تراس أمام مجلس العموم البريطاني.. جلسة حاسمة لمستقبلها

19 أكتوبر 2022
تراس ستمثل لثالث مرة أمام مجلس العموم (Getty)
+ الخط -

تواجه رئيسة حكومة بريطانيا، ليز تراس، اليوم الأربعاء، أعضاء مجلس العموم في جلسة مساءلة، هي الثالثة لها منذ توليها المنصب، فيما ذهب البعض إلى اعتبارها جلسة مصيرية.

ولا يصعب استشفاف مدى الورطة التي تغرق فيها تراس، إلى الحدّ الذي اعتُبرت فيه جلسة اليوم حاسمة بشأن مستقبلها السياسي، وهي الجلسة الثالثة التي تحضرها تراس منذ تولّيها المنصب في 5 سبتمبر/ أيلول الماضي؛ أي قبل أقلّ من شهرين. 

وتأخذ جلسة اليوم أهميتها من المستجدات السياسية والاقتصادية التي شهدتها الحكومة البريطانية خلال الأسبوعين الماضيين، وسط حالة من التخبّط وعدم اليقين والاستقالات والتعيينات والتنصّل من المسؤولية. 

تراس تتساوى مع بوتين

وأظهر استطلاع جديد للرأي أجرته شركة "يوغوف"، أمس الثلاثاء، أنّ شعبية تراس تدنّت إلى الحدّ الذي باتت تلامس فيه شعبية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بريطانيا

وحمل الاستطلاع، مفاجآت مدوية، إذ حظي رئيس الحكومة السابق بوريس جونسون بأعلى نسبة أصوات بين أعضاء حزب المحافظين لدى سؤالهم عمن يجب أن يحلّ محلّ تراس، إذ إن اثنين فقط من كل خمسة أعضاء يريدون بقاءها في منصبها. 

والمفاجأة الثانية أنّ وزير المالية الأسبق ريشي سوناك المتّهم بـ"طعن" الزعيم السابق و"لم تثبت براءته بعد"، جاء في المرتبة الثانية بعد جونسون وحصل على 23% من الأصوات، بينما حصل وزير الدفاع بن والاس على 10% من الأصوات، وهو من أكثر الشخصيات شعبية لتولّي المنصب على اعتباره مركز إجماع في الحزب، ومن شأنه توحيد الصفوف وإلغاء الانقسامات، إلا أنه اعتذر للمرة الثانية قبل يومين عن تولي المنصب. 

والمفاجأة الثالثة هي أنّ تراس حصلت على أدنى درجة تسجلها شركة "يوغوف" خلال عقدين من الإحصاءات على شعبية رئيس الحكومة. كما أنها نجحت خلال ستة أسابيع فقط في تسجيل أرقام متقاربة لدى الناخبين عموماً ولدى الناخبين المحافظين. إذ يعتقد 80% من الناخبين عموماً أنها غير صالحة للبقاء في المنصب، بينما يشاركهم الرأي 71% من الناخبين المحافظين.  

تراس "مجبرة"

وإن استطاعت تراس التواري عن الأنظار في جلسة يوم الإثنين والتهرّب من الأسئلة الملحّة لمعارضيها كما للناخبين، فإنها مجبرة اليوم على مواجهة زعيم حزب العمال كير ستارمر الذي سخر من "اختفائها". 

كما أن تراس مجبرة على تحسين أدائها إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وهي التي لا تسعفها عادة شخصيتها المتواضعة سياسياً ودبلوماسياً وافتقارها أيضاً إلى "كاريزما" الزعماء، في لحظة مفصلية تشهدها بريطانيا. 

أضف إلى ذلك كله، أنّ مطالب التنحّي العلنية منها والسرّية، تعمق غرق تراس أكثر فأكثر، لا سيما أنّ معظم المحافظين  تقتصر مباحثاتهم على كيفية استبدال تراس بزعيم آخر بلا ضجيج، ما يعني أنها هي أيضاً تدرك ذلك. 

وقال عضو بارز في حزب المحافظين، تحفظ عن ذكر هويته، في اتصال مع "العربي الجديد"، إنه كان من أشدّ الداعمين لتراس إلى "داونينغ ستريت" إلا أنها مع الأسف "فقدت اليوم كل الاحترام والمصداقية". 

وأضاف أنها "زادت من حدّة الانقسامات وورطت الحزب في مأزق حقيقي في طريقه إلى الانتخابات العامة المقبلة".

وعن فكرة عودة بوريس جونسون، وهي فكرة باتت مطروحة في اليومين الأخيرين، قال العضو في الحزب والصديق المقرّب من جونسون إنّ لجنة 1922 قادرة على إعادة طرح اسمه وإجراء تصويت على استعادة الثقة به لا سيما بعد الاستطلاع الأخير الذي نشرته "يوغوف"، إلا أنه استبعد مثل هذه الخطوة. وأوضح "سيتجنّب الحزب عودة جونسون، يريدون وجهاً جديداً".

وعن المأزق الذي تعيشه تراس في منصبها، رأى المتحدث أنها لن تصمد طويلاً، مرجحاً أن تستمر "أياماً أو أسابيع ليس أكثر".

وأشار إلى احتمال أن "يخيرها رئيس لجنة 1922 غراهام برادي في وقت قريب على الأرجح، بين التنحّي وبين تعديل قواعد الحزب وإجراء تصويت على الثقة". 

كما علم "العربي الجديد" من مصادر مقرية من حزب المحافظين، أن المباحثات تدور حول كيفية تجنّب سباق طويل كالذي خاضته تراس إلى جانب منافسها سوناك، فمن شأن سباق كهذا أن يعزّز الشعبية المتدنية للحزب الحاكم وأن يفقده القليل المتبقي من الثقة حتى الانتخابات المقبلة. ما يعني أنّ الأعضاء يتباحثون سرّاً بطرح اسم واحد فقط يحظى بالإجماع وتجنّب خوض سباق علني "يفضح" المزيد من الانقسامات.  

ونقلت "سكاي نيوز" البريطانية عن وزير المالية الجديد جيرمي هانت الذي "مزق" الميزانية المصغرة وألغى 32 مليار جنيه إسترليني (1 جنيه إسترليني يساوي 1.13 دولار أميركي)، من التخفيضات الضريبية قوله إنّ "الحكومة في طريقها اليوم إلى قرارات صعبة للغاية بشأن الإنفاق ورفع الضرائب أكثر".

كما أفادت "سكاي نيوز"، بأنّ "التخفيضات التي يتطلع إليها هانت ستكون أكبر بكثير من تلك التي تعامل معها المستشار السابق جورج أوزبورن"، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنّ "حجم تخفيضات يفوق بأضعاف مضاعفة سنوات التقشف".

وكان هانت قد رفض الالتزام بزيادة المعاشات التقاعدية وأيضاً برفع الإنفاق الدفاعي إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العقد، وهو الأمر الذي وعدت به تراس بصوت عال وواثق خلال حملتها الانتخابية، ما أثار غضب العديد من النواب والوزراء بينهم وزير الدفاع بن والاس ونائبه جيمس هيبي اللذان هدّدا بالاستقالة إن لم تلتزم الحكومة بوعدها حول زيادة الإنفاق الدفاعي.