تبادل السجناء بين طهران وواشنطن.. إليك أبرز الصفقات

18 سبتمبر 2023
السفارة الأميركية السابقة بطهران والتي تحولت لمتحف مناهض لواشنطن (وحيد سالمي/أسوشييتد برس)
+ الخط -

تصل صفقة تبادل السجناء بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، التي أعلن الطرفان التوصل إليها في 10 أغسطس/آب الماضي، لمراحلها الأخيرة اليوم الاثنين، ويأتي ذلك بالتزامن مع وصول وفد إيراني على رأسه الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبموجب هذه الصفقة ستفرج إيران عن خمسة سجناء أميركيين من أصول إيرانية، مقابل إفراج الولايات المتحدة عن خمسة سجناء إيرانيين فضلاً عن تحرير ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية.

ولا يستبعد مراقبون أن تشكل الصفقة مدخلاً لتفعيل المفاوضات النووية المتعثرة بين طهران وواشنطن رغم وجود شكوك بتأثير هذه الصفقة على المفاوضات، وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، الاثنين، إن "هناك إمكانية لإجراء حوارات غير مباشرة (مع واشنطن) بشأن المفاوضات (النووية) الرامية إلى رفع العقوبات على هامش اجتماعات الجمعية".

تبادل سجناء.. وأموال

رغم العلاقات المتوترة بين واشنطن وإيران إلا أنهما تمكنتا من إنجاز عدة صفقات تبادل السجناء، ولكنها لم تكن مجرد تبادل للسجناء حيث شملت الإفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة في الخارج بفعل العقوبات الأميركية إذ تنظر إيران إلى ذلك كمدخل مهم للإفراج عن أرصدتها المجمدة في الخارج.

ولم تكتمل حلقات الصفقة الحالية التنفيذية إلا بعدما تأكدت طهران من تحويل أموالها المجمدة في كوريا الجنوبية، ستة مليارات دولار، إلى حسابات إيرانية في قطر.

واشتراط طهران الإفراج عن أرصدتها في صفقات تبادل السجناء، عرّضها لاتهامات غربية وأميركية بأنها تأخذ المواطنين الغربيين والأميركيين وذوي الجنسية المزدوجة كرهائن لقاء الحصول على أموالها المجمدة في الخارج، غير أن السلطات الإيرانية ترفض هذه التهم وتقول إن تبادل السجناء والإفراج عن الأرصدة المجمدة ملفان منفصلان.

وفيما كانت طهران في بعض الصفقات السابقة تحصل على أرصدة مجمدة لها في الخارج نقداً، إلا أنها لن تحصل هذه المرة على أموالها المفرج عنها نقداً بسبب العقوبات الأميركية المشددة التي تتعرض لها، لكن الأموال ستودع في حسابات في قطر ويمكن لإيران وفق آلية محددة شراء سلع غير محظورة.

وتحول ملف الأرصدة المجمدة في السنوات الأخيرة إلى عنوان تفاوضي على طاولة المفاوضات الأميركية الإيرانية، سواء تلك الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 أو المباحثات الجارية بشأن تبادل السجناء التي تشترط فيها طهران الإفراج عن مليارات الدولارات مقابل الموافقة على صفقة التبادل.

وسيط جديد في صفقات التبادل

وشهدت صفقة تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة الحالية حضور وسيط ولاعب جديد هو قطر، التي لعبت دوراً مهماً في هذا الملف الإنساني فجهودها ساهمت بقوة في إبرام الصفقة، بعد أكثر من عامين من المفاوضات الماراثونية، واحتضنت الدوحة عدة جولات تفاوضية مهمة بين الوفود الإيرانية والأميركية وخاصة بشأن الشق المالي للصفقة. وإلى جانب دولة قطر لعبت سلطنة عمان، أيضاً، دور الوساطة بين الطرفين في إنجاز هذه الصفقة.

وجاء دخول قطر على خط الوساطة بين الجانبين الإيراني والأميركي في ملف تبادل السجناء بغية خفض التوترات في المنطقة، فيما كان هذا الدور سابقاً يقتصر على سلطنة عمان، الوسيط التاريخي بين إيران والولايات المتحدة منذ عقود بحكم علاقاتها الوطيدة مع الطرفين، فضلاً عن سويسرا التي ترعى سفارتها في طهران المصالح الأميركية في إيران.

