ترسيم الحدود البحرية اللبنانية: عون يبحث عن إنجاز بأي ثمن

30 سبتمبر 2022
هوكشتاين سينقل عرضاً خطياً لعون قريباً (حسين بيضون)
+ الخط -

بدأ العدّ التنازلي لانتهاء ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول، الذي يحاول في الأيام القليلة المتبقية من عهدٍ وُضِع في خانة الأسوأ بتاريخ لبنان لا سيما اقتصادياً، أن يُسجل لنفسه إنجاز اتفاق ترسيم الحدود البحرية جنوباً.

في المقابل، تضع أوساط قانونية هذا الاتفاق في خانة "الخيانة العظمى" إذا تمّ توقيعه، مؤكدة التحرك قضائياً، محلياً ودولياً، بوجه كل تسوية سياسية وشخصية على حساب الشعب اللبناني والثروة الوطنية.

ويحرص فريق عون على تعزيز السيناريو الإيجابي لترسيم الحدود بتأكيده التقدم الكبير المحرز، واقتراب الملف من خواتيمه السعيدة، في حين يلاقيه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالتفاؤل نفسه لكن بصورة أكثر حذرا، مع وضعه احتمال عدم الاتفاق في الحسبان.

من جهته، ينشر الجانب الإسرائيلي بدوره أجواء إيجابية بتصريحات مسؤوليه ووسائل إعلامه، في مشهدية توحي باكتمال الصفقة والتي سيتمحور حولها العرض الخطي الذي يُنتظر أن يرسله الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين إلى الرئاسة اللبنانية قبل نهاية الأسبوع الحالي.

ترسيم الحدود اللبنانية البحرية

وأشارت تقديرات لأوساط ومحافل سياسية وأمنية إسرائيلية، إلى قرب التوقيع على الاتفاقية، وفق ما أورد موقع صحيفة "معاريف"، أول من أمس الأربعاء. وبحسب هذه المحافل، التي لم يُسمّها الموقع، فإن الفجوات التي بقيت بين لبنان وإسرائيل في المفاوضات "صغيرة ويمكن حلها".

وأشار الموقع إلى أن نائب رئيس مجلس النواب اللبناني، الياس بو صعب التقى في نيويورك الأسبوع الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، هوكشتاين، كاشفاً أن لبنان بانتظار الاقتراح الرسمي من الوسيط الأميركي.


عصام خليفة: المسؤولون اللبنانيون فاوضوا على الخط 23 الذي خلقه الاحتلال الإسرائيلي

ولفت تقرير "معاريف" إلى أن رئيس حكومة تصريف الأعمال في إسرائيل، يئير لبيد، عقد عشية عيد رأس السنة العبرية، مطلع الأسبوع الحالي، جلسة مشاورات سياسية وأمنية، تم خلالها مناقشة سيناريوهات لا يتم فيها التوصل للاتفاق، في موازاة بدء إسرائيل باستخراج الغاز من حقل "كاريش"، في ظل تهديدات حزب الله بالمس بمنصة استخراج الغاز الإسرائيلية.

واستعرض الجيش الإسرائيلي تقديراته المختلفة بشأن السيناريوهات المحتملة في هذا السياق بدءاً مما تسميه إسرائيل "استفزازات يقوم بها حزب الله"، وحتى سيناريوهات أكثر تطرفاً بشأن التصعيد العسكري على إثر بدء استخراج الغاز.

مع ذلك، ذكر موقع "معاريف" أن المنظومة الأمنية الإسرائيلية ترى أن احتمالات التصعيد العسكري، حتى في حال بدء استخراج الغاز من دون توصل لاتفاق مع لبنان، ليست عالية لأن حزب الله يدرك أن أي تحرك من طرفه قد يؤدي لتصعيد كبير.

وكان وزير الأمن في حكومة الاحتلال، بني غانتس، هدد في مقابلات تلفزيونية مساء السبت الماضي، بأنه في حال اتجه حزب الله إلى التصعيد وعرقلة عمليات بدء استخراج الغاز من حقل "كاريش"، فإن إسرائيل ستلحق بلبنان ضرراً هائلاً.

وانطلقت المفاوضات التقنية غير المباشرة في الناقورة، جنوبي لبنان، في 14 أكتوبر 2020، بوساطة أميركية ورعاية أممية، قبل أن تتوقف في مايو/أيار 2021، ودخول الملف في زواريب التسويات السياسية التي قادها موفد الولايات المتحدة عاموس هوكشتاين.

وبدأت الانشقاقات في صفوف الوفد اللبناني، الذي خرج منه رئيسه العميد الركن المتقاعد بسام ياسين متهماً السلطة السياسية بالخيانة العظمى، بعد انقلابها على إحداثياتٍ كان من شأنها أن تعطي البلاد مساحات بحرية نفطية تفوق تلك التي يتم التفاوض بشأنها اليوم، ورفضها التوقيع بالتالي على المرسوم 6433 المقترح من قيادة الجيش وإيداعه الأمم المتحدة.

