بدأت ملامح تفكك تحالف "قيم" المدني في العراق، الذي يُعدّ المظلة الأكبر للأحزاب المدنية والليبرالية التقليدية والناشئة في البلاد، بعد الإعلان عن تشكيل الحكومات المحلية (مجالس المحافظات)، ما يؤشر لوجود اختلال في الاتفاقات السياسية والحزبية بين أطراف التحالف، إضافة إلى النتائج المتراجعة لـ"قيم" بحصوله على 6 مقاعد فقط في الانتخابات المحلية التي أجريت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ومطلع الأسبوع الحالي، أعلنت حركة "نازل آخذ حقي"، وهي حزب مسجل دخل الانتخابات مرتين ولم يحصل على نتائج جيدة، في بيان، عن تعليق أعمالها داخل التحالف، وجاء في البيان أن "الحركة علّقت نشاطاتها ووجودها في تحالف قيم احتجاجاً على عدم الجدية في اتخاذ الكثير من الإصلاحات والتغييرات المتعلقة بالعلاقة والشراكة بين قوى التغيير وكتلة وطن".
وأكدت الحركة أنها تسعى إلى "بلورة طاولة وطنية حقيقية تمثل الفواعل الاجتماعية والسياسية، من جميع أبناء الوطن، لتحقيق التغيير المنشود".
ويضم تحالف "قيم" في الأصل جبهتين سياسيتين، الأولى هي مجموعة أحزاب مدنية متمثلة بتحالف قوى التغيير، والثانية عبارة عن عدد من النواب المستقلين، ضمنهم سجاد سالم وأسامة البدري، وجميعهم اشتركوا في الانتخابات المحلية، لكن النتائج لم تكن كما توقعوا في البداية، فلم تحصل الأحزاب على أية مقاعد في مجالس المحافظات، في حين تمكن النواب من اختيار مرشحين فازوا في سباق الانتخابات المحلية في العراق، ما أدى إلى تغير شكل العلاقة بين الطرفين خلال الأسابيع الماضية.
وذكر المتحدث باسم حركة "نازل آخذ حقي" خالد وليد، في بيان لاحق، معلقاً على أسباب الانسحاب، أن "هناك تأخراً للإصلاحات في شكل العلاقة ما بين قوى التغيير وكتلة وطن المنضوية في التحالف (قيم) والذي يجعلنا محرجبن أمام جمهورنا وفق ما ألزمنا به أنفسنا من محاربة قوى الفساد والمحاصصة، لذلك علقنا عمل الحركة داخل التحالف".
ويضم تحالف "قيم" أحزاب البيت الوطني، والتيار الاجتماعي الديمقراطي، وحركة نازل آخذ حقي الديمقراطية، والحركة المدنية العراقية، والشيوعي العراقي، وحركة المثقف العراقي، والريادة العراقي، والتجمع الجمهوري العراقي، والتيار الديمقراطي العراقي، والشيوعي الكردستاني، و"تنوير"، كما تحالف معه 7 نواب ضمن "كتلة وطن".
وقالت مصادر من داخل تحالف "قيم" إن "نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة في العراق شكلت صدمة لأطراف التحالف، فقد كان قادة التحالف يعتقدون أنهم سيحصلون على ما لا يقل عن 30 مقعداً في عموم محافظات البلاد، إلا أنهم لم يحصلوا سوى على ستة مقاعد، جميعها تتبع أعضاء مجلس النواب وليسوا تابعين للأحزاب المدنية".
وأضافت المصادر لـ"العربي الجديد" أن "أحزاباً داخل التحالف تفكر جدياً باللجوء إلى حالات سياسية جديدة، والخروج من "قيم" بعد التجربة المريرة"، مشيرة إلى أن "حزب البيت الوطني بقيادة الناشط حسين الغرابي قد يعلن قريباً تعليق وجوده في التحالف أو انسحابه نهائياً".
وعاودت القوى المدنية في أول مواقفها بعد تشكيل مجالس المحافظات انتقاد آليات توزيع المقاعد واختيار المحافظين، وذكرت قوى "التغيير" المدنية، في بيان، أن "مجالس المحافظات عقدت اجتماعاتها خلال الأيام الأخيرة بعد المصادقة على نتائج الانتخابات، والتي جرى خلالها التصويت لانتخاب رئاسة المجلس والمحافظين ونوابهم، وكما هو متوقع، شهدت العملية تفاهمات واتفاقات على توزيع المناصب والمواقع وفق تخادمات نهج المحاصصة، كما لم تخلُ العملية الانتخابية في بعض المحافظات من صراع حاد وانسحابات وطعون في شرعية مخرجاتها".
وأضاف البيان أن التحالف "يرفض رفضاً تاماً نهج المحاصصة والإقدام على أي اتفاقات وتخادمات مع قوى وأحزاب المحاصصة"، مبينة أنها "لم تشارك بأي شكل من الأشكال في أية اتفاقات قد سبقت عملية التصويت".
وجددت تأكيدها "رفض المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت، وضرورة التزام مرشحي تحالف قيم الفائزين في الانتخابات بالأسس والمبادئ التي قام عليها التحالف، وأدرجها في وثائقه البرامجية، وعبّر عنها شعاره الداعي إلى التغيير ونبذ المحاصصة، حاضنة الفساد والفشل في الأداء".
بدوره، رأى الناشط السياسي العراقي أسامة صاحب أن "التحالفات المدنية لم تستطع إقناع الشعب العراقي المقاطع للانتخابات، بسبب خطابها غير السياسي، وأنها اعتمدت على التقريع بالنظام والأحزاب المتنفذة من دون برامج لحل المشاكل الحقيقية في البلاد"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "الأحزاب المدنية التي فشلت في الانتخابات الأخيرة تواجه تحدياً وجودياً، لأن بعضها سيغلق أبوابه ويعود تدريجياً إلى الميادين الاحتجاجية سواء عبر التظاهرات أو تحشيد الرأي العام باتجاه قضايا معينة".
وأكمل صاحب بأن "المساحة السياسية المدنية عادت فارغة مرة أخرى، وهناك مجالات واعدة للعمل، لكن المشكلة في الثقة بين الشعب العازف عن المشاركة السياسية من جرّاء الاستياء، والفكر السياسي المدني الذي لا يحمل أي أجندة واضحة للإصلاح"، متوقعاً أن "تلجأ بعض الأحزاب المدنية الخاسرة في الانتخابات إلى الالتحاق بمخططات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في تغيير شكل النظام الحالي عبر آليات غير واضحة ومفهومة".