تحالف "إنقاذ وطن": إيران تخفق بفرض سيطرة حلفائها في العراق

25 مارس 2022
مناصرون لمقتدى الصدر في بغداد (أيمن يعقوب/الأناضول)
+ الخط -

مثّل الإعلان عن تشكيل تحالف سياسي عابر للهويات الفرعية في العراق هو الأول من نوعه في البلاد منذ عام 2005، وحمل اسم تحالف "إنقاذ وطن"، بعضوية "التيار الصدري"، وتحالف "السيادة"، والحزب الديمقراطي الكردستاني، ضربة لجهود قيادات إيرانية بارزة استمرت نحو 4 أشهر للتوفيق بين القوى السياسية العربية الشيعية حيال أزمة تشكيل الحكومة. كما أغلق هذا التطور باب المفاوضات السياسية بين هذه القوى قبيل 48 ساعة فقط من موعد جلسة البرلمان المقررة لاختيار رئيس جديد للبلاد والمحددة ظهر غد السبت.

مرجعية النجف لا تتدخل بين القوى الشيعية

وجاء ذلك في الوقت الذي خالفت فيه النجف، ممثلة بمرجعية رجل الدين علي السيستاني، التوقعات، إذ لم تتدخل لتحقيق توافق بين القوى المتنافسة ممثلة بتحالف "الإطار التنسيقي"، المرعي إيرانياً، والتيار الصدري المتصدر للانتخابات التشريعية بفارق كبير عن أقرب منافسيه.

وأكدت مصادر سياسية عراقية لـ"العربي الجديد"، أن الزعامات الدينية في النجف وكربلاء قررت عدم التدخّل لصالح أي طرف، مع وجود تفهّم كبير من بعض المرجعيات الدينية لمشروع الصدر في حكومة الأغلبية الوطنية ورفض تكرار نسخ ثانية من حكومات سابقة.

الزعامات الدينية في النجف وكربلاء قررت عدم التدخّل لصالح أي طرف

واجتهدت دوائر القرار في طهران خلال الأشهر الأخيرة، عبر إيفاد عدة مسؤولين إلى بغداد والنجف، لإيجاد وساطة، وأطلقت عدة مبادرات من خلال زعيم "فيلق القدس" إسماعيل قاآني، والسفير الإيراني السابق في بغداد حسن دنائي فر، إضافة إلى قيادات أخرى شاركت معها الشخصية الأبرز في "حزب الله" اللبناني داخل العراق محمد كوثراني.

لكن الصدر رفض العدول عن مشروع "حكومة الأغلبية"، وكذلك رفض مشاركة تحالف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في الحكومة الجديدة، محمّلاً إياه مسؤولية التردي الأمني والاقتصادي والمشاكل التي انتهت باجتياح "داعش" العراق في منتصف عام 2014، خلال فترة تولي المالكي السلطة.

حظوظ تحالف "إنقاذ وطن"

التحالف الذي حمل اسم "إنقاذ وطن"، يمتلك حالياً الأغلبية في البرلمان، بواقع 180 نائباً من أصل 329، موزعين على كتل التحالف الثلاث، لكنه يحتاج إلى 40 نائباً حتى يحقق النصاب الدستوري في جلسة اختيار رئيس الجمهورية الجديد.

وتكمن أهمية الجلسة المقررة غداً السبت، في كونها سيترتب عليها تكليف الرئيس الجديد للكتلة الكبرى بالبرلمان بمهمة تشكيل الحكومة.

ونجح التحالف الجديد بضمان مشاركة نحو 30 نائباً مستقلاً ومدنياً في جلسة السبت، وفق تأكيد مصادر من داخل التحالف لـ"العربي الجديد"، قائلةً إن السعي الآن هو لجذب نواب آخرين.

يحتاج التحالف الجديد إلى 40 نائباً حتى يحقق النصاب الدستوري في جلسة اختيار رئيس الجمهورية

لكن "الإطار التنسيقي" رد في بيان له، بأن جلسة السبت "لن تنعقد"، معللاً ذلك بعدم استطاعة التحالف الجديد إكمال النصاب القانوني لها، ومؤكداً أيضاً أنه بات يملك الثلث المعطل.

