تداعيات قصف دهوك: استهداف قاعدتين تركيتين وحلفاء إيران يصعّدون

23 يوليو 2022
احتجاجات قرب السفارة التركية في بغداد، مساء الخميس (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

تشي التطورات والمواقف في العراق باتجاه للتصعيد مع الجانب التركي، على خلفية القصف الذي استهدف الأربعاء الماضي، منتجع "برخ" الواقع في ضواحي مدينة زاخو الحدودية مع تركيا، شمالي محافظة دهوك، وخلّف 40 قتيلاً وجريحاً من المدنيين جميعهم من محافظات جنوب ووسط العراق.

تصعيد حلفاء إيران

وفي موازاة رفض الحكومة العراقية نفي أنقرة وقوفها خلف القصف، وإغلاق الباب أمام احتمالية أن يكون القصف ناجماً عن طرف ثانٍ وهو حزب "العمال الكردستاني" الموجود بكثافة في المنطقة المحيطة بالمصيف، كانت الأحزاب والفصائل المسلحة الحليفة لإيران تحديداً، تصعّد من نبرة عدائها لأنقرة، وتضغط على حكومة مصطفى الكاظمي لاتخاذ مزيد من الإجراءات. كما كانت تطالب بدخول القوات العراقية إلى إقليم كردستان، باعتبارها القوات الاتحادية التي خوّلها الدستور النافذ في البلاد السيطرة على الحدود الدولية مع دول الجوار.

لكن التطور الأبرز أمس الجمعة، جاء باستهداف معسكر للقوات التركية بمحافظة دهوك بطائرتين مسيّرتين. ونقلت وكالات أنباء عراقية محلية ومواقع إخبارية أن طائرتين مسيّرتين هاجمتا، صباح أمس، قاعدة عسكرية تابعة للجيش التركي، في بلدة بامرني التابعة لقضاء العمادية بمحافظة دهوك، مبينة أن "الدفاعات التركية تصدت للطائرتين، وتمكنت من إسقاطهما قبل وصولهما إلى الهدف المخطط له".

هوشيار زيباري: ربما حصل القصف من داخل الأراضي التركية

من جهتها، أكدت منصات إخبارية مرتبطة بفصائل مسلحة عراقية، على تطبيق "تيليغرام"، أن "القوة الجوية للمقاومة العراقية، هاجمت بطائرات من طراز مراد 5 ثابتة الجناح، مرابض المدفعية التركية في قاعدة بامرني، في دهوك".

وفي وقت لاحق مساء أمس، استهدف هجوم بالصواريخ قاعدة زليكان العسكرية التركية في بلدة بعشيقة في محافظة نينوى. وتبنّى فصيل مسلح أطلق على نفسه اسم "المقاومة الإسلامية - لواء أحرار العراق" هذه العملية، قائلاً في بيان إنها تأتي "ثأراً لشهدائنا الذين مسّتهم صواريخ غدر الاحتلال التركي في دهوك".

وانتهت حصيلة الهجوم على منتجع "برخ" عند 9 قتلى بينهم طفلة إضافة إلى 31 جريحاً، وفقا لوزارة الصحة في أربيل، التي أكدت أيضاً أن الحصيلة قد ترتفع لوجود حالات خطرة بين المصابين.

وبعد ساعات من استدعاء بغداد القائم بالأعمال العراقي في أنقرة، سلّمت أول من أمس الخميس، السفير التركي لديها علي رضا كوناي، مذكرة احتجاج وصفها بيان للخارجية العراقية بـ"شديدة اللهجة".

كما طالبت في المذكرة بسحب القوات التركية من الأراضي العراقية الحدودية بشكل فوري وتعويض الضحايا، معلنة البدء بالتحرك لتدويل الهجوم بطلب جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي.

ووصفت الخارجية العراقية النفي التركي لوقوف قواتها وراء الهجوم بأنها "مزحة سوداء لا نقبلها". وتجاهلت بغداد دعوة أنقرة لإجراء تحقيق مشترك وإعلانها الاستعداد للمساعدة في الكشف عن الجهة التي تقف خلفه، معلنة البدء بتحقيق أحادي الجانب من قبلها عبر قيادات في الجيش والبشمركة من دون الكشف عن تفاصيل أخرى.

وقال مسؤول عراقي بارز في وزارة الخارجية ببغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "الخارجية كلّفت فريقاً دبلوماسياً للبدء بالتحرك لطلب جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي بشأن الهجوم".

وكشف أن "يوم الاثنين المقبل سيكون هناك تحرك من البعثة العراقية في الأمم المتحدة أيضاً". وأعلن أن العراق سيطرح "ملف الصراع بين حزب العمال الكردستاني والقوات التركية المتواصل منذ سنوات داخل العراق".

ووفقاً للمسؤول، فإن تشكيل لجنة تحقيق دولية حول الحادث مطروح ضمن الخيارات العراقية بحال استمر نفي تركيا لوقوفها خلف الهجوم، متحدثاً عن "ضغوط كبيرة"، تواجهها حكومة الكاظمي من قبل القوى السياسية ضمن "الإطار التنسيقي"، لتصعيد الموقف مع أنقرة.

