تحجيم دور العشائر... أحدث أزمات الانتخابات الصومالية

04 سبتمبر 2021
أبقت الظروف السياسية على نموذج 2016 الانتخابي (سيمون مينا/فرانس برس)
+ الخط -

تدخل أزمة الانتخابات النيابية والرئاسية في الصومال، منعطفاً جديداً، حيث عطّلت الخلافات السياسية والمشاكل الفنية جهود استكمال أعضاء مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية في البرلمان)، والتي لم تبدأ في إقليم هرشبيلي، جنوب غربي البلاد، حتى الآن بسبب خلافات حول مقاعد عدة وأحقية ترشح عدد من النواب السابقين في مجلس الشيوخ. وأجريت الانتخابات الجزئية لـ"الشيوخ" حتى الآن، في بونتلاند وجنوب غرب الصومال وجوبالاند، ليبقى هرشبيلي وغلمدغ. لكن ما يفاقم الأمور، هو رفض المكون العشائري توصيات المؤتمر التشاوري الأخير المنعقد في مقديشو في 22 أغسطس/آب الماضي، والتي رأوا فيها تحجيماً لدورهم السياسي في عملية اختيار الناخبين الذين يمثلون وجهاء القبائل، لانتخاب أعضاء البرلمان، معتبرين أن رؤساء الولايات الفيدرالية يمارسون تهميشاً ضد رجال القبائل.

رفض المكون العشائري توصيات المؤتمر التشاوري الأخير المنعقد في مقديشو

وشهدت الصومال منذ عام 2001، انتخابات عشائرية كان رجال القبائل يحظون فيها بفرص أكبر في عملية اختيار الناخبين الذين يختارون أعضاء البرلمان، ما أسّس لما يشبه أعرافاً وتقاليد ظلّت سارية في كل المحطات الانتخابية. ويأتي ذلك علماً أنه مع بدء هذه العملية في ذلك العام، لم يكن هناك دستور في البلاد، فالدستور المؤقت الساري حالياً أنجز عام 2012. ومنذ انتخابات 2012، كان نحو 135 زعيماً قبلياً يختارون الناخبين الذين يختارون بدورهم أعضاء البرلمان، حيث يختار زعيم القبيلة خمسة أشخاص ليختاروا الناخبين، والذين ينتخبون لاحقاً رئيساً البلاد، ما يعني أن مقاعد البرلمان موزعة على العشائر وفق نظام المحاصصة القبلية المعمول به في تقاسم المناصب السيادية والبرلمان والحكومة في البلاد. وبفضل ذلك، ساهم هؤلاء في ترسيم معالم خريطة الصومال السياسية.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وانتقى هؤلاء الزعماء القبليون في انتخابات عام 2016 نحو أكثر من 14 ألف ناخب، لاختيار أعضاء مجلس الشعب البالغ عددهم 275 عضواً. وكان من المتوقع أن يتم تعيين 101 ناخب لكل مقعد في مقاعد البرلمان، ما يجعل عدد الناخبين يصل إلى نحو 30 ألف ناخب. لكن وفق مخرجات المؤتمر التشاوري الأخير، أوصى الشركاء السياسيون بأن يكون رجال القبائل مسجلين لدى الولايات الفيدرالية، ما يعني أن رؤساء الولايات يمكن أن يسقطوا تمثيل الزعيم القبلي الذي لا تتقاطع مصالحه مع مصالح رئيس الولايات، وهو ما اعتبره رجال القبائل نقضاً لدور الزعماء التقليديين في المشهد الانتخابي في البلاد. وكان من المفترض أن تكون انتخابات هذا العام، شعبية تتنافس فيها الأحزاب السياسية، لكن بسبب الظروف السياسية والأمنية تم الاعتماد على نموذج الانتخابات السابقة عام 2016، ليبقى دور رجال القبائل كما كان يحصل في الماضي.

وعقد رجال القبائل، مؤتمراً صحافياً في السادس والعشرين من أغسطس/آب الماضي في مقديشو، عبّروا فيه عن رفضهم لتوصيات المؤتمر. وقال السلطان محمود علي، في بيان عقب المؤتمر، إن "رجال القبائل يمثلون المرجع الوحيد لحلّ الخلافات السياسية بين الصوماليين في البلاد، لكن من المؤسف محاولات تهميش دورهم، ومن المستغرب أيضاً أن يتم تجاهل دور الزعماء القبليين". وأضاف: "لم نتلق أيّ إيضاحات بخصوص ترتيب اللجان الفنية وكيفية ترشيح الناخبين"، لافتاً إلى أن الانتخابات الراهنة "هي انتخابات عشائرية، فعدم إشراك رجال القبائل فيها من حيث إعداد وتسجيل الناخبين الذين يختارون أعضاء البرلمان، هي محاولة يائسة".

