ترويض لبنان مقابل فتات

08 أكتوبر 2022
سفينة إسرائيلية قبالة منطقة رأس الناقورة بجنوب لبنان (جلاء مرعي/فرانس برس)
+ الخط -

ثلاثة مليارات دولار فقط، هي إجمالي العائدات والأرباح المتوقعة من حقل قانا اللبناني للغاز، هذا قبل طرح أرباح الشركة الفرنسية "توتال"، فيما الحصة الإسرائيلية المتوقعة تبلغ نسبتها 17 في المائة، أي نحو نصف مليار دولار. هذه هي المعطيات التي أدلى بها المدير العام لوزارة الطاقة الإسرائيلية، ليئور شيلات، أول من أمس الخميس، أمام الكابينت الإسرائيلي؛ السياسي والأمني، ما ترك حتى وزيرة الداخلية المتطرفة، أيليت شاكيد، مذهولة أو مفاجأة من الثمن البخس الذي تتنازل عنه إسرائيل، مقابل ما قد تجنيه من الاتفاق في حال توقيعه.

لكن مقابل هذا الفتات، مقارنةً بالأرباح الإسرائيلية من الغاز في حقل كاريش، فإن إسرائيل ستجني أيضاً مكاسب هائلة في مجالات مختلفة؛ بدءاً من المكاسب الاقتصادية، فالمكاسب الأمنية. والأهم من ذلك كله، شرعية من لبنان على حدود برية وبحرية متفق عليها وكسر حاجز العداء، وفتح ثغرة أمام تصالح سياسي يمتد لاحقاً إلى تطبيع يكون أحد شروطه الإسرائيلية المستقبلية قتل حق العودة الفلسطيني وشطبه نهائياً بعد "زوال حالة العداء" بين الطرفين.

ليس واضحاً بعد كيف ستقود القيادة اللبنانية مركب لبنان في مواجهة الضغوط الأميركية، لا سيما وأن ملف اتفاق ترسيم الحدود البحرية المقترح والتعديلات اللبنانية ليسا مطروحين بشفافية واضحة أمام الشعب اللبناني وبرلمانه، ولا يبدو أن هناك ميلا واضحا لدى القيادة اللبنانية لكشف كل ما يخفى عن الشعب، في ما يتعلق بموارد البلاد ومستقبلها أو مستقبل العلاقة مع دولة الاحتلال.

من الواضح أن إسرائيل لن تكتفي بالضغوط الأميركية، بل ستسعى أيضاً لاجتلاب ضغوط أوروبية؛ ألمانية وفرنسية، وأخرى عربية من الخليج، لتسيير مركب الاتفاق وفق شروطها هي (في الشقين الأمني والعسكري)، وبوعود وضمانات عربية وأوروبية، مع تلويح بوقف الدعم المالي الأميركي الرسمي للجيش اللبناني.

وسيجد لبنان وقيادته السياسية نفسهما، أمام وضع مركب وشائك من الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية، لتقديم تنازلات، حتى وإن تم ربطها بمقترحات لحلول مرحلية مؤقتة لتمكين بدء ضخ الغاز الإسرائيلي للأسواق الأوروبية قبل حلول الشتاء، من دون أن يملك لبنان أدوات أو أوراقا قوية لمواجهة هذه الضغوط.

ولأنّ لبنان نفسه يعيش أزمات داخلية متشابكة على مختلف الأصعدة، فإن خطر انزلاقه ووقوعه في مطب "أوسلو لبناني" مفصّل على مقاسه، يصبح أكثر من داهم، في حال لم تعتمد القيادة اللبنانية الشفافية التامة مع شعبها، وأبقت الباب مشرعاً أمام نصوص مبهمة.

المساهمون