في الوقت الذي كشفت فيه صور حديثة التقطت بالأقمار الاصطناعية بثتها مواقع إثيوبية عن قرب انتهاء الملء الرابع لسد النهضة، أعلنت وزارة الموارد المائية والري المصرية، انطلاق جولة جديدة من مفاوضات السد، أمس الأحد، في العاصمة المصرية القاهرة، بمشاركة وفود التفاوض من مصر والسودان وإثيوبيا.
وتأتي عودة المفاوضات تنفيذاً للبيان الصادر في 13 يوليو/تموز الماضي، بعد لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، على هامش قمة دول جوار السودان، والذي نص على التوصل إلى اتفاق بشأن السد خلال 4 أشهر، وهو ما اعتبره مراقبون "موقفاً غير إيجابي" من قبل إثيوبيا، ويكشف عن نية لعدم السماح للمفاوضات بوقف ملء السد.
وأكد وزير الموارد المائية والري المصري، هاني سويلم، في بيان صادر عن وزارته، أمس الأحد "أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، يراعي مصالح وشواغل الدول الثلاث"، مشدداً على "أهمية التوقف عن أية خطوات أحادية في هذا الشأن".
ورأى أن "استمرار ملء وتشغيل السد في غياب اتفاق يُعد انتهاكاً لاتفاق إعلان المبادئ الموقّع عام 2015". وشدد سويلم على أن مصر "تستمر في بذل أقصى الجهود لإنجاح العملية التفاوضية"، مؤكداً على "إيمان مصر بوجود العديد من الحلول الفنية والقانونية التي تتيح تلبية مصالح الدول الثلاث، والتوصل إلى الاتفاق المنشود".
أيمن سلامة: مصر والسودان يريدان اتفاقاً ملزماً يضمن لهما كمية معينة من مياه النيل
يأتي ذلك بينما كشفت صور حديثة التقطت بالأقمار الاصطناعية، "قرب انتهاء الملء الرابع لسد النهضة". ووضحت الصور التي نشرتها مواقع إثيوبية، أنه لم يتبق سوى 4 أمتار للوصول إلى منسوب الممر الأوسط في السد، إذ وصل المنسوب الحالي إلى 621 متراً، فيما بلغ ارتفاع الممر 625 متراً، وحجم الحصاد نحو 19 مليار متر مكعب من المياه. وكان وزير الري المصري قد حذر قبل أيام من أن بلاده تقترب من "خط الشح المائي" بنصيب يقارب 500 متر مكعب للفرد سنوياً.
غياب التفاؤل بتجدد مفاوضات سد النهضة
وعبّر أستاذ القانون الدولي العام، أيمن سلامة، في حديث مع "العربي الجديد"، عن عدم تفاؤله بتلك المفاوضات، وقال إن "الهوة سحيقة، والصدع كبير بين أطراف النزاع الخطير، ولكن لا ضير من المفاوضات السياسية والمشاورات الفنية بين الدول الثلاث".
وأضاف سلامة أن "تسوية النزاع بين الأطراف الثلاثة عسيرة، إذ أخفقت كافة المداولات والمفاوضات المباشرة بينها قبل ذلك، وأيضاً تلك التي تمت برعاية الولايات المتحدة، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير التابع للأمم المتحدة".
وأشار إلى أن "إثيوبيا رفضت مخرجات الولايات المتحدة، ورفض السودان حتى التوقيع المبدئي على المقترح المقدم من الإدارة الأميركية والبنك الدولي، لكن وزير خارجية مصر (سامح شكري)، وقّع بالأحرف الأولى على المقترح الذي فشل".
وحول صعوبة التوصل إلى حل في مفاوضات السد، رأى سلامة أن "الأطراف الثلاثة المتنازعة لها مصالح وأولويات مختلفة، ومن العسير إيجاد حل توافقي يرضي الجميع". وأضاف أنه "من الضروري توصل الأطراف الثلاثة إلى اتفاق فني جديد، يترجم ما ورد من مبادئ عامة إطارية في اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة المبرمة في الخرطوم عام 2015 إلى اتفاق فني تطبيقي مباشر وملزم للدول الثلاث، يعنى بتشغيل وإدارة السد، ويأخذ في الاعتبار مصالح هذه الدول. لكن إثيوبيا لا تقبل حتى الآن سوى المبادئ العامة غير الإلزامية بشأن ملء وتشغيل السد، وهذه هي نقطة الخلاف الرئيسية في المفاوضات بين الدول الثلاث".
وأشار سلامة إلى أن كلا من مصر والسودان "يريدان اتفاقاً ملزماً يضمن لهما كمية معينة من مياه النيل، إذ تشعر الدولتان بالقلق من أن السد سيقلل من كمية المياه المتاحة لهما، لكن إثيوبيا تريد اتفاقاً أكثر مرونة يمنحها السيطرة على مياه النيل الأزرق، إذ تعتبر أن لها الحق في استخدام مياه النهر في تحقيق التنمية، وأن السد جزء ضروري من هذا التطور".
ضرورة التعويل على الوساطة الدولية
من جهتها، قالت خبيرة النزاعات المائية المصرية، هالة عصام الدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "يجب التعويل على الدول المانحة في تلك المفاوضات، وذلك من خلال الوساطة الدولية، وكذلك الدول المستثمرة في مشروعات سد النهضة في إثيوبيا، إذ يجب أن يكون لها دور في الضغط على أديس أبابا".
