- الفعالية تجذب اهتمام شخصيات بارزة وتواجه تحديات مثل تضييقات الحكومة الألمانية ومحاولات تقييد التضامن مع الفلسطينيين، بما في ذلك تجميد حسابات بنكية للمنظمين.
- المؤتمر يسلط الضوء على قضايا مثل الإبادة في غزة والدعم الألماني لإسرائيل، مطالباً بإنهاء الاستعمار والفصل العنصري في فلسطين ووقف تجريم التضامن مع الفلسطينيين في ألمانيا.
شنّت عدد من الصحف الألمانيّة وسياسيون هجومًا على "مؤتمر فلسطين" الذي سيُعقد في برلين الشهر القادم، معتبرين المؤتمر والمنظمين "معادين لإسرائيل وللسامية"، في ظل تضييقات مستمرة وغير مسبوقة في ألمانيا على أي نشاط سياسي وثقافي يدعو لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، وإنهاء ممارسات إسرائيل الاحتلاليّة، وانتهاكاتها القانون الدولي.
وتحت عنوان "مؤتمر فلسطين. سنحاكمكم"، أُطلق قبل أسابيع دعوة للمشاركة في هذا الحدث الذي يُنّظمه مجموعة من الناشطين السياسيين في ألمانيا من ضمنهم ألمان وفلسطينيون ويهود معادون للصهيونيّة.
وجاء في بيان الدعوة "إن الجرائم المنتهكة للقانون الدولي المتواصلة والمستمرة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق أهلنا في غزة تتطلب تضامننا ومشاركتنا الفعالة من أجل فلسطين".
ويتحدث في المؤتمر عدد من السياسيين والحقوقيين والناشطين منهم يانيس فاروفاكيس وزير المالية اليوناني السابق والمؤسس المشارك لحزب ديم 25، والنائب في البرلمان الأيرلندي ريتشارد بويد باريت عن حزب الشعب، ورئيس منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام العادل في الشرق الأوسط فيلاند هوبان، والمحامية الألمانية الفلسطينيّة نادية سمّور، والطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة، والمخرج اليهودي المعادي للصهيونية درور ديان، والمؤرخ الفلسطيني سلمان أبو ستة وغيرهم.
وأشار البيان المنشور في موقع المؤتمر، إلى أنه منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 "قتل القصف الإسرائيلي العشوائي أكثر من 26 ألف إنسان في غزة، وشرد أكثر من 1.9 مليون مدني، ودمر البنية التحتية الطبية بشكل كامل. لم يعد بإمكان الرأي العام الألماني أن يبقى صامتاً".
المنظمون: الإبادة في غزّة تجارة مربحة
وأضاف بيان المنظمين: "رغم كل هذا الوضوح ما زالت وسائل الإعلام الألمانيّة والسياسيون الألمان أصحاب القرار يستهينون بالفظائع التي ترتكبها دولة إسرائيل بل ويقللون من شأنها ويبررونها معتبرين إياها "دفاعاً عن النفس". والأنكى من ذلك ارتفاع كمية شحنات الأسلحة والذخيرة الألمانيّة لإسرائيل إلى عشرة أضعافها في عام 2023، حيث تعمل صناعة الأسلحة الألمانيّة على تعظيم أرباحها، وتصبح الإبادة الجماعيّة في غزة ليست فقط أكثر وضوحاً بل وتجارة مربحة كذلك. لا يمكننا أبداً أن نغض الطرف أو أن نغمض أعيننا تجاه هذا الظلم الصارخ".
كما تطرّق المنظمون لموقف الحكومة الألمانيّة من قضية دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، في محكمة العدل الدوليّة بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية يناير/ كانون الثاني الماضي، قائلين: "بينما كانت المحاكمة لا تزال جارية، أصدرت الحكومة الفيدرالية الألمانية حكمها دون أي دليل: فالاتهام بالإبادة الجماعية، وفقاً للحكومة الألمانية "ليس له أي أساس من الصحة على الإطلاق".