من جهته، قال نائب عن "التيار الصدري" في البرلمان، لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، إن إعلان تشكيل تحالف "إنقاذ وطن"، يعني "إغلاق التفاوض مع قوى الإطار التنسيقي، بعد الوصول إلى طريق مسدود معها، إذ أصرت على تشكيل كتلة كبيرة مغلقة للقوى الشيعية فقط، ومن ثم منح الحق لهذه الكتلة بتشكيل الحكومة، وهو ما يعني سلب الحق الانتخابي للتيار الصدري بتشكيل الحكومة".

فشل الوساطات الإيرانية ومخاوف أمنية

وأضاف النائب عن "التيار الصدري" أن "الوساطات الإيرانية لم تنجح، وأبلغناهم بأن عليهم عدم الاصطفاف مع طرف شيعي على حساب آخر"، مشيراً إلى أن "التدخل الإيراني في الفترة الأخيرة لم يكن عادلاً، بل تحول إلى راعٍ لقوى الإطار التنسيقي وموجّه لتحركاتها".

وشدد على أنه "من حق العراقيين أن يحظوا بتجربة جديدة في العملية السياسية، وعدم تكرار أسلوب هذه لك وهذه لي، وفي النهاية أتكتم على فسادك وفشلك وتتكتم على فسادي وفشلي".

وأوضح أن "التحركات الحالية منصبّة على المستقلين والمدنيين لإقناعهم بمشروع حكومة الأغلبية، وإن لم يكن النجاح مضموناً، فهو على الأقل تحرك للتغيير والابتعاد عن التخندق الطائفي"، مبيناً أنهم متفائلون في حضور 220 نائباً في جلسة السبت.

وأقر المسؤول نفسه بأن هناك مخاوف على الملف الأمني من قبل بعض من وصفها بـ"المليشيات المنفلتة"، التي هددت بإعادة الانتشار في الأنبار، وأخرى تحدثت عما وصفته بـ"فواتير على السنّة تسديدها"، ضمن ردود فعل تلت إعلان التحالف الجديد.

وأكد أنه "على رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي منع أي تدخل لتلك الفصائل بالأمن أو العبث باستقرار المدن".

وكان زعيم مليشيا "كتائب الإمام علي" شبل الزيدي قد قال في بيان أخيراً، إن "السنّة اليوم كقيادة سياسية في وضع لا يحسدون عليه، وعليهم تحديد موقف واضح في بناء العراق، لأنه في النهاية هناك فواتير عليهم تسديدها"، واعتبر أن "الأكثرية البسيطة ستنتج حكومة معرضة للسقوط السريع والفشل".

نائب في التيار الصدري: الوساطات الإيرانية لم تنجح، وأبلغناهم بأن عليهم عدم الاصطفاف مع طرف شيعي على حساب آخر

"الإطار التنسيقي" يدعي امتلاكه ثلثاً معطلاً

في المقابل، شكك القيادي في "الإطار التنسيقي" علي الفتلاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، بقدرة تحالف "إنقاذ وطن" في عقد جلسة السبت بنصاب كامل ودستوري.

وقال "نحن ومن معنا (الاتحاد الكردستاني 17 مقعداً، وكتلة عزم 8 مقاعد)، نملك الثلث المعطل لهذه الجلسة، ولا خيار للتحالف الثلاثي إلا التفاوض معنا والوصول إلى اتفاق وتوافق".

ويملك "الإطار التنسيقي" 83 نائباً، ما يجعل المجموع مع حليفيه 108 نواب، وسط حديث بعض نوابه عن أنهم تمكنوا من إقناع نواب مستقلين بعدم حضور الجلسة، مشيرين بذلك إلى امتلاكهم الثلث الضامن الذي يمنع عقد هذه الجلسة.

وتابع الفتلاوي أن "إعلان تشكيل الكتل الثلاث تحالفها (إنقاذ وطن)، جاء لمنع التوصل إلى أي تقارب، ونحن نعتبر أن أي حل غير توافقي في العراق، سينعكس على مجمل العملية السياسية، وليس على قضية تشكيل الحكومة الجديدة فقط".

وأكد توقف المفاوضات والاتصالات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي بالكامل، حتى يوم أمس الخميس، قائلاً إن "شرطنا واحد وثابت ولا تنازل عنه، وهو تشكيل كتلة كبرى بين القوى الشيعية، ما يكفل دخولنا جلسة البرلمان والاتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة".

