تحذيرات من انتهاكات في سجون تونس: السلطة تطيح جميع المكتسبات الحقوقية

11 مارس 2023
تواجه غالبية الموقوفين في تونس تهم "التآمر على أمن الدولة" (Getty)
+ الخط -

دخل عدد من المعتقلين السياسيين التونسيين في إضراب عن الطعام احتجاجاً على الظروف المهينة في السجن، فيما حذر محامون وحقوقيون، اليوم السبت، من تدهور الوضع الحقوقي، مؤكدين أن السلطات تطيح "جميع المكتسبات الحقوقية، وليس فقط المكتسبات المحققة بعد الثورة". 

وتواصل السلطات التونسية حملة الاعتقالات والمحاكمات التي شملت شخصيات سياسية وقيادات معارضة وبرلمانيين ومحامين وقضاة وإعلاميين، وانطلقت منذ 11 فبراير/شباط. 

ونقل محامون شهادات من المعتقلين، من بينهم المحامي والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، الذي قال: "تمّ إعلامي بنقلي عشيّة اليوم إلى غرفة أخرى من دون تبرير ولا تفسير، فرفضت، وأحمّل مدير السّجن ومن أصدر له تعليمات التّنكيل كلّ المسؤوليّة عن محاولة إجباري على ما لا يمكن قبوله".

ونُقل عن أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك القول: "تمّ نقلي إلى غرفة مهشّمة النّوافذ، ملوّثة الباب والجدران برسوم لصليب معقوف، بها عرض بيت الخلاء حفرة في الأرض تنبعث منها الرّوائح الكريهة".

وتواجه غالبية الموقوفين في تونس تهم "التآمر على أمن الدولة، وتكوين وفاق إرهابي لإسقاط النظام أو ارتكاب "أمر موحش ضد الرئيس" (ثلب ومس من الكرامة)، فيما يلاحق آخرون بتهم "الفساد وتبييض الأموال". بحسب هيئة الدفاع.

ويتفق المحامون ممن تطوعوا في هذه الحملة على أن غالبية المداهمات على منازل المعتقلين غير قانونية ولا تخلو من جوانب استعراضية، حيث كان بالإمكان دعوتهم للتحقيق، فيما أشار محامون إلى أن ملفات المتهمين فارغة ولا تتضمن تهماً. 

ويقبع في السجن، اليوم، قادة من جبهة الخلاص المعارضة، في مقدمتهم أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، وشيماء عيسى، والمحامي رضا بلحاج، إضافة إللى نائب رئيس حركة النهضة ورئيس الحكومة السابق علي العريض، ونائب رئيس الحركة ووزير العدل والمحامي نورالدين البحيري، وعضو الشورى البارز في الحركة النائب سيد الفرجاني، والقيادي المؤسس في الحركة الحبيب اللوز، ووزير الفلاحة السابق محمد بن سالم، والنائب أحمد العماري، والمدير السابق لمكتب رئيس الحزب فوزي كمون، بالإضافة إلى قيادات جهوية من باجة جرى اعتقالهم أمس الجمعة.

ومن بين المعتقلين أيضا، أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي، وأمين عام التيار الديمقراطي السابق المحامي غازي الشواشي، والوزير السابق المحامي لزهر العكرمي، والنائب عن تحيا تونس وليد جلاد، ووزير البيئة والقيادي في تحيا تونس رياض المؤخر، والناشط السياسي خيام التركي، ومدير إذاعة موزاييك نور الدين بوطار، والقاضيان المعزولان الطيب راشد والبشير العكرمي، ورجال أعمال وأمنيون في علاقة بذات الملفات، من بينهم كمال اللطيف.

كما يواجه نواب حزب الكرامة السجن بتهم عسكرية وأخرى مدنية، من بينهم سيف الدين مخلوف وراشد الخياري وآخرون ينتظرون أحكاماً بعد أن شملتهم الملاحقات القضائية. 

وصرح الرئيس سعيّد، مؤخراً، بأن "الأدلة واضحة ضدهم، واصفاً إياهم بالإرهابيين، ولا بد من محاسبتهم".

