تركيا: يوم الحسم الرئاسي

28 مايو 2023
أكثر من 64 مليون ناخب تركي يحق لهم الاقتراع (أفريم أيدين/الأناضول)
+ الخط -

توجه الناخبون الأتراك، اليوم الأحد، إلى صناديق الاقتراع، للمرة الثانية في غضون أسبوعين، لحسم هوية رئيسهم المقبل من بين المرشحين اللذين نالا أعلى نسبة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 14 مايو/أيار الحالي، وهما الرئيس رجب طيب أردوغان ومرشح المعارضة كمال كلجدار أوغلو.

وإذا كانت هوية البرلمان التركي قد حُسمت سريعاً بعد الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية التي أجريت بالتزامن مع الرئاسية قبل أسبوعين، وذلك لصالح التحالف الجمهوري الحاكم، فإن معرفة هوية الفائز بالرئاسة اليوم، بعدما لم يتمكن أي من المرشحين من الحصول بالدورة الأولى على نسبة الحسم (50 زائد صوت واحد)، ستحدد كيف ستُحكم تركيا خلال السنوات الخمس المقبلة، وما إذا كانت ستشهد حفاظاً على النهج السياسي الداخلي والاقتصادي نفسه بحال فوز أردوغان، أم ستكون مقبلة على تغييرات جذرية في حال وصول كلجدار أوغلو.

وتجرى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية اليوم، كما سابقتها، في ظلّ اهتمام دولي كبير، خصوصاً مع التحولات التي انتهجتها أنقرة خلال السنوات الأخيرة وإعادة تطبيع علاقاتها المتوترة مع دول الجوار، إلى جانب النفوذ الإقليمي الذي راكمته بفعل علاقاتها المتشعبة.

حصل أردوغان على دعم أوغان ونال كلجدار أوغلو مساندة أوزداغ

ولم يوفر المتنافسان الرئاسيان وسيلة تحشيد من أجل محاولة ضمان الفوز، ووجّها أنظارهما بشكل خاص للحصول على أصوات تحالف "أتا" (الأجداد)، الذي رفع خطاباً معادياً للاجئين والأجانب، وكان قد رشّح سنان أوغان للرئاسة، الذي حصل على 5.17 في المائة من الأصوات. ودخل كل من أردوغان وكلجدار أوغلو في تفاوض مع هذا التحالف، أدى في النهاية لانفراط عقد "أتا" وانقسامه ما بين داعم لأردوغان وداعم لكلجدار أوغلو.

تحالف "أتا" منقسم بين دعم أردوغان أو كلجدار أوغلو

وحظي أردوغان بدعم المرشح الرئاسي الخاسر سنان أوغان الذي حلّ ثالثاً في الجولة الأولى، بعدما خاض الانتخابات مستنداً إلى مواقفه المعادية للمهاجرين واللاجئين. في المقابل، ذهب حزب "النصر" (ضمن التحالف) وزعيمه أوميت أوزداغ، ورئيس حزب "العدالة" (أحد أحزاب التحالف أيضاً) وجدت أوز، لدعم مرشح المعارضة، فيما أعلن حزب "أولكم" (يعني "بلدي") دعم أردوغان، وهو حزب داعم لتحالف "أتا".

وتتجه الأنظار في اليوم الانتخابي الطويل لمعرفة تأثير هذه التحالفات والتبدل في الاستراتيجيات على الناخبين، وما إذا كانت ستغيّر من خياراتهم في الجولة الثانية، وتحديداً ما إذا كانت ستدفعهم إلى مقاطعة التصويت أو اختيار الورقة البيضاء.

وتنافس في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التركية هذا العام 3 مرشحين، هم أردوغان عن التحالف الجمهوري الحاكم، والذي حصل على 49.52 في المائة من الأصوات، وكلجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري مرشح تحالف الشعب المعارض، وحصل على 44.88 في المائة، فيما حصل أوغان على 5.17 في المائة من الأصوات، بينما انسحب المرشح الرابع محرم إنجه من السباق الانتخابي قبيل الجولة الأولى. وبلغت نسبة المشاركة في انتخابات 14 مايو الحالي 87.04 في المائة.

وبحسب الدستور التركي، يتوجب على أي مرشح الحصول على نسبة 50 في المائة زائد واحد في الجولة الأولى، وفي حال لم يحسم أي مرشح الجولة بهذه النسبة، تنتقل الانتخابات الرئاسية إلى جولة ثانية تجرى بعد أسبوعين. علماً أن التحالف الجمهوري حسم الانتخابات البرلمانية بحصوله على 323 مقعداً من أصل 600 محققاً الأغلبية، ما جعل أردوغان يضع قدماً للاقتراب من حسم الجولة الثانية، بارتفاع معنويات أنصاره، مقابل حالة الإحباط التي حلّت على أنصار المعارضة.

