تحفظ مجلس النواب الليبي حيال مبادرة وليامز يزيد من غموض المشهد السياسي

19 مارس 2022
الخلافات الليبية تهدد مساعي ستيفاني وليامز (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

يستمر تحفّظ مجلس النواب على المبادرة التي تقدمت بها المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة للشأن الليبي، ستيفاني وليامز، للخروج من المختنق السياسي الحالي في زيادة الغموض بشأن مصير المبادرة التي تقضي بتشكيل لجنة مشتركة، بالمناصفة بين مجلسي النواب والدولة، تتولى إعداد قاعدة دستورية للانتخابات الليبية.

ولم يصدر عن مجلس النواب أي رد رسمي حتى صباح اليوم السبت بخصوص المبادرة، كما لم يعقد أي جلسة لمناقشة المبادرة. وأكد عضو مجلس النواب، خيرالله التركاوي، عدم تلقي النواب أي دعوة حول عقد جلسة بهذا الخصوص.

كما لم يصدر بعد اللقاء الوحيد الذي أجرته وليامز مع رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، في السابع من مارس/آذار الجاري، أي تصريح يفيد بقبول أو رفض المبادرة. واكتفى الطرفان بمناقشتها، دون أن تتوصل وليامز إلى أي رد حاسم، باستثناء الاتفاق العام على أن "إجراء الانتخابات في الوقت المناسب وفق قاعدة دستورية سليمة هو السبيل الأمثل للخروج من الأزمة"، بالإضافة لتجديد الدعوات للحفاظ على الهدوء، والتعاون بين المجلسين.

وكررت وليامز دعوتها لمجلس النواب بـ"رد سريع وإيجابي" على مبادرتها، الأربعاء الماضي، بعد أن قام المجلس الأعلى للدولة، الأسبوع الماضي باختيار ممثليه في اللجنة المشتركة.

ويرى التركاوي، في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الرؤيا الخاصة بالمسار الدستوري للانتخابات مازالت ضبابية بسبب تضارب خريطة الطريق مع مبادرة وليامز"، معرباً عن أمله في أن يخرج مجلس النواب بقرار موحد حول المستقبل السياسي للبلاد، وأن يتسّم الوضع بوضوح أكثر من قِبل المستشارة الأممية ورئيس مجلس النواب.

وتابع: "الأمر ليس حكراً على شخصيات معينة في مجلس النواب، بل يعود لرأي الأغلبية الذي سيظهر في حال عقد جلسة، وقد ينحاز مجلس النواب أخيراً لمبادرة وليامز، بحكم أنها تلقى دعماً دولياً".

عدم وضوح الرأي الغالب

في المقابل، أعلن عضو مجلس النواب، جلال الشويهدي، عن رفضه لمبادرة وليامز، متوقعاً رفض أغلب النواب لها. وقال، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا بد بالطبع من عقد جلسة حتى يتّضح الرأي الغالب في المجلس"، مبررا رأيه بأن "مجلس النواب قد سبق مبادرة وليامز بخطوات عند إقرار خريطة الطريق وتعديل الإعلان الدستوري".

موقف
التحديثات الحية

وكان مجلس النواب قد صوت في فبراير/ شباط الماضي على خريطة طريق تقضي بتكوين لجنة بالمناصفة مع مجلس الدولة، تقوم بإعادة صياغة المواد الخلافية في مشروع الدستور، وطرحه للاستفتاء، تمهيداً لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على أساس دستور دائم، في موعد أقصاه 14 شهراً.

وكان لافتاً التسريبات التي نقلتها وسائل إعلام ليبية، الأسبوع الماضي، عن عزم رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، اعتماد قاعدة دستورية بمرسوم رئاسي "إذا لم تتوافق اللجنة المشتركة بين مجلسي النواب والدولة على مبادرة وليامز"، خصوصا أن المجلس الرئاسي لم ينف هذه التسريبات التي جاءت أثناء تواصل المنفي مع عدة جهات محلية ودولية حول مسألة الدفع بالعملية الانتخابية.

تدخل للضرورة القصوى

لكن الشويهدي نفى وجود أي أسس دستورية تمنح المجلس الرئاسي سلطة إصدار المراسيم الرئاسية، مستشهداً بعدم تضمين مجلس النواب اتفاق جنيف، الذي جاء بالرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، في الإعلان الدستوري.

ويرى المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، أن "تدخل المجلس الرئاسي لن يكون إلا للضرورة القصوى، وكحلٍ أخير، ولكنه يحتاج إلى توافق وضغط إقليمي ودولي هائل، وربما بالتعاون مع المحكمة العليا، مع دعم شعبي داخلي، ومن الأطراف العسكرية الفاعلة على الأرض".

وأضاف فركاش لـ"العربي الجديد": "المادة 31 من باب السلطة التشريعية في التعديل 17 للإعلان الدستوري تخوّل رئيس الدولة إجراء استفتاء شعبي على حل مجلسي النواب والدولة، والمجلس الرئاسي يحل محل الرئيس، وهذا ربما يكون أحد الحلول المتاحة".

