تداعيات التصعيد الأميركي في العراق.. توتر أمني وتعقيد سياسي

05 يناير 2024
هذه الضربة هي الأولى للقوات الأميركية وسط بغداد منذ تصعيد الفصائل العراقية ضدها (الأناضول)
+ الخط -

لم يمنع القصف الأميركي الأخير في بغداد، الذي أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص، بينهم المسؤول العسكري لـ"حركة النجباء"، مشتاق طالب السعيدي، المكنّى بـ"أبو تقوى"، وإصابة آخرين من الحركة، من استمرار الهجمات ضد القواعد العراقية التي تستضيف الأميركيين، فبعد ساعات على الضربة الصاروخية ضد مقر "الحشد الشعبي"، في شارع فلسطين وسط بغداد، وجهت "المقاومة العراقية" صاروخاً استهدف قاعدة "عين الأسد" في محافظة الأنبار، غربي العراق، منتصف ظهر أمس الخميس.

كما استهدفت طائرات مسيرة أطلقتها فصائل عراقية، حقل العمر النفطي الذي تتمركز ضمنه قوات أميركية، وهي القاعدة الكبرى للتحالف في سورية، واستهدفت أيضاً القاعدة الأميركية بمخيم الركبان، قرب قاعدة التنف التي تتمركز ضمنها قوات التحالف الدولي قرب مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، وبالرغم من عدم وقوع أية خسائر بشرية بين صفوف الأميركيين، إلا أنها تشير إلى استمرار النشاط المسلح ضد الوجود الأجنبي، بحسب مراقبين.

فيما أكد مسؤول أميركي في وزارة الدفاع أن "الضربة أدت إلى مقتل "أبو تقوى" الذي "تورّط في هجمات على الجنود الأميركيين"، مضيفاً في بيان: "نُفّذت هذه الضربة دفاعاً عن النفس، لم يتعرّض أي مدنيين للأذى، لم تُضرَب أي بنى تحتية أو منشآت"، وتعد هذه الضربة هي الأولى للقوات الأميركية وسط العاصمة بغداد، منذ تصعيد الفصائل العراقية الحليفة لإيران ضدها، في ردٍ اعتبرته مواجهة لإخراج الاحتلال الأميركي من العراق، ومساندة لأهل غزة الذين يتعرضون إلى هجمات وحشية من قبل الاحتلال الإسرائيلي عقب عملية "طوفان الأقصى".

وتفرّدت حركة "النجباء"، بتصعيد هجماتها ضد مواقع وقواعد أميركية في بغداد وأربيل والأنبار بطائرات مسيرة وصواريخ، بالإضافة إلى هجمات مماثلة في سورية.

وأفادت مصادر قريبة من مكتب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بأن الأخير عقد أربعة اجتماعات مع قادة الأحزاب في تحالف "الإطار التنسيقي" (الممثل السياسي لفصائل الحشد الشعبي)، وشملت الاجتماعات البحث في جملة من الملفات، من بينها مستقبل الوضع الأمني في العراق بعد القصف الأميركي الأخير، وعزم بعض الفصائل من بينها النجباء وكتائب حزب الله وسيد الشهداء على التصعيد في مواجهة الأميركيين، بالإضافة إلى آليات التوصل إلى انسحاب تدريجي لقوات التحالف الدولي، من بغداد والأنبار تحديداً.

وأضافت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "الاجتماعات لم تفض إلى اتفاق بشأن وقف الهجمات ضد القواعد المستضيفة للأميركيين، لكن جرى الاتفاق مبدئياً على إيجاد الآليات لإنهاء وجود القوات الأميركية وبقية أطراف التحالف الدولي"، مبينة أن "أطراف من الإطار التنسيقي دعت إلى التهدئة إلى حين تحقيق هدف إخراج الأميركيين، لكن أطراف أخرى اختارت استمرار الضغط عليهم، ودفعهم تدريجياً إلى الانسحاب حتى وإن كان إلى أربيل".

من جهته، أكد رئيس حركة "حقوق" الممثل السياسي لكتائب حزب الله في البرلمان، حسين مؤنس، في كلمة نشرتها وسائل إعلام عراقية ليلة الخميس، أن على الحكومة "البدء منذ اليوم بإجلاء قوات التحالف الدولي من الأراضي العراقية، وأن ‏قوات التحالف الدولي باتت قوات عدوة"، مطالباً بـ"إلغاء جميع الاتفاقيات التي أبرمتها بغداد مع واشنطن، وإنهاء أعمال التحالف الدولي ضد داعش، مع حظر فوري للطائرات الأميركية بأنواعها كافة من الأجواء العراقية".