وقال عضو هيئة الدفاع المحامي سمير ديلو، في تصريح لـ"العربي الجديد": "السّياسيّون الموقوفون تمّ التّعامل معهم كالإرهابيّين الذين يُقبض عليهم إثر عمليّة مسلّحة، فتمّ اقتيادهم مصفدين إلى سيّارات خاصّة ووضعهم مغلولين في أقفاص حديديّة تكاد تخنق أنفاسهم".

وبيّن أنه "وبعد أيّام في ظروف عاديّة بالسّجن، تمّ إجبارهم على الإقامة في ظروف لاإنسانيّة، وتمّ التّراجع عن القرار في ما يخصّ الأستاذ غازي الشّوّاشي، بعد إعلانه إضرابا وحشيّا عن الطّعام وتدخّل عميد المحامين ورابطة حقوق الإنسان". 

وأكد محامي الموقوفين مختار الجماعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع الحقوقي في تونس تعقّد، فقد عملت السلطة السياسية على ضرب جميع المكتسبات الحقوقية، وليس فقط المكتسبات المحققة بعد الثورة، وإنما شملت حتى كثيراً من الضمانات المكتسبة قديماً، لنعود إلى ما قبل ديكتاتوريات بن علي وبورقيبة".

وأوضح الجماعي أن نقطة الالتقاء في القضايا المثارة ضد السياسيين والحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني هي "معارضة السلطة السياسية ما بعد 25 يوليو/تموز 2021، كما تشترك في أنها تعكس عودة تغوّل البوليس وضعف الرقابة القضائية على ممارساته، سواء في مرحلة الاحتفاظ أو التحقيق أو المحاكمة أو حتى خلال فترة قضاء العقاب".

وتابع: "كثيرا ما تحدث خلال المداهمات اعتداءات جسدية خطيرة، منها مثلا سحل السيد نور الدين البحيري، وزير العدل الأسبق، إلى حد إحداث خدوش وندوب بكفّي يديه وعلى ساقيه وصولا إلى إصابته بكسر خطير في كتفه الأيمن، ويقترن الإيقاف بخطري الاختطاف والإخفاء".

وأضاف: "على أثر انتشار خبر إيقاف الشيخ حبيب اللوز، النائب المؤسس والقيادي بحركة النهضة واتصال عائلته وحزبه بي، طُفت على كثير من الفرق الأمنية وأنكرت جميعها وجود المذكور عندها، بما في ذلك وحدة البحث في جرائم الإرهاب التي كانت وقتها تستمع إليه في أحد مكاتبها، لنتوصّل من الغد وعلى سبيل الصدفة بخبر وجوده بالمستشفى".

وبيّن الجماعي أنه "يبدو أن القضاء في بعضه لم يتخد فقط موقفاً سلبياً من الظاهرة، وإنما شارك في تلك الممارسات أحياناً بضمان التغطية على تلك الجرائم، من ذلك أن قاضي التحقيق بمحكمة تونس رفض معاينة الحالة الصحية للبحيري، بالرغم من أنه كشف له عن مواطن الإصابة على جسده".

وتابع: "ومع كثرة التتبعات وتهرّم الطبقة السياسية المعارضة التي لم تعد أجسادها تقوى على التحمّل، تتالت الإصابات الخطيرة والتوعكات الصحية وسجّلت الحماية المدنية حضورها لنقل الكثير بعد جلسات الاستنطاق".

وأفاد الجماعي: "نلاحظ اليوم أن المؤسسة السجنية عاجزة، سواء لسوء تجهيزاتها أو لضعف الإرادة لديها وأيضا لوجود مواقف متميزة ضد الطبقة السياسية المعارضة للانقلاب، عن ضمان السلامة الجسدية للمقيمين لديها وحقهم في العلاج، الأمر الذي تسبب في تدهور حالتهم الصحية".

وأوضح أنه "رغم ظهور بدايات ورم سرطاني لدى النائب راشد الخياري، إلا أن إدارة السجن لم توفّر له العلاج المناسب داخل الوحدة السجنية أو خارجها، وكذلك نور الدين البحيري الذي لا يزال يعاني تبعات اختطافه السابق وتعكّر حالته حديثا بسبب بطاقة الإيداع الصادرة ضده حديثا، فيبدو بالفعل أن الوضع الحقوقي في تدهور مستمر، وتراجع المكتسبات أصبح خيار الدولة لا مجرد ممارسات منفردة فقط".

المساهمون