بعد مرور نحو 24 ساعة على مقتل مؤسس شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة يفغيني بريغوجين، في تحطم الطائرة التي كان يستقلها في مقاطعة تفير، مساء أمس الأربعاء، خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن صمته، واصفاً الواقعة بأنها "مأساة"، ومعرباً عن "تعازيه لذوي جميع الضحايا".
ولم تحظَ واقعة مقتل بريغوجين، الذي قاد تمرداً غير مكتمل في نهاية يونيو/ حزيران الماضي، بأي اهتمام يُذكر أو تغطية واسعة النطاق في الإعلام الروسي، بشقيه الحكومي والمستقل، مع اكتفائه بسرد تسلسل الأحداث والروايات شبه الرسمية للحادثة.
وعلى الرغم من خروج بوتين عن الصمت وإشادته بمساهمة عناصر "فاغنر" في مواجهة النظام الذي وصفه بأنه "نيونازي" في كييف (يقصد الحكومة الأوكرانية)، إلا أن الخبير في شؤون أوروبا الشرقية والوسطى، إيفان بريوبراجينسكي، يجزم بأن عملية مقتل بريغوجين "دُبّرت إما بأمر شخصي من الرئيس الروسي، أو بمباركته الضمنية"، مؤكداً أن هذه العملية "حملت في طياتها رسائل تحذيرية إلى النخبة الحاكمة من مخاطر الانشقاق".
وقال بريوبراجينسكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، من العاصمة التشيكية براغ، إنّه "يبدو أن السلطات الروسية قررت اغتيال بريغوجين بعد مرور شهرين بالكمال والتمام على محاولة التمرد، ومن الواضح أنه لا مجال لإجراء أي تحقيق مستقل حول هذه المسألة في روسيا اليوم. وبصرف النظر عن النتائج التي سيتم إعلانها، يمكن الجزم بأن عملية الاغتيال نفذت بأمر مباشر من بوتين أو بتساهل منه على الأقل".
وحول رؤيته في أسباب تأني السلطة الروسية في اغتيال بريغوجين، في حال كانت تقف وراءه فعلاً، أضاف الخبير ذاته أنه يميل "إلى رواية مفادها أن بوتين استدعى بريغوجين لإجراء محادثات حول أفريقيا في اللحظة التي تأكد هذا الأخير فيها من سلامته تماماً بعد زيارات عدة. وكان الهدف الرئيسي من ذلك هو ألا يكون بريغوجين بمفرده على متن الطائرة، وإنما أيضاً دميتري أوتكين، وهو عسكري سابق والقائد الفعلي لشركة (فاغنر) العسكرية الخاصة".
ويرى بريوبراجينسكي أن "مقتل بريغوجين بهذه الطريقة الاستعراضية يحمل في طياته رسالة إلى الطبقة الحاكمة الروسية"، مفادها أن "من يقطع الطريق أمام فلاديمير بوتين لن يعيش أكثر من شهرين".
من جهته، اعتبر كبير الباحثين بمركز "كارنيغي" للدراسات الروسية والأوراسية في برلين، ألكسندر باونوف، أن "تمرد "فاغنر" ساعد بوتين في تخطي خطٍ كان يقف عنده متردداً، وهو بدء القمع بحق أنصاره ممن يدعمونه دعما مشروطا بالتقدم على الأرض في أوكرانيا، ويعبرون عن نفس مواقف "الأغلبية الوطنية" التي يستند إليها بوتين".
ورأى باونوف، في مقال بعنوان "روسيا بعد بريغوجين" نُشر على موقع "كارنيغي بوليتيكا" الناطق باللغة الروسية، أنه "في حال استبعاد رواية القدر المأساوي القاضية بتحقيق قوى قدرية نوايا البشر، فإن مقتل بريغوجين ونخبة (فاغنر) يُظهر بوضوح ملامح دولة العصابات الشائعة بالنسبة إلى النظام الروسي، وكأن طبقة الثلوج ذابت، مبينة التربة الشمالية القاسية"، على حد مقارنته.
وذكّر الباحث أن أول خطاب ألقاه بوتين بعد بدء تمرد بريغوجين المسلح تضمن كلمة "الخيانة"، مستشهداً بأحاديث بوتين المتكررة عن التفرقة بين الأعداء والخونة، ومعتبراً أن "هذه التفرقة قد تعود إلى أخلاقيات الأجهزة الخاصة التي تعتبر أن عنصراً داخلياً جنده العدو أسوأ من المنشق أو الخصم المفتوح".
وخلص باونوف إلى أن "بوتين يرى أن أكبر شر بالنسبة إليه هو أي عنصر يشكل مصدراً لتهديدات واضطرابات وانهيار الدولة".
وكانت طائرة بريغوجين المتجهة من موسكو إلى سانت بطرسبورغ قد تحطمت، مساء أمس الأربعاء، في محيط بلدة كوجينكينو في منطقة بولوغوفسكي في شمال غرب مقاطعة تفير.
وبحسب بيانات وزارة الطوارئ الروسية، فإن عشرة أشخاص، بمن فيهم ثلاثة أفراد طاقم، كانوا موجودين على متن الطائرة. وجرى رفع قضية جنائية بموجب مادة متعلقة بمخالفة قواعد أمان حركة وتشغيل وسائل النقل الجوي.