وعقب توضح النتائج في الجولة الأولى، عمل المرشحان الرئاسيان بشكل مباشر للإعداد للثانية، وبذل كل تحالف جهوده لمواصلة المعركة الانتخابية. ولعل التغيير الأكبر كان لدى تحالف الشعب المعارض ومرشحه كلجدار أوغلو، الذي حوّل خطابه بشكل كبير، ودخل في استراتيجية جديدة متبنياً خطاب اليمين القومي بأمل الحصول على دعمه قبل أن ينفرط عقد "أتا" وتتشتت أصواته.

ولم يكتف كلجدار أوغلو بتبني خطاب معاد للاجئين تحضيراً للجولة الثانية من الاقتراع الرئاسي، بل هاجم السوريين في كل مكان، وفي الإعلانات الانتخابية، واستخدم لغة التخويف منهم. وسبب ذلك محاولته استمالة الناخبين القوميين، إذ بعد فشل رهان مراقبين على إمكانية فوز المعارضة بأصوات الأحزاب الكردية، فباتت مسألة السوريين ساحة سجال بين حكومة تدافع عن عودتهم الطوعية ومعارضة تستعجل طردهم.

كلجدار أوغلو يتبنى الخطاب اليميني القومي

التحول في الاستراتيجيات جاء بسبب أهمية الأصوات، فأردوغان حصل على أكثر من 27 مليون صوت، فيما حصل كلجدار أوغلو على أكثر من 24 مليون صوت، وكان الفارق أكثر من مليونين ونصف مليون صوت. ويكفي أردوغان الحفاظ على نسبة الناخبين ذاتها التي حصل عليها في الدورة الأولى، مع إضافة 300 ألف ناخب جديد، وبنفس نسبة المشاركة في الجولة الأولى، للفوز، فيما يحتاج كلجدار أوغلو إلى أكثر من ذلك، ولذلك حثّ من لم يقترع في الجولة الأولى على المشاركة وحاول استمالة شرائح جديدة، ما دفعه إلى تبني استراتيجيته الجديدة.

أردوغان بشكل عام حافظ على حملته بالتركيز على الإنجازات والوعود، واستهداف تحالف الشعب وعلاقته بحزب الشعوب الديمقراطي الكردي وحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا المتهم بأنه تنظيم مسلّح إرهابي (حزب الشعوب بشكل عام منح أصواته لكلجدار أوغلو في الدورة الأولى). وعمل الرئيس التركي على استغلال الدعم المقدم من قيادات الحزبين الكرديين لمرشح المعارضة.

كما ركّز أردوغان في حملته على نقطتين أساسيتين: دعوة المزيد من الناخبين للمشاركة مع عدم مشاركة 13 في المائة من الناخبين في الدورة الأولى، والحفاظ على الناخبين الذين صوّتوا له في الدورة الأولى بالتركيز على عدم الاستهانة والإحساس بضمان الفوز والتلكؤ عن التوجه اليوم إلى صناديق الاقتراع.

وفي هذا السياق، التقى أردوغان بالمرشح الرئاسي سنان أوغان، كما التقى نائبه في الحزب نعمان قورطولموش مع زعيم حزب "النصر" أوميت أوزداغ، أحد أبرز أحزاب تحالف "أتا". وأدت المفاوضات بين هذه الأطراف إلى حصول أردوغان على دعم أوغان فقط، فيما أعلن حزب "النصر" وزعيمه أوزداغ، ورئيس حزب "العدالة" وجدت أوز، دعمهما مرشح المعارضة، مع إعلان حزب "أولكم" دعم أردوغان.

وطرح مراقبون تساؤلات عدة عن قدرة قيادات تحالف "أتا" في التأثير وتحريك كتلته الناخبة في ظل الانقسامات داخله، ووسط معطيات تشير إلى أن هؤلاء الناخبين يرفضون أردوغان وكلجدار أوغلو معاً، أو أنهم كانوا يرغبون بالتصويت لصالح إنجه. ورغم ذلك، فإن شخصية أوغان وتخبط المعارضة قد تكون مفيدة لأردوغان إن تمكن من استمالة 1-2 في المائة من هذه الكتلة.

مرشح المعارضة كمال كلجدار أوغلو، من جهته، غيّر بشكل كبير من استراتيجيته، ورفع بين الدورتين خطاباً قومياً عنصرياً مختلفاً تماماً عن خطاب الديمقراطية والحريات والحقوق ولغة القلوب الذي تميّز به ما قبل الدورة الأولى. فبعد 14 مايو، عمد كلجدار أوغلو إلى استهداف السوريين واللاجئين عموماً، مبالغاً في أرقامهم ومهدداً بطردهم فوراً من البلاد، في محاولة لاستمالة الناخبين القوميين الذين صوّتوا لصالح أوغان.