ولا يستبعد مراقبون تعاون وليامز والرئاسي على اختيار لجنة خبراء تقوم بإعداد قاعدة دستورية انتخابية، خاصة مع عدم ظهور ملامح اتفاق قريب بين مجلس النواب والحكومة التي كلفها برئاسة فتحي باشاغا من جهة، والمجلس الأعلى للدولة الذي مازال يصر على البت في أمر تغيير الحكومة بعد الاتفاق على الإطار الدستوري للانتخابات، ويفضل استمرار حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

وكان المجلسان قد اختلفا على إثر تصويت مجلس الدولة برفض التعديل الدستوري، وخريطة الطريق، وحكومة باشاغا الجديدة الناتجة عنهما، لكن النواب الداعمين لقرارات مجلس النواب لا يعتدّون بموقف مجلس الدولة، بحسب الشويهدي، ويرون "عدم أحقية مجلس الدولة بالتصويت على التعديل".

واستدرك الشويهدي بالقول: "مع هذا، فلا خلاف بين المجلسين، ونحن نعلم أن هناك أعضاء كثيرين بمجلس الدولة يدعمون الخريطة".

ويضيف الشويهدي مستغرباً: "المشكلة في انتقائية المجتمع الدولي والأمم المتحدة وكيلهما بمكيالين، ففي العام الماضي عندما صوّت مجلس النواب بشكل غير قانوني وكارثي على قوانين الانتخابات؛ صمتوا، واعتُبِر صمتهم قبولاً بالأمر. والآن عندما تم التصويت على التعديل الدستوري ومنح الثقة للحكومة بشكل صحيح؛ نسمع الاعتراضات".

ونتج عن اختلاف المجلسين صراع بين حكومتين تتنازعان السلطة، حيث تصر حكومة الوحدة الوطنية على عدم تسليم مهامها إلا لسلطة منتخبة، وفي الجهة الأخرى تطالب حكومة باشاغا المكلفة من مجلس النواب بدخول العاصمة واستلام السلطة، ما دفع الأمم المتحدة للتدخل عبر وليامز.

ويعتقد الشويهدي أن "مشكلة المستشارة الأممية تكمن في أنها تريد السيطرة على الملف الليبي بأي طريقة، حتى يسجّل ذلك في تاريخها السياسي"، متهما إياها بإدخال البلاد في دوامة عبر تاريخ غير واقعي لانتخابات فشلت آخر المطاف. وخلص إلى القول: "القرار الأفضل أن تترك وليامز الليبيين، فَهُم يستطيعون بدونها إنهاء المرحلة الانتقالية؛ عبر الاستفتاء على الدستور ثم الذهاب لانتخابات عامة".

ويستغرب النائب مما يُشاع عن احتمال اختيار لجنة خبراء من خارج المجلسين لصياغة القاعدة الدستورية، ويكمن وجه استغرابه على حد رأيه في كون "لجنة الـ24 التي كان سيختارها المجلسان مناصفة وفق خريطة الطريق، تُلزِم كلاً منهما باختيار 6 أعضاء من المجلس والـ 6 الآخرين من خبراء خارجه".

مصير مساعي وليامز

وتحظى مساعي وليامز بدعم أميركي وأوروبي، إلا أن هذا لا يكفي، وفق فركاش، الذي يرى أن "نجاح المساعي سيعتمد على مدى تجاوب الأطراف الداخلية ودعمها، خاصة مجلس النواب المتمثل في عقيلة صالح ومن يتبعه من النواب".

ويتوقع فركاش محاولة "أطراف صفقة التمديد وتقاسم السلطة" إفشال مساعي وليامز، مضيفا أنهم "يصفون خطوة وليامز بالموازية"، محذراً من أن هذه الأطراف "ستلجأ بعد فشلها في دخول طرابلس للمماطلة ووضع العراقيل إلى حلول يونيو/ حزيران القادم، وهو موعد نهاية الفترة التمهيدية" بحسب خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي.

ويطرح هذا التاريخ مشكلة أخرى، ففي حين يرى فيه مجلس النواب وحكومته الجديدة تاريخ انتهاء صلاحية السلطة التنفيذية متمثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية بقرار حجب الثقة عنها الصادر عن مجلس النواب، في سبتمبر/ أيلول الماضي، ترى حكومة الوحدة أن أجلها ينتهي مع إتمام الانتخابات لتسلم السلطة لجهة منتخبة.

ومع إصرار المجلسين والحكومتين على مواقفهم، وفي حال عرقلة مساعي عقد الانتخابات، يعتقد فركاش أن "الوضع قد يتّجه نحو الانفجار مجدداً، وفي أحسن الأحوال، ستنشأ مفاوضات سياسية جديدة لإحداث تغييرات جذرية في الحكومتين وإنتاج حكومة واحدة تلقى رضى معظم الأطراف خاصة بالغرب الليبي، في ظل استمرار أجواء انعدام الثقة".

المساهمون