وأضاف البيان "في الوقت الذي يتزايد فيه القمع غير المبرر ضد التضامن مع القضيّة الفلسطينيّة في ألمانيا، وتجريم المتضامنين أمام القانون والرأي العام، أظهرت استطلاعات الرأي أن 61% من الألمان يعتقدون أن العمل العسكري الإسرائيلي في غزة غير مبرر"، معتبرين ذلك دعاية و"بروباغندا النظام الحاكم لم تعد قادرة على إقناع أو التأثير بشكل طاغٍ على الأغلبية العظمى، كما كان عليه الحال من قبل!".
وعلم "العربي الجديد" أن جميع تذاكر حضور المؤتمر نفدت مؤخراً، ويُتوقع أن تكون المشاركة كبيرة، كما علم "العربي الجديد" أن الحساب البنكي لمجموعة "الصوت اليهودي من أجل السلام" توقف عن العمل دون معرفة السبب، وهو الحساب البنكي الذي كان يُستخدم من قبل المنظمين لشراء التذاكر للمؤتمر، وما زال المنظمون يخفون مكان انعقاد المؤتمر كي لا تقوم السلطات ووسائل الإعلام بالضغط على مالكي المكان لإلغاء الاستضافة.
تحريض واتهامات بمعاداة السامية
وتناولت عدد من وسائل الإعلام الألمانيّة المؤتمر بلغة تحريضيّة، إذ وصف موقع "TAZ" منظمي المؤتمر بـ"الجماعات المناهضة لإسرائيل وممجدي الإرهاب"، مشيرين بذلك لمجموعات مثل "فلسطين تتكلم" و"الصوت اليهودي من أجل السلام في الشرق الأوسط" وحركة المقاطعة في برلين. واتّهم الموقع بعض المنظمين بصلات مع دوائر حماس والإخوان المسلمين. ونقل الموقع مطالبات أصوات شخصيات مؤيدة لإسرائيل بحظر المؤتمر.
أمّا موقع "Tagesspiegel"، فوصف الغالبية العظمى من المتحدثين في المؤتمر الذين جرى الإعلان عنهم عبر موقع المؤتمر، إضافة لمنظمي المؤتمر بمن "ينكرون حق الدولة اليهودية في الوجود، والعديد منهم يؤيدون علناً أعمال حماس الإرهابية". وذكر الموقع قيام الشرطة الألمانيّة بتفتيش منزلي ناشطين يخططان لتنظيم هذا المؤتمر. كما تطرّق الموقع لدعوة منظمة "النصب التذكاري للمحرقة في برلين إلى حظر المؤتمر جاعلاً من هذه الدعوة المادة الرئيسيّة للخبر.
وبحسب عدد من المواقع الألمانيّة، يدرس مجلس الشيوخ الألماني حظر أو تقييد المؤتمر، بحسب ما قاله وزير الداخلية كريستيان هوشغربي في لجنة الداخلية بمجلس النواب يوم الاثنين الماضي، إذ "لا يزال يجري جمع المعلومات وتقييمها. وأضاف أنه يجري أيضاً فحص الإشارات إلى المنظمات المحظورة مثل جماعة صامدون الفلسطينية".
وانتقد زعيم الكتلة البرلمانية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، ديرك ستيتنر، بشدة المؤتمر قائلاً: "مثل هذا المؤتمر سيكون عاراً على برلين. لا يهدف الحدث المخطط له بأي حال من الأحوال إلى معالجة مصير الأشخاص الذين يموتون في الحرب في قطاع غزة. الهدف بالأحرى هو إعلان العنصريّة وكراهية اليهود وكراهية إسرائيل"، داعياً لإيجاد طريقة لمنع تنظيمه، بحسب ما نقلته صحيفة Welt، والتي وصفت بدورها الحدث عبر صياغتها الخبريّة بأنه مُنظّم من "جماعات معادية للسامية"، وعنونته بـ"كارهو اليهود يخططون لقمة في برلين".
