تجديد حبس المتهمين عبر "الفيديو كونفرنس" يتوسع في مصر

30 أكتوبر 2022
محكمة في القاهرة، إبريل الماضي (خالد كامل/فرانس برس)
+ الخط -

تنتشر في منظومة القضاء المصري في الفترة الأخيرة ظاهرة إصدار الأحكام على معتقلين، من خلال تقنية "الفيديو كونفرنس". تقنية تقول منظمات حقوقية إنها تهمّش رواية الموقوفين، وعدد كبير منهم موقوفون على خلفية قضايا سياسية.

قبل أيام، جُدِّد حبس سيدة الأعمال المصرية حسيبة محسوب، شقيقة القيادي في "حزب الوسط" محمد محسوب، وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي. 

وجاء القرار بعد أن سألها القاضي، عبر "فيديو كونفرنس": "أنت حسيبة محسوب؟"، فردت من سجن القناطر، حيث قضت نحو ثلاث سنوات في الحبس: "نعم"، وقبل أن تكمل، انتقل القاضي مباشرة إلى متهم آخر، حسب شهادة كل من شقيقها ومحاميها.

تجديد حبس المتهمين احتياطياً عن بُعد، يتم من طريق نظر الجلسات باستخدام وسائل التقنية الحديثة، التي تتمثل باتصال القضاة ووكلاء النيابة وأيضاً المحامين عن المتهمين من قاعات المحاكم والنيابات، بالمتهمين داخل محبسهم، عبر قاعات مخصصة لذلك بمقار الاحتجاز، من خلال شبكات تلفزيونية تم ربطها بين عدد من المحاكم ومقار الاحتجاز.

وهذه الآلية تعتمد على وجود القضاة وممثلي النيابة والمحامين في غرفة المداولة بالمحكمة، والمتهم في غرفة بالسجن، وكل منهم يرى ويسمع الآخر من خلال كاميرا وشاشة موجودتين في الغرفة، ومن دون أن ينقل المتهم من السجن إلى المحكمة.


"كوميتي فور جستس": السلطات المصرية تسعى لحرمان المحتجزين من حقوقهم

وكان قد أُلقي القبض على محسوب، في محافظة الإسكندرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وتعرضت للإخفاء القسري لمدة 67 يوماً، حتى ظهرت في النيابة في 27 يناير/كانون الثاني 2020، وأمرت النيابة بحبسها على ذمة التحقيق، باتهام "الانتماء إلى جماعة إرهابية".

حبس المتهمين عبر "فيديو كونفرنس"

ما حدث مع حسيبة محسوب، في جلسة تجديد الحبس عبر "فيديو كونفرنس"، تحول إلى نهج متبع في منظومة التقاضي المصرية منذ سنوات، ففي مطلع أكتوبر/تشرين الأول الحالي، جددت محكمة جنايات إرهاب القاهرة، حبس مئات المتهمين في 23 قضية سياسية باتهامات متشابهة منها: "نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف القانون، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها".

وتكرر الأمر نفسه في أغسطس/آب الماضي، حين نظرت محكمة جنايات إرهاب القاهرة، في تجديد حبس مئات المتهمين في 13 قضية سياسية. ويتكرر هذا المعدل في نظر القضايا وتجديد حبس المتهمين، بشكل دوري، ولا يظهر إلى العلن إلا بإعلان المحامين انتقادهم لهذا الإجراء.

وهذا التكدس الشديد في أعداد القضايا ومئات المتهمين أمام القاضي، يجعل الأخير لا يستمع إلى أي منهم، ويصدر قراره بتجديد الحبس مباشرة من دون حتى الاطلاع على أوراق القضية أو الاستماع لدفوع المحامين أو شكوى المتهمين.

هذه الظاهرة ازدادت مع قرار وزير العدل رقم 8901 لسنة 2021، في ما يتضمنه من نظر في جلسات تجديد الحبس الاحتياطي عن بعُد. ففي 18 أكتوبر 2020، أعلنت وزارة العدل إطلاق نظام تجديد الحبس الاحتياطي عن بُعد، وذلك عقب تفشي فيروس كورونا، تذرعاً بمراعاة السلامة والصحة العامة، وأيضاً في سبيل اتخاذ إجراءات جدية في تغيير مسار التقاضي المصري إلى التقاضي الرقمي.

وعقب ذلك، جاء صدور قرار وزير العدل رقم 8901 لسنة 2021 بإعطاء الغطاء التشريعي لهذه التجربة ومن ثم تعميمها وإضفاء الحماية القانونية لها.

واعترضت العديد من منظمات المجتمع المدني على القرار، وطالبت وزير العدل عمر مروان بإلغاء قرار عقد جلسات تجديد الحبس الاحتياطي عن بُعد من طريق تقنية "الفيديو كونفرنس"، لما فيه من إهدار لحقوق المحبوسين احتياطياً في الحصول على محاكمة عادلة ومنصفة وفقاً للمادة الـ96 من الدستور المصري: "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة".