وتلقى كلجدار أوغلو دعماً من حزب "النصر"، مقدماً تعهدات عدة لزعيمه أوزداغ، منها الحفاظ على هوية البلاد ومناطق الحكم، والحفاظ على تطبيق فرض الحارس القضائي على البلديات ومكافحة الإرهاب، وإعادة السوريين، وإن اضطر بالقوة، خلال عام. وهذه التعهدات بصيغتها الفضفاضة أثارت حفيظة الحزب الكردي، الشعوب الديمقراطي. ورغم تصريحات متباينة صدرت عن القيادات الكردية، إلا أن الموقف الرسمي هو استمرار دعم كلجدار أوغلو في الجولة الثانية، لكن رغم تمكن الأخير في جمع المتناقضين، إلا أن الأمر سيف ذو حدين قد يثير حفيظة الأكراد والقوميين معاً، ويؤزم وضع تحالف الشعب سلبياً، فضلاً عن أن البرلمان حُسم لصالح التحالف الحاكم، في ظل توجه عام في البلاد باتجاه الاستقرار.

تشكيل الحكومة ينتظر النتيجة

وتكتسب الانتخابات الرئاسية التركية أهمية كبيرة لأنها ستقود إلى السلطة التنفيذية في البلاد وتشكيل الحكومة، التي ليست بحاجة إلى موافقة البرلمان. أي أن كلجدار أوغلو، بحال فوزه، يمكنه تشكيل الحكومة رغم فقدانه الأغلبية في البرلمان، إلا أنه لن يتمكن من اتخاذ أي قرار أو أي تشريع من دون موافقة السلطة التشريعية، ما سيؤدي إلى عرقلة عمله. وفي حال فوز أردوغان، فسيعني ذلك تواصل سلطته وسيطرته على البرلمان أيضاً للسنوات الخمس المقبلة. ولذلك فإن انتخابات اليوم، ومعها نتائج الانتخابات البرلمانية، مهمة لجهة تحديد مصير البلاد لنصف عقد.

على صعيد استطلاعات الرأي، فإن أغلب الشركات توخت الحذر مع اقتراب الجولة الثانية، إثر فشل الكثير منها في توقعاتها قبل الجولة الأولى، التي أشارت بمعظمها إلى فوز كلجدار أوغلو بفارق مريح عن أردوغان. ونشرت صحيفة "حرييت" استطلاعاً للرأي، أول من أمس الجمعة، حول آخر التوقعات وتوزع أصوات القوميين الذي صوتوا لأوغان، ومدى إمكانية تحولها إلى أردوغان أو كلجدار أوغلو، نقلاً عن "وقف تركيا للأبحاث"، أجري في 26 ولاية بمشاركة 3004 أشخاص.

يرى مراقبون أن المعارضة ستتشتت في حال بقاء أردوغان في الحكم

وجاء في الاستطلاع أن أردوغان سيحصل في الدورة الثانية على نسبة 53.7 في المائة من الأصوات، وأنه سيحصل على 1.75 في المائة من أصوات المرشح أوغان، فيما سيحصل كلجدار أوغلو على 1.25 في المائة من أصوات أوغان، فيما بقية ناخبي تحالف "أتا" قد لا يصوتون في الجولة الثانية.

أما شركة "كوندا" للأبحاث، فأعلنت من ناحيتها نتائج آخر استطلاع لها قبل أيام، وجاء فيه حصول أردوغان على 52.7 في المائة من الأصوات مقابل 47.3 في المائة لصالح كلجدار أوغلو، فيما كانت نتائج الشركة قبل الجولة الأولى تقول بحصول كلجدار أوغلو على 49.3 في المائة، مقابل حصول أردوغان على 43.7 في المائة من الأصوات.

وانتهت عمليات التصويت للأتراك المقيمين في الخارج، في إطار الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، والتي استمرت ما بين 20 و24 من مايو/أيار الحالي، فيما يتواصل التصويت في المعابر الحدودية حتى اليوم. وبحسب معطيات الهيئة العليا للانتخابات، فإن تصويت الخارج والمعابر بلغ أكثر من 1.9 مليون ناخب من أصل قرابة 3.5 ملايين ناخب بنسبة قاربت 55 في المائة، أي أكثر بنحو 5 في المائة من الجولة الأولى، وفق أرقام غير نهائية.