وأضاف مؤنس ضمن مجموعة مطالباته: "يجب إنهاء وجود المستشارين الدوليين، إضافة إلى سحب البعثة الدبلوماسية العراقية من واشنطن وإخراج البعثة الأميركية من بغداد وغلق السفارة الأميركية، وحل قيادة العمليات المشتركة وإنهاء أعمالها، والمباشرة بشكل فوري بتشكيل القيادة العامة للقوات المسلحة".

لكن هيئة "الحشد الشعبي"، فضلت الاحتماء تحت عباءة الحكومة العراقية وقراراتها الرسمية، وأكدت في بيان "جهوزيتها لتنفيذ أي أمر من القائد العام للقوات المسلحة يحفظ سيادة العراق ووحدة أراضيه وسلامة أبنائه"، ما يؤكد انقسام الموقف في التعامل مع الأميركيين، وأن الحشد لا يريد التورط في معركة مع التحالف الدولي قد تكون نتائجها وخيمة، وفقاً لمراقبين.

ويظهر من مواقف الأحزاب العراقية، وتحديداً القوى العربية الشيعية، أن "تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، و"حزب الدعوة" برئاسة نوري المالكي، وائتلاف "النصر" بزعامة حيدر العبادي، بالإضافة إلى حركة "عصائب أهل الحق"، يقفون إلى جانب خيارات دبلوماسية تتخذها حكومة السوداني لحلحلة الأزمة، في حين تعول معظم أطراف ما يُعرف بفصائل المقاومة وأبرزها "النجباء وكتائب سيد الشهداء وكتائب حزب الله"، على خيار استمرار الضغط على الأميركيين عبر الهجمات والمواجهة العسكرية.

من جانبه، أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أن حكومته بصدد تحديد موعد بدء عمل اللجنة الثنائية لوضع ترتيبات إنهاء وجود قوات التحالف الدولي في العراق بصورة نهائية، مبينا في كلمة له خلال حفل تأبيني في ذكرى حادثة المطار التي قتل فيها قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في يناير 2020، أن "التحالف الدولي انتهت مبررات وجوده في العراق".

في غضون ذلك، قال عضو مجلس النواب والقيادي في حركة "عصائب أهل الحق"، علي تركي، إن "الحكومة العراقية وكل الفواعل السياسية والاجتماعية مطالبة حالياً باتخاذ الإجراءات اللازمة لإخراج القوات الأميركية والتحالف الدولي من البلاد، لدورهم السلبي في إرهاب العراقيين"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "التجاوز على السيادة العراقية تمارسه قوات الاحتلال الأميركي دون أي مخاوف، ما يعني أنها لا تخشى أي رد سياسي أو حكومي".

ولفت تركي إلى أن "الخيارات العراقية تقتصر على الآليات الدبلوماسية في إخراج التحالف الدولي، لكن في حال أنكرت الولايات المتحدة هذه المطالب والجهود، فإن خيار المقاومة لا بد منه"، معتبراً أن "العراق جزء من محور المقاومة، وهو طرف من مناهضة كل أشكال الاحتلال، وأنه سيبقى نصيراً للمقاومة في غزة، وأن الأميركيين هم هدف دائم بالنسبة للمقاومة العراقية".

بدوره، أشار المحلل السياسي والباحث إحسان الشمري، إلى أن "هناك أزمة مرتقبة في ظل استمرار تداعيات كبيرة نتيجة التصعيد المتبادل ما بين واشنطن والفصائل العراقية المسلحة، والتي لا تنحصر على المستوى الأمني فقط، بل تتعدى الجوانب السياسية والاقتصادية"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "الفصائل العراقية يمكن أن تمضي باتجاه تصعيد أكثر، ويبدو أنها ستفرض إرادتها على حكومة السوداني، وقد تعمل على تغيير استراتيجية التعامل مع الأهداف، وربما لا تكتفي باستهداف الأميركيين في قواعد سورية والعراق، بل قد تتجاوز ذلك وتقصف البعثات والسفارة الأميركية والقنصلية في أربيل".

وبالنسبة للجهود العراقية لطرد الوجود الأجنبي وإخراج قوات التحالف الدولي، بيَّن الشمري، أن "واشنطن كانت قد تحدثت عن بقاء طويل الأمد في العراق، والهدف ليس العراق فحسب، بل أهداف دولية وإقليمية، من بينها حماية حلفائها وردع إيران"، مشيراً إلى أن "واشنطن غيرت استراتيجيتها في التعامل مع الفصائل العراقية، من استهداف المقرات خارج المدن إلى قتل القادة داخل المدن، وهي نقطة تعيد العراق إلى جغرافية الاشتباك".

المساهمون