تداخل اجتياح رفح بصفقة وقف النار ولعبة الإطاحة بين بايدن ونتنياهو

تداخل اجتياح رفح بصفقة وقف النار ولعبة الإطاحة بين بايدن ونتنياهو

09 مايو 2024
فلسطينيون في رفح يستعدون للنزوح بحثاً عن مناطق آمنة في غزة 8 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- حركة حماس أعلنت قبولها لصفقة وقف إطلاق النار في غزة، مما وضع الإدارة الأميركية بقيادة جو بايدن في موقف محرج، خاصة مع تأخر الرد الأميركي وانتظار رد إسرائيل.
- الإدارة الأميركية حاولت التوفيق بين الرفض الإسرائيلي وضغوطات البيت الأبيض لإنقاذ الصفقة، معتبرة ما صدر عن حماس "رداً" مع "تعديل" يخص وقف النار، مما يعكس التعقيدات الدبلوماسية.
- الوضع السياسي الداخلي للولايات المتحدة واقتراب الانتخابات يؤثر بشكل كبير على مواقف الإدارة الأميركية، مع محاولة بايدن تجنب تداعيات سلبية قد تؤثر على حملته الانتخابية.

منذ لحظة إعلان حركة حماس عن قبولها صفقة وقف إطلاق النار في غزة، تزامناً مع تمهيد الاحتلال الإسرائيلي لمحاولة اجتياح رفح، وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تتعاطى مع الموضوع بمزيج من الغموض والإحراج والارتباك. في البداية بدت وربما تعمّدت أن تبدو وكأنها تفاجأت. مضت ساعات قبل أن يصدر عنها أي رد، لا ترحيب ولا رفض. أول إشارة عن هذه الأجواء كانت تأجيل الإحاطة الصحافية في البيت الأبيض والخارجية حوالي ساعة. بعدها اكتفوا بالقول إن الإدارة عاكفة على "مراجعة" بيان حركة حماس قبل أن تعلن موقفها بخصوصه.

كان من المتوقع أن ترحب الإدارة بخطوة من هذا النوع، بعد أن كان وزير الخارجية أنتوني بلينكن قد دعا "حماس" إلى الموافقة على هذه الصفقة "السخيّة". لكنها انتظرت رد إسرائيل لتسارع بعده إلى تدوير زوايا موقفها وبما لا يتعارض مع الرفض الإسرائيلي، مع إصرارها على ضرورة إنقاذ الصفقة وإن بصيغة معدّلة، من خلال مفاوضات القاهرة، التي استأنفت أعمالها بناء على إلحاح البيت الأبيض.

في تسويغها لهذا الموقف الملتوي تقول الإدارة الأميركية إن ما صدر عن "حماس" كان بمثابة "رد" على "مشروع الصفقة وليس إعلاناً لقبولها به"، بتعبير المتحدث في وزارة الخارجية ماثيو ميلر. وأضاف أن هذا الرد جاء مرفقاً "بتعديل" يتعلق بإدامة وقف النار بدلاً من ربطه بمدة محددة. وبذلك فهي أي "حماس" لم توافق على النص الأصلي، بل على صيغة بديلة، وبما اقتضى عدم الأخذ بموافقتها. ولترويج هذا الزعم، جرى تداول معلومات تفيد بأن هذه الصيغة جرى تسليمها إلى "حماس" بمعرفة الجانب الأميركي "لكن من دون إطلاع إسرائيل عليها". كلام يبدو أن مصادره إسرائيلية، غرضه تبرير رفض رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مشروع وقف النار، وكذلك تبرير تحدّيه الرئيس بايدن بخصوص رفح، من خلال بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية ولو المحدودة في أطرافها، مع التلويح بعملية اجتياح رفح. وهي خطوة يعترض عليها الرئيس بايدن بقوة لحساباته، وليس لمجرد الحرص على المدنيين.

الانتخابات صارت على مسافة أقل من 6 أشهر، ووقوع مجزرة في رفح يهدد بعودة الاحتجاجات الطلابية، بعد أن جرى فضّ اعتصامات الطلاب في الأيام الأخيرة، وكان آخرها أمس في جامعة جورج واشنطن في العاصمة. كذلك يهدد وقوع مجزرة بايدن بتوسيع دائرة الخلاف لدى شريحة واسعة من قاعدة حزبه الانتخابية، ابتعدت عنه بسبب حرب غزة. وهو لا يتحمل مثل هذه العواقب في هذه اللحظة الدقيقة من معركته الانتخابية. لذلك ذهب إلى أبعد مما كان متوقعاً منه، حيث أوقف شحنة ذخائر إلى إسرائيل. كما حذر الليلة بوقف إمدادات السلاح إلى إسرائيل لو دخلت قوات هذه الأخيرة إلى غزة. لكنه لم يحدد أي سلاح، وإدارته ما فتئت تشدد وتذكِّر في كل مناسبة وتصريح، بفولاذية التزام واشنطن بأمن وسلامة إسرائيل. والرسالة من هذا التشديد، أن الخلاف هو مع نتنياهو وليس مع الدولة العبرية. وكذلك هو الأمر بالنسبة لنتنياهو الذي يخوض مواجهة مع بايدن وليس مع أميركا. وليس سراً في واشنطن أن لكليهما اعتبارات وحسابات أبعد من خلافات اللحظة الراهنة.

نتنياهو بمعانداته مع بايدن يعطي ورقة للجمهوريين يجري توظيفها ضد بايدن في الانتخابات. ففي الوقت الحاضر هناك حملة كاسحة يقودها هؤلاء ضد الرئيس بسبب وقف شحنة الذخائر لإسرائيل. بالرغم من تواضع هذا الإجراء، يجري تقديمه على أنه "تقييد لحليفتنا إسرائيل في دفاعها عن نفسها ضد من يريد إبادة اليهود"! نتنياهو يلعب بهذه الورقة للمساهمة في الإطاحة ببايدن في الانتخابات. والبيت الأبيض الذي يدرك مقاصد رئيس الحكومة الإسرائيلية يوظف رصيده لدى الرأي العام الإسرائيلي، بالإضافة إلى ورقة الأسرى ومشروع وقف النار، لتأليب الوضع الإسرائيلي ضد رئيس الحكومة على طريق الإطاحة به.

هناك حملة كاسحة يقودها الجمهوريون ضد بايدن بسبب وقف شحنة الذخائر لإسرائيل

وكان قد تردد أثناء زيارات بعض الوزراء الإسرائيليين لواشنطن في الأشهر القليلة الماضية، أن الإدارة ربما تكون فاتحت زوارها بهذه الرغبة. فالرئيس بايدن مستعجل على تحقيق "إنجاز" التطبيع المعروف وربطه بورثته. أو على الأقل شق طريق هذا التحول قبل الانتخابات لو تيسر ذلك، لتعزيز حملته الانتخابية. ومثل هذا التطور لن يتحقق بوجود نتنياهو في الحكم. وضمن هذه الدائرة تدور المناكفات بين الاثنين اللذين لكل منهما أجندته السياسية ضمن إطار العلاقة الاستراتيجية بين بلديهما. وكلاهما لا يقوى على أقل من كسب الجولة. بايدن وضعه ضعيف ولا يقوى على الخسارة.

 

         

المساهمون