وبحسب السلطان محمود علي، أوصى رجال القبائل أن تأتي مهمة ترشيح الناخبين ورجال القبائل الذين يختارون الناخبين من قبل سلاطين القبائل، وأن يتولى هؤلاء مهمة تقديم الناخبين الذين يمثلون شرائح القبائل، على غرار انتخابات 2016، كما أنهم يتولون مهمة حلّ الخلافات بين العشائر حول مقاعد البرلمان. ودعا رجال القبائل رؤساء الولايات الفيدرالية الخمسة، ورئيس الحكومة الصومالية (محمد حسين روبلي)، إلى التراجع عن قراراتهم السابقة، وخصوصاً تلك التي تتعلق بدور رجال القبائل، وإشراكهم في العملية الانتخابية في البلاد. وأوضح السلطان محمود أن زعماء القبائل ليسوا موظفين حكوميين، وأنهم يتمتعون بالسلطة العشائرية في البلاد، ولا يحق لهم تنفيذ قرارات الحكومة الصومالية التي لم يكونوا طرفاً فيها، وأن مهمة رجال القبائل تتمحور حول سبل تمكين البلاد من الاستقرار أمنياً وسياسياً، وهم لا يريدون أن يكونوا شهوداً على التقسيمات الجارية في صفوف المجتمع المحلي.

يدور الصراع العشائري ليس فقط على مقاعد الشيوخ، بل حول عدد من المقاعد في مجلس الشعب

ووفق مراقبين، يدور الصراع العشائري أيضاً حول عدد من المقاعد في مجلس الشعب. فبعض القبائل التي لم تحصل على مقاعد في البرلمان منذ عقود، تستعد اليوم للدخول إلى قبّة البرلمان من خلال إبراز وجودها العسكري والسياسي في المشهد الانتخابي. واستعرضت إحدى بطون قبيلة مدلود، في بلدة عدلة الساحلية، يوم الأحد الماضي، حشداً شعبياً من القبيلة، فضلاً عن إقامة عروض عسكرية ورقصات شعبية، وحذر زعماء العشيرة من مغبة تزوير مقعدها في البرلمان في هذه الانتخابات. وقال السلطان محمد محمود في المناسبة، إن "العشيرة تدعو رئيس ولاية هرشبيلي والحكومة الصومالية إلى عدم تجاهل مطالب العشيرة، وتحذر من تزوير مقعد العشيرة الذي تشترك فيه مع عشائر أخرى، والتي أخذت هذا المقعد في الدورتين الماضيتين للبرلمان". وأضاف: "لا نريد دخول حرب مع العشائر الأخرى داخل القبيلة، ونريد فرض العدالة في بت هذه المسألة بين العشيرة في إقليم هرشبيلى الفيدرالي".

ويحذر مراقبون من أن تؤجج الخلافات العشائرية بين القبائل نزاعاً مسلحاً، وخصوصاً تلك التي تشترك في مقاعد محددة في مجلس الشعب الصومالي، وذلك بعد بروز مخاوف من حصول طغيان وفساد في بعض المقاعد، من قبل رؤساء الولايات الفيدرالية أو مقربين منهم.

ورأى الباحث الاجتماعي عبد الله راغي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "محاولة تحجيم دور رجال القبائل في العملية الانتخابية، ستثير مشاكل اجتماعية في البلاد، كما أنها ستولد حساسيات قبلية بين القبائل، وخصوصاً تلك التي تشترك في مقعد واحد في البرلمان، نتيجة صعوبة حسم تلك الحساسيات من قبل السياسيين، وهي خلافات كان رجال العشائر يحسمون أمرها". وأشار راغي إلى أن تفاقم الخلافات بين الحكومة الصومالية من جهة، والولايات الفيدرالية من جهة ثانية، ستؤدي إلى أزمة سياسية وعشائرية في البلاد، لأن رجال القبائل يعتبرون أنفسهم اللبنة الأولى في عملية ترسيم انتقال البلاد من مرحلة إلى أخرى، إذا لم تكن هناك انتخابات شعبية.

المساهمون