وحول ما هو متوقع من المفاوضات التي انطلقت أمس الأحد، أكدت عصام الدين، أن "هناك طرقاً عديدة لتوزيع الثروة المائية الفائضة في السد، في حال تم الاتفاق على قواعد جديدة للملء، وتحديد منسوب مياه سد النهضة بحدود معينة لا تضر بالمصالح المائية لدول حوض النيل، وأولها مصر، التي تعتمد بشكل أساسي على مياه النيل، نظراً لطبيعتها الصحراوية، هذا بالإضافة إلى التضخم السكاني لديها".
ورأت أنه "من الواضح أن الدول المانحة لهذا المشروع، لم تتحر الدقة في التعامل مع هذا الملف الشائك، باعتبار أن المياه عامل حيوي لمصر، وأنه أمن قومي للدولة المصرية".
وأضافت عصام الدين، أنه "بالمساهمة في إنشاء هذا السد الكارثي، فإنهم قد عرّضوا وحدة الإقليم إلى التفكك، وكان الأجدر بهم، حتى ولو للحفاظ على مصالحهم، أن يساهموا في تنفيذ مشروعات استثمارية على مستوى الحوض، وأهمها تنمية الموارد المائية لحوض النهر، حتى يمكن تحقيق أقصى استفادة، بدلاً من تمويل مشروع له نتائجه السلبية على الجميع".
بدوره، عبّر وزير الري المصري السابق، محمد نصر الدين علام، عن "عدم تفاؤله بالمفاوضات"، ووصف الإعلان عن بدء مفاوضات سد النهضة في القاهرة بـ"المفاجئ".
وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "ليس هناك برنامج زمني معلن للوصول إلى اتفاق خلال المدة المتفق عليها وهي 4 أشهر، إذ بدأت المفاوضات بعد انتهاء إثيوبيا تقريباً من الملء الرابع للسد، من دون مشاورات أو حتى تبادل للمعلومات". وحول إمكانية نجاح المفاوضات، قال علام إنه "ليست هناك مؤشرات على أرض الواقع، وليس هناك جديد حول تراجع إثيوبيا عن مواقفها المتعنتة. ولا جديد أيضاً يشير إلى تراجع الغرب عن الضغط على مصر"، مستشهداً بحراك جنوب السودان في الأيام الأخيرة والحرب الدائرة في السودان منذ 15 إبريل/نيسان الماضي.
يذكر أن المفاوضات بين الدول الثلاث متوقفة منذ إبريل 2021، بعد عدة جلسات عقدت على مدار أيام في كينشاسا، عاصمة الكونغو الديمقراطية، فشلت في تحقيق أي تقدم نحو حل أزمة السد.
خطوة متأخرة
من جانبه، اعتبر أستاذ المياه والجيولوجيا بجامعة القاهرة، عباس شراقي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "خطوة انطلاق المفاوضات جاءت متأخرة للغاية، إذ تأتي بعد أكثر من 40 يوماً من اتفاق الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد على استكمال المفاوضات في القاهرة".
وأضاف أن "هناك حالة من الغموض تكتنف استئناف المفاوضات"، لافتاً إلى أن "الإعلان في حد ذاته مثير للتساؤلات". وسأل: "لماذا لم يتم الإعلان قبلها على استئناف المفاوضات في موعد محدد، وليس في نفس اليوم الذي تجتمع فيه الوفود الثلاثة، وما هي طبيعة الجولة الجديدة من المفاوضات، وهل ستشهد حضور الاتحاد الأفريقي، أو ستكون تحت مظلته أم لا، وكذلك هل ستشهد مشاركة أي جهة دولية أم لا"، معتبراً أن "مصر كانت تطالب بدور للمؤسسات الدولية المعنية، لتكون ضامنة للمخرجات".
عباس شراقي: خطوة انطلاق المفاوضات جاءت متأخرة للغاية
وشدّد شراقي على "ضرورة استئناف المفاوضات، استكمالاً لما تم في واشنطن وعدم البدء من الصفر، لعدم إضاعة الوقت، أو منح الفرصة لأديس أبابا لممارسة لعبة المماطلة وإضاعة الوقت". وعلى المستوى الفني، أكد "أهمية التوصل إلى اتفاق بشأن أزمة السد، لضمان تجنب الأزمات والآثار السلبية خلال عمليات الملء المقبلة والتشغيل".
في السياق نفسه، كتب شراقي على حسابه الشخصي بموقع فيسبوك تعليقاً على صورة من موقع السد: "إحدى الصور الحقلية النادرة فى الفترة الأخيرة، أظهرت من موقع سد النهضة مستوى البحيرة أمام السد والممر الأوسط".
ورأى أنه "يبدو أن المتبقى عدة أمتار للوصول إلى منسوب الممر الأوسط الذى يتضح أنه حوالى 620 - 621 متراً فوق سطح البحر، ولم يصل إلى 625 متراً، الحد الأقصى للتوقعات، وبالتالي خلال عدة أيام سينتهي التخزين عند عبور المياه أعلى الممر الأوسط قبل نهاية الشهر الحالي مع تخزين حوالى 19 مليار متر مكعب، بالاضافة إلى 17 مليار متر مكعب، هي إجمالي التخزينات الثلاثة السابقة، ليصبح حجم البحيرة 36 مليار متر مكعب".
وتابع شراقي أن "معدل الأمطار في حوض النيل الأزرق حول معدله الطبيعي، بمتوسط 500 مليون متر مكعب في اليوم خلال شهر أغسطس، وسينخفض الأيام القادمة إلى متوسط 400 مليون متر مكعب في اليوم حتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول المقبل". ودعا شراقي المسؤولين في السودان إلى "الاستعداد لاستقبال مياه الفيضان لأول مرة هذا العام بعد تأخير دام شهرين كاملين".
وكانت مصادر مصرية كشفت في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، وصول "تطمينات من دولة الإمارات التي ترعى الوساطة بين القاهرة والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى بشأن أزمة السد".