أما صحيفة "برلين كورييه"، فوصفت المؤتمر بالقول: "معادو السامية من العالم يريدون الاجتماع في برلين"، مضيفة: "الآلاف من المتطرفين المناهضين لإسرائيل قد يجتمعون في برلين".
إنهاء الاستعمار والقيود على المتضامنين مع فلسطين
ويُطالب المنظمون، من خلال هذا المؤتمر، بعدد من القضايا منها "إنهاء التطهير العرقي في فلسطين المحتلة، وإنهاء الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وسياسة الفصل العنصري، ووقف دعم الحكومة الألمانية المعنوي والمادي لجرائم إسرائيل المخالفة للقانون الدولي، وإنهاء تجريم وقمع الحراك التضامني مع فلسطين في ألمانيا، وإنهاء استخدام وتطبيق تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة (IHRA) الصهيوني لمعاداة السامية، من قبل أي مؤسسة أو سلطة حكومية، ووقف فوري ونهائي لإطلاق النار، وفتح معبر رفح، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وحظر عسكري شامل على الكيان، ووقف تجريم المنظمات الفلسطينية وجميع عمليات الترحيل القسري للاجئين، وإنهاء القيود المفروضة على الحقوق الديمقراطية (حق التجمع/حق التظاهر) للناشطين المؤيدين لفلسطين والمتضامنين مع القضية الفلسطينية"، بحسب ما جاء في موقع المؤتمر على الشبكة.
وتشهد ألمانيا منذ أكتوبر الماضي تضييقاً غير مسبوق في تاريخها على النشاطات الشعبيّة والحركات السياسيّة والمظاهرات التي تطالب بوقف حرب الإبادة الجماعيّة التي ترتكبها إسرائيل في غزّة، إذ تعرّض المئات من المتظاهرين للاعتقال والعديد من الناشطين للتحقيقات، وصلت حد مراقبة المخابرات الألمانيّة العديد من الشخصيّات والصحافيين.
وأعلنت الحكومة الألمانية ومستشاروها انحيازهم التام لإسرائيل في أكثر من مناسبة خلال الأشهر الأخيرة، وصمتوا عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني. واتخذت الحكومة عدداً من الإجراءات داخل ألمانيا لتقييد التضامن مع فلسطين بحجة "محاربة الإرهاب ومعاداة السامية".
ألمانيا في محكمة العدل الدوليّة
وفي سياق مُتصل، قالت محكمة العدل الدوليّة إنها ستعقد جلسات استماع يومي الثامن والتاسع من إبريل/ نيسان للنظر في دعوى نيكاراغوا على ألمانيا بشأن تقديم برلين مساعدات عسكريّة لإسرائيل ووقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وطلبت نيكاراغوا من محكمة العدل في وقت سابق من هذا الشهر إصدار أوامر طارئة تلزم برلين بوقف المساعدات العسكرية لإسرائيل وإلغاء قرارها وقف تمويل أونروا. وبحسب نيكاراغوا، فإن ألمانيا تنتهك اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب.
وتدعي نيكارغوا أن ألمانيا قامت "بتسهيل ارتكاب إسرائيل جرائم الإبادة الجماعيّة، وعدم القيام بالتزاماتها لمنع الإبادة"، من خلال توفير الدعم السياسي والمالي والعسكري لإسرائيل، وتعليق تمويل وكالة الأمم المتحدة "أونروا".
وفي السياق نفسه، عبّرت دولة ناميبيا في يناير/ كانون الثاني الماضي عن رفضها قرار ألمانيا التدخل "كطرف ثالث" لدعم إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، في الدعوى الموجهة ضدها بتهمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، مستنكرة تجاهل ألمانيا أعداد الشهداء في غزّة، وتقارير الأمم المتحدة عن نزوح الأهالي، وأوضاعهم المأساوية.
وأشارت الرئاسة الناميبية في حينه إلى أن "ألمانيا ارتكبت على أراضي ناميبيا أول إبادة جماعية في القرن العشرين في عامي 1904-1908، راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء".