حرصت السلطات التركية على التأكيد أن العملية التي قام بها الجيش التركي داخل الأراضي السورية لنقل ضريح سليمان شاه وإجلاء جنود أتراك، تمت بقرار تركي ومن دون أخذ إذن من أي أطراف أخرى.
وللعملية أبعادها على المستوى السياسي الداخلي والمستوى الخارجي، إذ تُشكل انتصاراً كبيراً لحكومة "العدالة والتنمية" التي اتُهمت مراراً من قِبل المعارضة التركية ببيع الضريح لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مقابل إطلاق سراح الأسرى الأتراك الذين احتجزهم التنظيم عند اجتياحه الموصل، وأيضاً بالتهاون في حماية الجنود الذين يقومون بحماية الضريح، لتُشكّل هذه العملية ورقة ناجحة أخرى سيتم استثمارها في الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية في يونيو/حزيران المقبل.
أما على المستوى الخارجي، فيمكن أن تُشكّل هذه العملية "بروفا" لعمليات أخرى محتملة قد تقوم بها القوات التركية سواء في سورية أو العراق بالتنسيق مع التحالف الدولي، إذ تأتي بعد أيام من توقيع أنقرة وواشنطن اتفاقية لتدريب "قوات المعارضة السورية المعتدلة"، وكذلك بعد الاجتماعات التي حصلت في مدينة جدة السعودية بين قيادات عسكرية في دول التحالف، وحضرها عن الجانب التركي رئيس قسم العمليات في رئاسة الأركان التركية، الجنرال إردال أوزتورك.
وكشفت مصادر دبلوماسية تركية لـ "العربي الجديد"، أن هذه الاجتماعات كانت ذات أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا، ولا سيما أن "تدريب وتسليح قوات المعارضة المعتدلة السورية" كان أحد المواضيع المطروحة على الطاولة في مناقشة استراتيجية التحالف ضد "داعش"، إضافة إلى الدور التركي المحتمل لمساندة أي عمليات خاصة قد تجري ضد التنظيم ضمن الأراضي السورية والعراقية، والتجهيزات والخطط العسكرية التي سيتم اعتمادها لاستعادة الموصل العراقية من سيطرة "داعش"، وإمكانية استخدام القوة العسكرية البرية ضد التنظيم.
أما عن نقل الضريح في هذا التوقيت بالذات، فقد يشير إلى توقّع الحكومة التركية تصعيداً من تنظيم "داعش" الذي يسيطر على جميع المناطق المحيطة بالضريح قبل نقله، الأمر الذي يُرجّح أن الحكومة التركية أرادت من نقل الضريح قطع الطريق على أي اعتداء قد يقوم به "داعش" عليه مع بدء تدريب قوات المعارضة السورية على الأراضي التركية، الأمر الذي كان سيُجبر تركيا على التدخل العسكري المباشر ضد "داعش".
ووجّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهنئة للحكومة والجيش التركي لنجاح العملية، التي أدت إلى إفراغ ضريح سليمان شاه الذي يُعتبر مكان وجوده أراضيَ تركية سيادية داخل الأراضي السورية، بحسب معاهدة 1921 الموقّعة بين أنقرة والاحتلال الفرنسي لسورية حينها.
من جهته، أكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، أن العملية تمت بقرار تركي خالص من دون التعاون أو أخذ الأذن من أي أطراف أخرى، وذلك في إطار المذكرة التي كانت الحكومة التركية قد مررتها في البرلمان التركي في وقت سابق من العام الماضي، وتسمح للجيش التركي بالقيام بعمليات داخل الأراضي السورية والعراقية إن استدعت الحاجة لذلك، وتم إبلاغ قوات التحالف الدولي بالعملية بعد البدء بها.
وبحسب داود أوغلو، فقد تم إخطار المجموعات المسلّحة المتواجدة في المنطقة ومنها الجيش السوري الحر، لإبعاد المدنيين عن مكان العملية، علماً بأن القوات التركية دخلت من منطقة سروج في ولاية شانلي أورفة المواجهة لمدينة عين العرب التي تقع تحت سيطرة قوات الاتحاد الديمقراطي. وقال رئيس الوزراء التركي، إن "جميع الأطراف كانت على علم بأن أي تدخل أو محاولة لوقف هذه العملية كانت ستلقى رداً عنيفاً من قِبلنا".