واعتبرت منظمات، من بينها "المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، أن "جلسات تجديد الحبس عن بُعد، ما هي إلا فرض المزيد من القيود والأغلال على النشطاء ومعارضي الرأي المحبوسين احتياطياً، وإهدار ممارسة حقهم في الدفاع عن أنفسهم، وفصل المتهم عن محاميه، خصوصاً أن عدداً من المتهمين في القضايا ذات الطابع السياسي يعانون الحرمان التعسفي من حقهم في الزيارة. وبالتالي إن تطبيق هذا النظام يجعلهم أكثر عزلة عن العالم الخارجي، فجلسات تجديد الحبس هي الوسيلة الوحيدة المتاحة للاطمئنان عليهم من قبل محاميهم وذويهم، وهي الفرصة الوحيدة لهم أيضاً للتواصل مع العالم الخارجي".

وأكدت المفوضية أن "تقنية الفيديو كونفرنس ستمنع القضاة من النظر إلى المتهم بإمعان ومُناظرة حالته، وإن كان هناك أذى قد لحق به في أثناء فترة حبسه، فقد أكدت نصوص قانون الإجراءات الجنائية وجوب سماع المتهم في أثناء جلسة التحقيق، وذلك في المواد 142 و143. وبالتالي كيف يمكن المُتهم الدفاع عن نفسه ومناقشة القاضي له بحرية إذا كان مفصولاً عنه وعن محاميه ويجري التواصل بينهم من طريق مكالمة فيديو؟".


"المفوضية المصرية للحقوق والحريات": جلسات تجديد الحبس عن بُعد، تعني فرض المزيد من القيود 

واعتبرت منظمة "كوميتي فور جستس"، أن "السلطات المصرية تسعى بكل ما أوتيت من قوة لحرمان المحتجزين لديها حقوقهم التي أقرتها المواثيق والعهود الدولية، ونص عليها القانون المصري كذلك، بعد تطبيق مشروع تجديد الحبس الاحتياطي عن بُعد (فيديو كونفرنس) للمحتجزين، وهو آخر تلك الممارسات الممنهجة للعصف بحقوق المحتجزين في مصر".

وقالت إن ما نُشر من معلومات عن قرار نظر الجلسات عن بُعد "يفيد إمعان السلطات المصرية في فرض وصايتها على ما تبقّى من حقوق للمحتجزين، وما يمثله ذلك من حرمان لهم من مبادئ أساسية ضمن مبادئ المحكمة العادلة التي يقتضيها القانون الدولي والإنساني؛ مثل حق المتهم في المثول أمام قاضٍ طبيعي، وكذلك حرمان المتهم التواصل مع محاميه والانفراد به، وكذا أن يعرض عليه محاميه خطته في الدفاع".

غياب المحاكمة العادلة

واعتبر المدير التنفيذي لـ"كوميتي فور جستس"، أحمد مفرح، أن "مبادئ المحاكمة العادلة ركيزة من الركائز الأساسية لحقوق الإنسان في النظام العالمي، والقرار الإداري الصادر عن وزارة العدل المصرية بتطبيق هذا المشروع يهدر هذا المبدأ تماماً، فمن خلال ذلك المشروع ستُعقَد جلسات المحاكمة ويُجدَّد الحبس داخل مقار الاحتجاز والسجون بشكل غير مباشر، فالمتهم سيكون خاضعاً هنا للسلطة التنفيذية، ما يفتح الباب لتعرضه لمزيد من الانتهاكات. كما أنه سيكون بعيداً عن أعين أي رقابة قضائية، والقاضي لن يرى إلا ما تريد السلطة التنفيذية أن تريه إياه من خلال الكاميرا فقط، كذلك أين حقوق الدفاع؟".

وشدد مفرح على أنه "لا يجب على السلطات في مصر استغلال الإجراءات الاحترازية المطبقة لمنع تفشي وباء كورونا، للعصف بالمزيد من حقوق المحتجزين لديها، في إشارة إلى تحجج وزارة العدل المصرية بأن ذلك النظام سيعمل على عدم تعريض حياة المحتجزين للخطر، وذلك بالحد من اختلاطهم بالغير".

من الناحية القانونية أيضاً، واجه هذا النظام العديد من الانتقادات، منها أن تواصل القاضي مع المتهم، والتأكد من عدم تعرضه لأي ضغوط لتغيير أقواله، من أساسيات المحاكمة العادلة.

وأيضاً أنّ من حق المتهم أن يتحدث مع محاميه على انفراد، بينما بموجب هذا النظام، لا يسمح للمحامين بالحديث مباشرةً قبل الجلسات أو بعدها، بل وفي كثير من الحالات، وخصوصاً القضايا التي تنظرها نيابة أمن الدولة العليا، ولا يتم إبلاغ المحامين بموعد الجلسات بشكل مسبق. كما أن تعميم نظام تجديد الجلسات عن بعد، مع أعداد المتهمين الذين يُحقَّق معهم من دون حضور محاميهم يتضاعف، والجلسات قد لا يتوافر فيها شرط العلانية، وهو شرط أساسي من شروط المحاكمة العادلة.

المساهمون