ومن المقرر أن يعقد البرلمان العراقي، اليوم السبت، جلسة لبحث هجوم دهوك الدامي بطلب وقّعه أكثر من 100 نائب في البرلمان، غالبيتهم من قوى "الإطار التنسيقي"، المدعوم من إيران.

وسيحضر الجلسة، وزيرا الدفاع جمعة عناد والخارجية فؤاد حسين، إلى جانب رئيس أركان الجيش الفريق الركن عبد الأمير يار الله، الذي زار مكان الهجوم الأربعاء الماضي.

وقال النائب عن تحالف "الإطار التنسيقي"، عقيل الفتلاوي، في تصريحات صحافية، إن جلسة البرلمان اليوم السبت، ستركز على "الاعتداء التركي"، مضيفاً أن "جلسة البرلمان الطارئة ستشهد استضافة وزيري الخارجية والدفاع لبحث اتخاذ خيارات عديدة للرد على تركيا ومنها الخيار العسكري".

في المقابل، وصف القيادي في تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، علي الفتلاوي، إجراءات حكومة الكاظمي بأنها "ضعيفة". وقال في حديثٍ مقتضب مع "العربي الجديد"، أن "المطلوب الآن هو طرد السفير التركي وقطع العلاقات التجارية والاقتصادية فوراً".

ومع فورة التصعيد السياسي وتحشيد الشارع، تتجاهل بغداد وأربيل الإجابة عن عدة أسئلة، من بينها مسؤولية السماح للسياح بدخول منطقة قتال عالية الخطورة شهدت في فبراير/شباط الماضي مقتل ضابط من قوات البشمركة واثنين من مرافقيه، بلغم أرضي لمسلحي "الكردستاني"، بعد نحو شهر من اشتباك بين البشمركة ومسلحي الحزب التركي المعارض بعد محاولة دورية للبشمركة دخول المنطقة الخاضعة لنفوذ مسلحي "الكردستاني".


علي الفتلاوي: المطلوب هو طرد السفير التركي وقطع العلاقات

كما لم تعرض بغداد كما وعدت شظايا القذائف المستخدمة بالهجوم، وهي أربع أُطلقت من مكان لا يبدو أنه يبعد كثيراً عن المصيف. لكن وزير الخارجية الأسبق القيادي في الحزب الديمقراطي الحاكم في أربيل، هوشيار زيباري قال إن "القصف تم بقذائف مدفعية عيار 155 ميليمتراً وربما يكون القصف من داخل الأراضي التركية"، داعياً إلى القبول بلجنة تحقيق مشتركة ثلاثية بين بغداد وأربيل وأنقرة بالهجوم.

وأمس الجمعة، طلب مدير بلدة زاخو شمالي دهوك، كوهدار شيخو، إخلاء 28 قرية من بينها 7 قرى مسيحية بمحيط المنتج السياحي المستهدف، بسبب المواجهات بين مسلحي "الكردستاني" وتركيا.

واعتبر أن "وجود مسلحي حزب العمال في مناطقنا يزعزع أمننا كما أنهم يتسللون بين مواطنينا"، داعياً في تصريحات صحافية "الحكومة الاتحادية إلى وضع حد للقتال الدائر بين تركيا وحزب العمال لتجنب سقوط المزيد من الضحايا لهذا الصراع".

أسباب تصعيد بغداد

من جهته، اعتبر الخبير أحمد النعيمي، أن "التصعيد من قبل بغداد، له جوانب سياسية واضحة"، مضيفاً أن الحكومة سارعت إلى اتهام تركيا قبل إعلان نتائج التحقيق الذي بدأت به فعلياً أول من أمس الخميس، كما تجاهلت وجود أكثر من طرف مسلح بالمنطقة ذاتها، عدا عن عدم تجاوبها مع المبادرة التركية بفتح تحقيق مشترك".

وأضاف النعيمي لـ"العربي الجديد"، أن الأزمة السياسية الخانقة وتعثّر الوصول إلى حل، عدا عن فضيحة التسريبات كلها، أسباب كافية تجعل من الهجوم فرصة مناسبة للاستثمار من قبل القوى السياسية في العراق.

واعتبر أن "التصعيد وارد، لكن هذه المرة سيكون من المليشيات العراقية، التي بدأت فعلياً باستخدام الطائرات المسيّرة في استهداف معسكرات تركية تقع داخل أراض حدودية عراقية، في شمال دهوك".

وينشط الآلاف من مسلحي حزب "العمال الكردستاني" في مناطق مختلفة من شمالي العراق، تقع أغلبها بمحاذاة الحدود مع تركيا، مستفيدة من المناطق الجبلية الوعرة التي وفرت لها ملاذاً مناسباً طيلة السنوات الماضية.

وتنفذ عناصر الحزب بشكل متكرر هجمات داخل الأراضي التركية انطلاقاً من مواقعها في العراق. وتعتبر أنقرة عملياتها العسكرية دفاعية ضد مسلحي الحزب.

وعرضت على بغداد في عام 2020 التصرف ومنع استخدام أراضيها لتهديد دول الجوار، لكن ملف طرد مسلحي الحزب لم يكن ضمن أولوية بغداد، في وقت ترفض فيه حكومة إقليم كردستان الدخول في ما تسميه بحرب كردية ـ كردية، وتفرض أطواقا أمنية في مناطق عديدة لمنع تمدد نفوذ الحزب إلى بلدات جديدة في الإقليم.