوق مع الرؤية الإسرائيلية، وحال إجرائها دون مدينة القدس أو وجود بدائل لا تتناسب مع إجرائها في المدينة المقدسة سوف نقاطعها".
وفي ما يتعلق بالموقف من قائمة الأسير مروان البرغوثي وناصر القدوة، قال عبد القادر: "القائمة هدفت للملمة الأصوات المتناثرة من حركة فتح التي اعترضت على القائمة الرسمية، والاعتراض على المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس محمود عباس والذي اشترط على مرشح الرئاسة أن تكون له كتلة، صحيح أنه تم تعديل هذا المرسوم، ولكن تعديله لم يأت بمرسوم آخر، وإنما جاء التعديل من ديوان الفتوى والتشريع".
وتابع عبد القادر: "بعض المحامين أكدوا أن هذا التعديل من ديوان الفتوى لا يصمد أمام المحكمة الدستورية إذا ما قدم أي طعن ضد ترشيح مروان للرئاسة، ولذلك كان من الأسلم أن يتم تشكيل قائمة، أنا أعتبر تحالف مروان مع القدوة هو تحالف اللحظة الأخيرة، وهو تحالف الضرورة وضيق الوقت"، مشدداً على أنه"أنا شخصيًا كنت ضد هذا التحالف، وكنت أعتقد أنه إذا كان مروان قد قرر أن يخوض الانتخابات بكتلة فيجب أن تكون هذه الكتلة مستقلة ولها برنامجها المستقل، لأنني أرى أن هناك فجوة بين المواقف بالنسبة لكتلتهم".
إلى ذلك، استبعد عبد القادر اتخاذ إجراءات ضد البرغوثي، "لأن أي إجراء من هذا القبيل ستكون له تداعيات صادقة على المستوى الفتحاوي والشعبي، وما جرى مع ناصر القدوة لا يشبه رد الفعل إذا حصل مع مروان البرغوثي".
وزاد موضحاً "فمروان قيمة وطنية ومعنوية ونضالية، لذلك من الصعب جداً اتخاذ هذه الإجراءات، وبالتأكيد ستكون هناك تداعيات خطيرة سوف يتحمل مسؤوليتها الرئيس (محمود عباس) واللجنة المركزية، وكان من الأفضل بدل هذه البلبلة أن تقوم قيادة فتح بجمع كل الأطراف الفتحاوية، وأن تحاول الوصول إلى صيغة مشتركة لدى كافة هذه الأطراف من أجل صياغة قائمة موحدة تستطيع أن تفخر بها فتح".
وأعرب عن أسفه الشديد لأنه لم يحصل ذلك، مضيفاً "على كل حال هناك الآن قوائم أصبحت أمراً واقعاً، وأرجو أن تمر العملية الانتخابية بسلاسة وبسلام دون اشتباك إعلامي فتحاوي فتحاوي، وأن يخدم الجميع هذه التوجهات".
كما عبر قياديان مقدسيان بحركة "فتح" عن غضبهما حيال الكيفية التي تعاملت بها اللجنة المركزية للحركة مع اختيار مرشحيها عن القدس، واعتمادها معايير اختيار لم تكن مقرة من قبلها ومن قبل المجلس الثوري واستثنائها اللاجئين في تركيبة قائمتها، الذين يربو عددهم على أكثر من 80 ألفاً.
وقال القيادي والناشط الميداني من مخيم شعفاط، شمالي القدس، خضر الدبس، إن "حالة الغضب العارم في صفوف أبناء الحركة في المدن والقرى والمخيمات وفي التجمعات البدوية مردها الخلل لدى اللجنة المركزية لحركة فتح التي وضعت لنفسها فقط عملية اختيار مرشحي الحركة للمجلس التشريعي حسب وجهة نظر أعضائها ومصالحهم الشخصية بين من اختاروا من مرشحين تمت تزكيتهم".
وتابع الدبس في تصريح له: "كان الأجدر، وحسب القانون، أن يقوموا بإجراء انتخابات تمهيدية في صفوف من يريد ترشيح نفسه، وأن يتم الاختيار حسب رغبة الشارع الفتحاوي"، مشدداً على أنهم "بهذا الإجراء الذي قاموا به أضعفوا الحركة أضعافًا مضاعفة أكثر مما هي عليه من ضعف في السنوات الأخيرة، رغم المطالبات الكثيرة من الفتحاويين لإعادة ترتيب الوضع الداخلي الفتحاوي لكن دون جدوى، وكان المقصود في كل ذلك تدمير حركة فتح وإزاحتها عن المشهد الفلسطيني".
وقال الدبس إن "الخطأ الآخر الذي ارتكبته اللجنة المركزية يتعلق بالتمثيل الحقيقي للمحافظات، وبالذات تمثيل القدس العاصمة، ومعنى العاصمة"، مضيفا "لمن لا يعرف القدس العاصمة، فهي اسم كبير يشمل المقدسات والمسجد الأقصى والتهويد اليومي والممنهج من قبل الاحتلال، وعشرات آلاف البيوت المهدمة ومئات المحال التجارية التي أغلقت بسبب الضرائب الكبيرة التي يفرضها الاحتلال، والأسرى المناضلين في سجون الاحتلال".
وتابع الدبس قائلا: "القدس فيها مخيم شعفاط، والذي يعاني بشكل يومي من بطش الاحتلال وإحاطته للمخيم من جميع الجوانب بجدار الفصل العنصري وعمليات التنكيل اليومية لأبناء المخيم والذي يسكنه أكثر من 80 ألف نسمة، وهم يمثلون أكثر من ثلث سكان مدينة القدس".
وشدد بالقول "لم يكترثوا لذلك، ولم يكلفوا أنفسهم اختيار شخص ليمثل اللاجئين من خلال هذا المخيم المكتظ والذي يعاني من نقص كبير في الخدمات لدى الجهات الرسمية وصاحبة الاختصاص، ولو أنهم يتمتعون بالحد الأدنى من الشفافية التنظيمية لمثلوا كل مناطق القدس، وألا يكون خيارهم مرشحان من المنطقة نفسها، مع كل احترامي وتقديري لهما، وبذلك لا نستطيع أن نقنع أقرب المقربين لنا بانتخاب حركة فتح، وهي وحدها اللجنة المركزية من سيتحمل ذلك".
الأمر ذاته، أكده قيادي آخر بـ"فتح" في القدس، هو طلال أبو عفيفة، رئيس ملتقى المثقفين المقدسيين، وعضو أمانة اتحاد الكتاب الفلسطينيين، الذي أبدى هو الآخر انتقاده لطريقة اختيار مرشحي الحركة.
وقال أبو عفيفة في تصريح له: "للأسف لم تمثل القدس باعتبارها العاصمة ولا تزال تحت الاحتلال، بما تستحق في القوائم الانتخابية وخاصة قائمة فتح الرسمية، وأشك بأن الأمر مقصود أن تظل القدس مهمشة ولا يوجد فيها نواب أقوياء يواجهون أخطار المرحلة".
وأضاف: "وجود بعض الأسماء الضعيفة في قائمة فتح لا يبشر بالخير، وأخشى ألا تحصل القائمة على أكثر من 30 مقعداً، وإن حصل ذلك، فإن فتح ستكون أقلية في المجلس التشريعي، وهذا سينعكس بالسلب على الانتخابات الرئاسية في حال إجرائها، وبالتالي هم وضعوا معايير لكنهم لم يلتزموا بها".