ويستغرب الباحث في قضايا ترسيم الحدود عصام خليفة، الأجواء الإيجابية التي يتحدث عنها المسؤولون اللبنانيون ويهللون لإنجازهم الملف، في حين أنه في حال "الاتفاق نكون أمام خطأ تاريخي، سنواجهه بالتحرك قضائياً بوجه المسؤولين، الذين تنازلوا عن مساحات لبنانية وحقوق وطنية ليس فقط للعدو الإسرائيلي، بل أيضاً لقبرص، عندما أخطأت الحكومة اللبنانية في تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة معها في عام 2007 فخسر لبنان 2217 كيلومتراً مربعاً من مياهه".

ويشدد خليفة في حديث مع "العربي الجديد" على أن "المسؤولين اللبنانيين فاوضوا على الخط 23 الذي خلقه الاحتلال الإسرائيلي وهو غير قانوني وغير علمي، ويعني من خلاله التنازل عن 1430 كيلومتراً مربعاً، فيما الحلّ الوطني الذي يحفظ مصالح لبنان العليا يتمثل بإرسال تعديل المرسوم 6433 وفق اقتراح قيادة الجيش، إلى الأمم المتحدة، إذ إن الخط 29 هو وحده القانوني والعلمي والذي ينسجم مع القانون الدولي، لأنه ينطلق من نقطة الحدود الدولية في رأس الناقورة".

التخلّي اللبناني عن كاريش

من ناحية ثانية، يلفت خليفة إلى أن "لبنان البلد الوحيد في العالم الذي يريد ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر من خارج حدوده البرية، من هنا فإن الترسيم خطأ تاريخي لأنه ينطلق من نقطة خارج نقطة الحدود البرية، أي لا ينطلق من رأس الناقورة".

وتبعاً لذلك، يقول خليفة إن "كل الكلام عن إيجابيات لا معنى له، إذ إن إسرائيل تريد أن توسع مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها على حساب لبنان، الذي بدلاً من التمسك بالخط 29 والتفاوض على حقل كاريش أيضاً الذي له حقوق فيه. وتنازل أهل السياسة الذين لا يفهمون بالإحداثيات عن الخط 29 يجعل من السلطة السياسية راضخة للاعتداءات الإسرائيلية".

وسبق لخليفة أن توقف في بيان سابقٍ، عند ما تناقلته وسائل إعلامية بأن الطرف الإسرائيلي يوافق على الخط 23 مع حقل قانا كحدود للمنطقة الاقتصادية الخالصة بين لبنان وإسرائيل، ووجود مطالب إسرائيلية موازية تتضمن تعديلات طفيفة على الساحل، من المرجح أن تكون في تغيير نقطة الحدود البرية من رأس الناقورة إلى 30 متراً شمالها.

مع أنه من المعروف أن إسرائيل تحتل أكثر من 3300 متر مربع في منطقة رأس الناقورة، وأن الخط الأزرق يبعد 30 متراً شمالي نقطة الحدود المرسّمة والمثبّتة دولياً.

وأكد خليفة في بيانه المذكور أن مطالبة إسرائيل بتعديل طفيف في المنطقة الساحلية، تهدف إلى إعطاء شرعية للخط 23 الذي ينطلق هو الآخر من مسافة 30 متراً شمالي رأس الناقورة، وفي حال وافق لبنان على التعديل الإسرائيلي في الحدود البرية، يعني أنه تخلى عن نقطة القوة التي يرتكز إليها في التأكيد على خطأ الخط 23 وقانونية الخط 29.

وأوضح خليفة في البيان أن تعديل نقطة الحدود على الساحل يسوّغ لإسرائيل أن تعدل الحدود البرية لاحقاً، ومن هنا مصلحة لبنان التمسّك باتفاقية الهدنة (الموقعة في عام 1949) واتفاق ترسيم الحدود ورفض أي تعديل لنقطة الحدود البرية أي رأس الناقورة.

وبالتالي، إذا وافق المسؤولون اللبنانيون على التعديل يكونون قد خالفوا الدستور، إذ لا يمكن التخلي عن أي جزء من الأراضي اللبنانية إلا بقانون دستوري.

العهد والبحث عن إنجاز

من جانبه، يقول المحامي جاد طعمة، منسق اللجنة القانونية في "المرصد الشعبي" المولجة بالشق القانوني في جبهة الدفاع عن الخط 29: "إننا في اللجنة القانونية لسنا مقتنعين أن هناك أجواء إيجابية، بل محاولة تضليل للرأي العام للإيحاء بوجود إنجاز، خلافاً لواقع الحال".

ويعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "الإنجاز الحقيقي الذي كان يمكن أن تتم تهنئة العهد على تحقيقه هو الحفاظ على الخط 29 الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة، لأنه معتمد من قبل مصلحة الهيدروغرافيا (المسح البحري أو علم وصف المياه) في الجيش اللبناني، والمنوط بها قانوناً تحديد الحدود البحرية. وهذه المصلحة حددت الخط 29 كخط للحدود البحرية اللبنانية التي تمثل منطقة رأس الناقورة نقطة الانطلاق فيها".


جاد طعمة: الإنجاز الحقيقي الذي كان يمكن أن تتم تهنئة العهد على تحقيقه هو الحفاظ على الخط 29

ويلفت طعمة إلى أن "كل ما يحاول هوكشتاين أن يحققه هو عدم تحديد نقطة الانطلاق من رأس الناقورة، وهذا يصبّ حكماً في مصلحة كيان العدو، لأنه يمنعنا عن الاستفادة من الحق في حقل كاريش".

ويضيف: "هناك اليوم محاولة لبيعنا انتصاراً وهمياً بأننا سنأخذ كامل حقل قانا، في الوقت الذي يعدّ بمثابة تحصيل حاصل للبنان في حال اعتمدنا الخط رقم 29".

ويشير طعمة إلى أن "هناك خطورة باعتماد خط الطفافات الموضوع بالبحر، لتلبية المطالب الإسرائيلية، وهو يتطابق مع الحدود البحرية التي تحددها إسرائيل ومع الخط رقم 1، الذي تعتبره الأخيرة الحدود البحرية للمنطقة الشمالية العائدة لها، لأن من شأن ذلك أن يؤدي لاحقاً إلى خسارة لبنان جزءا من حدوده البرية. مع العلم أن أكبر إنجاز للعهد كان من الممكن تقديمه هو تعديل المرسوم 6433 وإرساله إلى الدوائر المختصة بالأمم المتحدة لتصنيف منطقة حقل كاريش منطقة متنازع عليها. وبالتالي منع كيان العدو من استخراج النفط والغاز من تلك النقطة. كما كان من شأن ذلك، أن يحول دون أن تأتي شركة انيرجيان النفطية بباخرتها إلى الحقل لتضعها قبالة حقل كاريش".

وتقدمت اللجنة القانونية في "المرصد الشعبي"، بأكثر من كتاب إلى رئاسة الحكومة، سواء في عهد حسان دياب أو ميقاتي، لضرورة تعديل المرسوم 6433، والحصول على إيضاحات حول أسباب عدم التوقيع. وحصلت على جواب من الأخيرة بأن الموضوع عند ثلاث وزارات، ومن ثم رمت في كتاب آخر الكرة في ملعب رئاسة الجمهورية.

ويكشف طعمة: "الاثنين الماضي تقدمنا بكتاب جديد لدى الأمانة العامة لرئاسة الحكومة للسؤال عن مدى جدية الأخبار الواردة عن قرب التوصل إلى حل، خصوصاً أنه لم يصدر تعديل مرسوم 6433 ولم يتم إبلاغه للأمم المتحدة، ولا الحصول على أجوبة الوزارات الثلاث التي تمت مراسلتها. وبالتالي، إن عدم توقيع المرسوم أو حجز تعديله عند رئاسة الجمهورية، لا يعفي كامل أعضاء الحكومة اللبنانية من المسؤولية"، مؤكداً: "أننا سنكون في المرصاد محلياً ودولياً".

ويتوقف طعمة عند معلومات غير رسمية تتردد حول أن "لبنان سيأخذ حقه من الاستفادة من حقل قانا كاملاً على أن تقوم شركة توتال الفرنسية بالتفاوض مع كيان العدو الإسرائيلي لتعويضها".

ويسأل: "ممن ستعوّض شركة توتال للعدو؟ عدا عن أنه عندما يكرس مبدأ التعويض سيظهر كيان العدو وكأنه صاحب حق بوقت هو ليس كذلك. وإذا كان تعويضه من النفط والغاز الممكن استخراجه من حقل قانا غير المستكشف بعد على حساب لبنان عبر توتال، فأين المكسب اللبناني بهذه الحالة؟".

ويشدّد على "أن الأيام المقبلة ستكشف النقاب عمّا يحصل حقيقة وعلى ماذا تمحورت الصفقة، والموضوع تحت المجهر لأن لا ثقة بالسلطات اللبنانية". ويلفت طعمة إلى أن "كل تحرك شعبي أو قانوني لا يأخذ بعين الاعتبار أن الحدود البحرية الجنوبية في لبنان هي الخط 29، تهدف كل التحركات إلى تضليل الرأي العام، إذ لا يكفي القول بالحفاظ على الثروة البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة جنوباً من دون أن نذكر الخط 29".