تنطلق انتخابات التصفية الحزبية لاختيار المرشحين للانتخابات الرئاسية الأميركية، اليوم الثلاثاء، في ولاية نيو همبشاير. وفي حين أنها تبدو محسومة بشقها الديمقراطي، مع غياب منافسين جديين للرئيس الحالي جو بايدن، تنصب الأضواء على شقها الجمهوري المرجح بقوة لصالح دونالد ترامب، الذي حاز على 54 بالمائة من الأصوات مقابل 31 بالمائة لمنافسته نيكي هايلي، بحسب آخر استطلاع لشبكة "سي أن أن"، إلا إذا خالفت هذه الولاية التوقعات، وهي معتادة على المفاجآت.
لكن لا يبدو أن نيو همبشاير تخفي مفاجآت هذه المرة. وحتى لو جاءت بمفاجأة، فانه من المستبعد أن تتكرر في ولايات أخرى، وفق ما تشير إليه موازين الخريطة الانتخابية، سيما وأن ماكينة الحزب الجمهوري كمؤسسة وقيادات تقليدية، التي كان من المفترض أن تدفع بترشيح هايلي، أصبحت في معظمها إما واقفة بالصف وراء ترامب، وإما أنها نفضت يدها من معركة الترشيح لأنها تخشى مخاصمة ترامب، أو لأنها باتت بلا نفوذ يذكر في قاعدة الحزب (موقف السناتور ميتش ماكونيل زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ)، وبالتالي فهي مسألة وقت قبل أن تنسحب هايلي عقب المحطة الثالثة، بعد نحو شهر، إذا خسرت المنافسة في ولايتها ساوث كارولينا، التي سبق وشغلت فيها منصب حاكم الولاية، وفي هذه الحالة سينقطع تمويل حملتها لتخلو الساحة لترامب.
ووفق هذا السيناريو المتوقع، يكون ترامب حسم الترشيح عملياً في غضون أسبوع بعد أول ولايتين (نيوهمبشاير وأيوا)، مسجلاً بذلك سابقة في تاريخ انتخابات التصفية، التي من المفترض أن تمتد لحوالي خمسة أشهر. وكذلك، تكون المرة الأولى التي ينفرط فيها عقد المرشحين خلال هذه الفترة الأولى القصيرة من مرحلة التصفية لصالح مرشح لم يشارك في مناظرة واحدة مع منافسيه، ومن دون أن يطرح برنامجاً يتجاوز العموميات وعرض المظلوميات.
ويعود ذلك لأسباب تتعلق بالمرشحين، كما بأوضاع الحزب الجمهوري، وليس فقط بشعبوية ترامب، فالمرشحون كانوا إجمالاً من الصف الثاني على مستوى الولايات، والأهم أنهم دخلوا المعركة بصورة ملتبسة انعكست سلباً على عملية تسويق ترشيحهم. فهم طرحوا أنفسهم كطامحين بالرئاسة أكثر منهم كمنافسين لترامب.
ترامب.. زعيم الجمهوريين
ورغم أن مرشحي الحزب الجمهوري قدموا أنفسهم ضمنياً كبديل عن ترامب، لكنهم في خطابهم الانتخابي حرصوا على الابتعاد عن توجيه الأصبع نحو المآخذ ونقاط الضعف لديه، وخاصة الاتهامات الجنائية (عددها 91 حتى الآن) الموجهة إليه في 4 دعاوى، بدأت المحاكم النظر في مراحلها الأولية، كما نأوا بأنفسهم عن المنازلة السياسية معه خشية من رد فعل القاعدة الانتخابية المؤيدة له. واحد فقط، هو كريس كريستي، فتح دفاتر الرئيس السابق، لكن عدم قدرته على الإقلاع لهذا السبب أو غيره اضطرته إلى الانسحاب المبكر.
كما ارتدت محاولة استمالة شرائح من قاعدة ترامب سلباً على منافسيه الذين افتقروا أصلاً إلى أطروحات جديدة لمخاطبتهم، وساهم في ذلك عاملان هامان: الأول أن الاتهامات القضائية التي صدرت ضد ترامب ارتدت بزيادة الالتفاف حوله ليس فقط في صفوف المحافظين، وخصوصاً الإنجيليين المتدينين، بل أيضاً في أوساط شرائح من المستقلين من ذوي الميول اليمينية.
والثاني أن مرجعيات الجمهوريين في الكونغرس، كما في أوساط المخططين والمفاتيح الانتخابية والمسؤولين السابقين، بقوا في شبه غياب ترك الساحة لقلة من "الترامبيين"، وبالذات في مجلس النواب، بحيث تمكنت من السيطرة على أجندة التشريع والتحكم بعملية التعطيل والتوجيه (حوالي 120 من النواب الجمهوريين وبين 60 إلى 70 بالمائة من الجمهوريين المتشددين ما زالوا حتى اللحظة يرون أن رئاسة بايدن "غير شرعية").
كما ظلت القوى المناوئة لترامب من الجمهوريين في حالة قريبة من الصمت، ولم تجرؤ على التصدي خشية نقمة ترامب، الذي تمكن، عبر توظيف هذه العوامل والحسابات، من تطويب الحزب الجمهوري باسمه.
واذا كانت قوة ترامب في الانتخابات الماضية تكمن في رئاسته، فهي اليوم تكمن في امتلاكه الكامل للحزب الجمهوري وبدون نقاش، الأمر الذي شجعه على المطالبة بضرورة منح الرئيس "حصانة بلا حدود". فالمعارض من الجمهوريين حالياً صامت، والذي تجرأ على الكلام انتهى مثل كريستي.
منذ البداية كان هناك شبه إجماع على أن هذه الانتخابات ستكون الأهم في التاريخ الأميركي الحديث، ليس فقط من حيث الخيارات وذيولها، بل أيضاً من حيث تأديتها على "الطريقة السياسية القبلية".