اقرأ أيضاً: تدريب المعارضة السورية: حلب أولاً
وبعد انتهاء العملية، أرسلت الخارجية التركية مذكرة للقنصلية السورية في إسطنبول، تبلغها بأنه قد تم نقل ضريح سليمان شاه بشكل مؤقت إلى جزء آخر من الأراضي السورية في قرية أشمة الحدودية التي دخلتها القوات التركية، في مساحة هكتار التي تساوي مساحة الضريح السابقة، وتبعُد 180 متراً عن الحدود المشتركة.
أما رد النظام السوري على العملية التركية، فجاء على صيغة بيان صادر عن وزارة الخارجية السورية وصف العملية بأنها "عدوان سافر"، محمّلاً السلطات التركية "المسؤولية المترتبة على تداعيات" هذا العدوان.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) عن مصدر في الخارجية قوله "إن تركيا لم تكتفِ بتقديم كل أشكال الدعم لأدواتها من عصابات داعش والنصرة، وغيرهما من التنظيمات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة، بل قامت فجر اليوم بعدوان سافر على الأراضي السورية".
أما الائتلاف الوطني السوري المعارض، فقال رئيسه خالد الخوجة، في تصريحات صحافية، إن الائتلاف والجيش السوري الحر علما مسبقاً بنية تركيا القيام بعملية نقل الضريح.
وعن التفاصيل الميدانية للعملية، فعند الساعة التاسعة من ليل السبت، دخلت القوات البرية التركية الأراضي نحو ضريح سليمان شاه الذي يبعُد 37 كيلومتراً عن الحدود باستخدام 50 دبابة و572 مقاتلاً، وبدعم من القوات الخاصة التركية وسلاح الجو التركي، لتنتهي العملية في السادسة من صباح الأحد بنجاح القوات التركية بإجلاء 39 جندياً من القوت الخاصة كانوا يحمون الضريح منذ 8 أشهر، ونقل قبر كل من سليمان شاه وجنديين عثمانيين آخرين مدفونين بقربه، ومن ثم تم تدمير المقام والمخفر المتواجد به قبل الانسحاب، وذلك من دون حصول أي اشتباكات، ولكن العملية أدت إلى مقتل جندي تركي في حادث خلالها.
وأوضح الناشط حسن عبد الكافي لـ "العربي الجديد"، أن الرتل العسكري التركي قطع نحو ستة كيلومترات داخل الأراضي التي يسيطر عليها "داعش" من مفرق الشيوخ وصولاً إلى جسر قرقوزاق، من دون أن يتعرّض مسلّحو "داعش" للقوات التركية، ومن دون أن يحصل أي احتكاك بين الطرفين، على الرغم من وجود قوات كبيرة لـ "داعش" في المنطقة بحكم وضعها كمنطقة مواجهة بين التنظيم والقوات الكردية والجيش السوري الحر؛ وذلك على طول خط المواجهة بين الطرفين من قرية الجعدة في ريف جرابلس إلى بلدة صرين جنوباً في ريف منبج، وهي جميعها مناطق في ريف حلب الشرقي.
أما عن اختيار تركيا قرية أشمة لنقل الضريح إليها، وهي التي تبعد كيلومترين فقط عن الحدود التركية، وتقع على بُعد ستة كيلومترات إلى الشرق من مدينة جرابلس و25 كيلومتراً من مدينة عين العرب، فإن لذلك دلالة خاصة، فهذه القرية تقع على حدود المنطقة التي تسكنها غالبية سكانية من السوريين الأكراد، في مقابل منطقة ريف جرابلس التي تسكنها غالبية عربية، الأمر الذي يشير إلى نية تركيا وضع قواتها في المنطقة الفاصلة بين المنطقتين، من دون أن تضع الضريح في منطقة ذات غالبية سكانية واحدة؛ خوفاً من تضارب مصالح تركيا مع المليشيا أو الجهة السياسية التي تمثل سكان المنطقة التي سيتم بناء الضريح الجديد بها.