الصحافي والكاتب غونغور يافوز أصلان، تحدث لـ"العربي الجديد" عن انطباعاته للجولة الثانية، ملاحظاً أن أردوغان "يدخل جولة الإعادة بعلو الكعب بعدما حقق فارق 5 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى متفوقاً على كلجدار أوغلو، كما أن التحالف الجمهوري حقق الأغلبية في البرلمان".

مقابل ذلك، فإن كلجدار أوغلو اقترب من حاجز 45 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى، ومع التوافقات التي أجراها مع تحالف "أتا"، فإن أصواته ارتفعت إلى حاجز 50 في المائة، برأيه، لكن الإطار العام ونتائج الجولة الأولى واستطلاعات الرأي، تشير كلها إلى أن الرئيس أردوغان سيتقدم إلى حدود 53 في المائة، بحسب توقعات الصحافي والكاتب والتركي.

ولفت يافوز أصلان إلى أن "أردوغان ركّز خلال الأسبوعين الماضيين على الاستدامة، ولقاء منظمات المجتمع المدني، وحرص على الظهور الإعلامي بشكل شبه يومي للوصول إلى كافة شرائح المجتمع، بينما كانت لدى كلجدار أوغلو لقاءات عدة وغيّر فريق عمله، ورفع الخطاب القومي، مركزاً أيضاً على وسائل التواصل الاجتماعي". رغم ذلك، فإن تركيا تشهد، بحسب يافوز أصلان، تجربة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى، وبالتالي فإن رغبة الشارع غير معروفة بعد.

وحول أهمية الانتخابات الرئاسية، اعتبر الكاتب والصحافي التركي أنها "تعني تشكيل الحكومة، وفي حال فوز أردوغان فسيعلن عن تشكيل حكومته وخطته وكيفية حكمه خلال الفترة المقبلة على الفور، أما بحال فوز كلجدار أوغلو، فإنه سيتحول إلى بطة عرجاء مع فقدانه الأغلبية البرلمانية، ما يعني دخول تركيا أزمة قد تقود إلى انتخابات مبكرة"، متوقعاً أن "يختار الشعب الاستقرار وأن يفوز أردوغان".

من جهته، قال الكاتب والباحث في مركز "سيتا" للدراسات في تركيا عمر أوزكزلجك، لـ"العربي الجديد"، إنه "من المتوقع لدى الأوساط السياسية فوز أردوغان، لكن دعم أوزداغ مرشحَ المعارضة سيقلل الفارق بين المتنافسين". ووصف أداء المرشحين بأنه كان "مثيراً، وخصوصاً كلجدار أوغلو الذي استخدم لهجة حادة مختلفة عن لغة "الأمل" التي اعتمدها قبل الدورة الأولى، وهو "دليل اعترافه بفشل خطته السابقة".

وشدّد أوزكزلجك على أن "أردوغان بدأ يتحدث باسم الرئيس مجدداً، معتمداً خطاباً هادئاً متوازناً غير عدواني، ولكنه دعا أنصاره إلى عدم التساهل في الذهاب للاقتراع". وبرأي أوزكزلجك، فإن أي فوز لكلجدار أوغلو يعني عدم تمكن تحالف الشعب من السير بالنظام البرلماني لأن "العدالة والتنمية" لم يبدل موقفه.

واعتبر الكاتب والباحث أن "فوز كلجدار أوغلو سيؤدي إلى حكم غير متجانس بسبب حصول التحالف الجمهوري على الأغلبية في البرلمان". إلا أنه ذكّر بأن كلجدار أوغلو بحال فوزه يمكنه العمل وإدارة الدولة بالمراسيم الرئاسية، مقابل استمرار السياسة الحالية بحال فوز أردوغان وبنفس القوة، وعندها فإن المعارضة ستتشتت.

أما الصحافي يوسف سعيد أوغلو، فرأى في حديث لـ"العربي الجديد" أن "التحالف الحاكم يشيع بأنه تمكن من حسم الانتخابات بحديثه عن نتائج الانتخابات البرلمانية، إلا أن السياسة التركية مليئة بالمفاجآت". واعتبر سعيد أوغلو أن كلجدار أوغلو "لا يزال قادراً على كسب الحلفاء وإقامة التوازن في ما بينهم، حيث كسب أوزداغ القومي المتطرف المعادي للأحزاب الكردية، وفي الوقت ذاته لا يزال يحافظ على التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي، في الوقت الذي كانت فيه التوقعات تشير إلى إمكانية حصول تصدعات في مسألة الدعم الكردي". وأكد أن "هذه الحالة أعادت الروح إلى أنصار المعارضة متوقعاً أن تكون هناك منافسة شرسة اليوم.

المساهمون