أما النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي، فقال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "تحالف إنقاذ وطن ماضٍ في ما اتفق عليه، على الرغم من كل الضغوط والتهديدات التي مورست عليه خلال الفترة الماضية من خلال قوى داخلية وخارجية، ولا تراجع عن هذا المشروع إطلاقاً".

وأوضح شنكالي أن التحالف سيتمكن من "تحقيق نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، فهناك نواب وقوى مستقلة ستكون داعمة بقوة لحكومة الأغلبية".

واعتبر أن "تلويح بعض الأطراف السياسية والمليشيات بورقة الملف الأمني، أمر ليس بجديد، وهو متوقع جداً، خصوصاً أن هناك قوى استخدمت هذا الأمر خلال الفترات الماضية من خلال استهداف مقرات أحزاب وكتل منضوية في التحالف الثلاثي، بهدف منعها من السير مع التيار الصدري نحو حكومة الأغلبية".

علي الفتلاوي: شرطنا واحد ولا تنازل عنه، وهو تشكيل كتلة كبرى بين القوى الشيعية

انقسام بين المستقلين حول جلسة انتخاب الرئيس

من جهته، قال النائب المستقل باسم خشان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هناك انقساماً واضحاً بين النواب والقوى المستقلة بشأن حضور جلسة البرلمان أو مقاطعتها، وهناك قوى ونواب لم يحسموا أمرهم حتى اللحظة".

وأوضح خشان أن "حوارات واتصالات تجري بين عدد من النواب المستقلين والقوى المستقلة من أجل توحيد المواقف واتخاذ قرارات نهائية بشأن حضور جلسة البرلمان المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، وربما يعمد البعض لحسم أمرهم خلال الدقائق الأخيرة قبل عقد الجلسة. فأي قرار حالياً هو قابل للتغيير في أي لحظة، وفق أي مستجد سياسي".

لا حوار بين "التيار الصدري" و"الإطار التنسيقي"

في المقابل، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي أحمد الشريفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "إعلان الكتلة الكبرى من قبل التحالف الثلاثي بشكل رسمي، يدل على أن كل الوساطات والتدخلات الخارجية لم تنجح في تقريب وجهات النظر بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، على الرغم من استمرار الوساطات والحوارات والتفاوض طيلة الأشهر الماضية".

وأشار إلى أن "إعلان تحالف رسمي من قبل أطراف التحالف الثلاثي، قطع الأمل بأي حوار وتفاوض جديد بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، وهذا يعني أنه لا حوار بين الطرفين خلال الساعات القليلة المتبقية قبل عقد جلسة البرلمان المخصصة لانتخاب الرئيس العراقي الجديد".

أحمد الشريفي: التحالف الجديد قطع الأمل بأي حوار جديد بين التيار الصدري والإطار التنسيقي

وأضاف الشريفي أن "كل الخيارات مطروحة خلال جلسة البرلمان يوم السبت المقبل، فلا توجد أي ضمانات لنجاح عقد الجلسة، وفي الوقت نفسه لا توجد ضمانات حقيقية لوجود ثلث معطل لهذه الجلسة، ولهذا ستبقى كل الخيارات مفتوحة، ولا يمكن حسم هذا الأمر إلا من خلال عقد الجلسة وبعدها كل جهة تعرف حجمها الحقيقي".

وأوضح الخبير في الشأن السياسي العراقي أن "الانسداد السياسي ربما تكون له تبعات خطيرة وكبيرة على الملف الأمني خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً مع وجود السلاح خارج سيطرة الدولة، ووجود أطراف وجهات دائماً ما تهدد بهذا الملف مع كل أزمة سياسية".

وأُعلن في العاصمة العراقية بغداد، أول من أمس الأربعاء، عن تأسيس تحالف برلماني واسع هو الأول من نوعه في البلاد منذ عام 2005، ويضم "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، وتحالف "السيادة" بزعامة خميس الخنجر، والحزب "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود البارزاني، وبمجموع مقاعد يصل إلى نحو 180 نائباً (من أصل 329) في البرلمان الجديد.

وأعلن هذا التحالف عن ترشيح السفير العراقي في لندن جعفر الصدر لمنصب رئاسة الحكومة المقبلة، في خطوة جديدة تؤكد إغلاق آخر أبواب التفاهم بين التحالف وقوى "الإطار التنسيقي" المدعومة من طهران.

المساهمون