وفي ما يخص الدور القطري في الصفقة الأخيرة، قال تقرير سابق لوكالة رويترز إن الدوحة لعبت دوراً محورياً خلال المفاوضات بين الخصمين اللدودين، مشيراً إلى أنها احتضنت ثماني جولات من المحادثات شارك فيها مفاوضون عن الجانبين الأميركي والإيراني كانوا يقيمون في فنادق مختلفة، وجرت مفاوضات غير مباشرة بينهم عبر الوساطة القطرية، وكشف التقرير أن جولات المحادثات الأولى تضمنت أساساً الملف النووي الشائك، قبل أن تتركز في الأخير على تبادل السجناء.

تاريخ الصفقات

ويحتل ملف المعتقلين بين إيران والغرب، وتحديداً مع الولايات المتحدة الأميركية، مساحة مهمة في الصراع الإيراني الغربي منذ 44 عاماً بعد احتلال الثوار الإيرانيين مقر السفارة الأميركية في طهران في 1979 واعتقال 52 دبلوماسياً أميركياً، الذي استمر 444 يوماً.

وظل ملف السجناء حاضراً على أجندة الصراع طوال العقود الأربعة الماضية، إلا أن العقد الأخير، خصوصاً بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في 8 مايو/أيار 2018، شهد تصاعداً لافتاً في الاعتقالات، سواء لمواطنين إيرانيين في الغرب بتهمة الالتفاف على العقوبات الأميركية، أو لمواطنين غربيين ومزدوجي الجنسية في إيران بتهمة التجسس والإضرار بالأمن القومي الإيراني.

وشهد ملف السجناء بين حين وآخر انفراجات عبر صفقات ومساومات مهمة بين إيران ودول غربية، بينها الولايات المتحدة، كان أهمها هو ما تم بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015.

ويشكّل السجناء مزدوجو الجنسية معظم السجناء الأجانب المحكومين بتهم أمنية في إيران، لكن السلطات الإيرانية لا تعتبرهم "أجانب"، لأنها لا تعترف بالجنسية الثانية لمواطنيها، غير أنها وافقت، رغم ذلك، على الإفراج عن بعضهم خلال السنوات الماضية في إطار صفقات تبادل مع الولايات المتحدة وأخرى مع دول أوروبية من بينها بريطانيا.

بالإضافة للصفقة الحالية أنجزت طهران وواشنطن 4 صفقات لتبادل السجناء منذ عام 2016 هي:

صفقة يناير 2016

أُبرمت بين طهران وواشنطن في عهد إدارة باراك أوباما في 16 يناير/ كانون الثاني 2016، وهي أكبر صفقة تبادل بين البلدين. وأفرجت إيران فيها عن خمسة مواطنين أميركيين، أربعة منهم من أصول إيرانية، كانوا معتقلين بتهمة التجسس وهم: مدير مكتب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في طهران، جيسون رضائيان، الذي كان أبرز المفرج عنهم وقضى 18 شهراً في السجن، والقس الإيراني الأميركي سعيد عابديني، والعسكري السابق في الجيش الأميركي أمير حكمتي، والتاجر الإيراني الأميركي نصرت الله خسروي رودسري، والطالب الأميركي مات تريفيثيك.

في المقابل، أفرجت الولايات المتحدة عن سبعة مواطنين إيرانيين، كانت اعتقلتهم بتهمة الالتفاف على العقوبات، وهم: نادر مدانلو، بهرام مكانيك، خسرو أفقهي، أرس قرماني، تورج فريدي، نيما غلستانه وعلي صابونجي. بالإضافة لاستلام طهران مليارا و700 مليون دولار نقداً، كان جزءاً من المدفوعات الإيرانية وأرباحها إبان الحكم الملكي لقاء صفقات شراء أسلحة أميركية ألغيت بعد الثورة.

ونُفذت هذه الصفقة بالتزامن مع بدء تطبيق الاتفاق النووي خلال يناير/ كانون الثاني عام 2016 بعد أشهر من إبرامه في يوليو/ تموز 2015، ما طرح فرضية أن الصفقة ربما كانت جزءاً من التفاهمات الأميركية الإيرانية الشفهية، ورافقت الصفقة النووية.

وخلال حملته الانتخابية، في 2016، وجّه ترامب انتقادات حادة إلى صفقة التبادل هذه بين إدارة أوباما والحكومة الإيرانية، معتبراً أن دفع مبالغ مالية كبيرة لإيران كان بمثابة الرضوخ لـ"ابتزازها"، واصفاً خطوة سلفه بأنها "مخجلة".

صفقة ديسمبر 2019

أُبرمت الصفقة في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2019 بين طهران وواشنطن برعاية سويسرية، وهي أول صفقة تبادل سجناء بين الطرفين في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وبموجب هذه الصفقة، أطلقت واشنطن سراح الأكاديمي الإيراني مسعود سليماني مقابل إفراج طهران عن الباحث الأميركي شيوي وانغ.

وسليماني عالم بارز في علوم الدم والخلايا الجذعية، كان معتقلاً في الولايات المتحدة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2018، بتهمة الالتفاف على العقوبات الأميركية. ووانغ باحث من أصل صيني، اعتقلته طهران عام 2017 في طهران بتهمة التجسس، وحكم عليه بالسجن لعشر سنوات.

صفقة يونيو 2020

أفرجت إيران في 5 يونيو/ حزيران 2020 عن الجندي الأميركي السابق مايكل وايت، مقابل إفراج واشنطن عن العالمين الإيرانيين مجيد طاهري وسيروس عسكري.

ووايت كان عسكرياً سابقاً في سلاح البحرية الأميركية وصدر بحقه حكم بالحبس عشرة أعوام، بتهمة "إهانة قائد الثورة الإسلامية" في إيران و"نشر صور خاصة له" على شبكات التواصل، بحسب وسائل إعلام إيرانية. إلا أن القضاء الإيراني، الذي أعلن الحكم في 11 مارس/ آذار 2019، أشار إلى أن وايت يواجه اتهامات أمنية من النيابة العامة، وشكاوى من جهات خاصة، وأن الحكم عليه صدر على أساس تلك التهم والشكاوى، من دون توضيح طبيعتها.

واعتُقل المواطن الإيراني سيروس عسكري، 59 عاماً، المتخصص في هندسة المواد، في عام 2016 في الولايات المتحدة وحوكم بتهمة "سرقة الأسرار التجارية" من جامعة أوهايو، إلا أن حكماً ببراءته صدر خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكنه بقي قيد الاعتقال بسبب عدم امتلاكه الإقامة القانونية بعد إبطال تأشيرته من قبل إدارة الهجرة الأميركية.

أما مجيد طاهري، فهو طبيب إيراني، عاش في الولايات المتحدة 33 عاماً قبل أن يُعتقل فيها مطلع عام 2019 بتهمة مساعدة طهران في الالتفاف على العقوبات الأميركية.

صفقة سبتمبر/أيلول 2023

توصلت الولايات المتحدة وإيران، في 11 أغسطس/أب الماضي، عبر وساطة دولة قطر وسلطنة عمان استمرت عامين إلى اتفاق يقضي بالإفراج عن خمسة أميركيين مسجونين في إيران، مقابل الإفراج عن خمسة إيرانيين مسجونين في الولايات المتحدة بتهمة مساعدة طهران على الالتفاف على العقوبات الأميركية، والإفراج عن 6 مليارات دولارات أرصدة إيرانية مجمدة لدى كوريا الجنوبية.

وكمرحلة أولى لتنفيذ الاتفاق، سمحت إيران في 11 أغسطس لأربعة أميركيين محتجزين لديها بالانتقال من سجن إيفين إلى الإقامة الجبرية، المحتجز الأميركي الخامس كان رهن الإقامة الجبرية في المنزل بالفعل، ومن الطرف الآخر بدأت عملية نقل الأرصدة الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية إلى اليورو في سويسرا لتحول لاحقاً إلى حسابات في قطر، قبل أن تنتهي العملية اليوم الاثنين ليتمكن الجانب الإيراني من الوصول إلى أمواله على أن تنفق لشراء سلع غير محظورة في العقوبات الأميركية وفق الآليات المالية الفنية المتفق عليها بين طهران وواشنطن بواسطة الدوحة.

والسجناء الأميركيون من الأصول الإيرانية الذين ستفرج عنهم طهران، هم: سيامك نمازي المعتقل منذ عام 2015، علماً أنه تم الإفراج عن والده المسن محمد باقر نمازي قبل عام، والتاجر الإيراني اليهودي مراد طاهباز المعتقل منذ 2018، وعماد شرقي، هو تاجر إيراني أميركي تم اعتقاله في 2018. ولم تذكر بعد هوية الأميركيين الآخرين الاثنين اللذين سيتم اليوم الإفراج عنهما ولا تاريخ اعتقالهما.

أما الإيرانيون الخمسة الذين سيفرج عنهم، فهم: لطف الله كاوه أفراسيابي، ومهرداد معين أنصاري، ورضا سرهنك بور كفراني، وأمين حسن زادة، وكامبيز عطار كاشاني.

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، اليوم الاثنين، أن اثنين من الإيرانيين الخمسة سيعودان إلى إيران بناء على رغبتهما وشخصا ثالثا سيغادر أميركا إلى بلد آخر حيث تقطن فيه أسرته، فضلاً عن أن الإيرانيين الآخرين سيبقيان في الولايات المتحدة.

المساهمون