تبادل الاتهامات بين القاهرة وباريس بشأن قضية المبادرة المصرية للحقوق الشخصية

18 نوفمبر 2020
توسع النظام المصري الحالي في قمع الحقوقيين (Getty)
+ الخط -

تصاعدت أزمة إلقاء القبض على المدير الإداري للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية محمد بشير، ووصلت إلى ما يشبه حرب البيانات بين باريس والقاهرة، إذ ردت وزارة الخارجية المصرية على بيان نظيرتها الفرنسية، الذي قال إن باريس تجري حواراً صريحاً وحازماً مع السُلطات المصريّة في مجال حقوق الإنسان.

وقالت الخارجية المصرية في بيان تعقيباً على البيان الصحافي الصادر عن وزارة الخارجية الفرنسية بشأن واقعة القبض على المدير الإداري للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إنها "ترفض ما تضمنه البيان الفرنسي من تدخل في شأن داخلي مصري ومحاولة التأثير على التحقيقات التي تجريها النيابة العامة مع مواطن مصري تم توجيه اتهام له اتصالا بإحدى القضايا المنظورة أمام القضاء المصري، وهو المبدأ الذي تلتزم به مصر من حيث الامتناع عن التدخل في أو التعليق على الإجراءات التي تتخذها سلطات إنفاذ القانون في الدول الأخرى بما فيها فرنسا".

وأعرب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أحمد حافظ عن "الأسف لعدم احترام البيان الصادر عن وزارة الخارجية الفرنسية للقوانين المصرية، ودفاعه عن كيان يعمل بشكل غير شرعي في مجال العمل الأهلي، في ضوء أن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مسجلة كشركة وتمارس أنشطة أخرى بالمخالفة لما يقضي به القانون رقم 149 لسنة 2019 من خضوع نشاطها لولايته"، على حد وصف البيان المصري.

كما شدد حافظ على أن الدولة المصرية "تحترم مبدأي سيادة القانون والمساواة أمامه، وأن العمل في أي من المجالات يجب أن يكون على النحو الذي تنظمه القوانين المطبقة وتتم محاسبة من يخالفها"، وأكد على عدم تمتع أي فئة من الأشخاص بحصانة لعملها في مجال محدد. كما أشار حافظ إلى "ضرورة احترام مبدأي السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية اللذين نص عليهما القانون الدولي الذي يحكم العلاقات بين الدول".

كانت فرنسا قد أعربت عن "قلقها العميق على أثر اعتقال المدير الإداري للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية محمد بشير". وقال بيان للخارجية الفرنسية إن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تلتزم بترويج حقوق الإنسان في مصر".

وقال البيان إن فرنسا "تُجري حواراً صريحاً وحازماً مع السُلطات المصريّة في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك بعض الحالات الفردية. وتعتزم فرنسا مواصلة هذا الحوار، وكذلك التزامها بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم".

وبعد ثلاثة أيام من إلقاء القبض على مديرها التنفيذي محمد بشير، أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (منظمة مجتمع مدني مصرية)، إلقاء القبض على كريم عنارة، مدير وحدة العدالة الجنائية بالمبادرة المصرية، على يد قوة من الأمن الوطني أثناء قضائه عطلة بدهب في جنوب سيناء، واقتياده إلى جهة غير معلومة في الثانية من بعد ظهر اليوم، الأربعاء.

ويوم الأحد، 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أنّه في تصعيد غير مسبوق، لم تواجهه قبلاً، توجّهت قوة أمنية إلى منزل المدير الإداري بالمبادرة المصرية محمد بشير، واحتجزته لمدة تقارب الـ12 ساعة في أحد مقار قطاع الأمن الوطني، قبل ظهوره في نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس. وباشرت النيابة التحقيق مع محمد بشير، حيث وجهت له عدداً من الأسئلة، دارت كلّها حول طبيعة نشاط المبادرة وإصداراتها الأخيرة، وعملها في مجال الدعم القانوني. وركّزت الأسئلة داخل مقر الأمن الوطني بشكل خاص، على زيارة عدد من السفراء المعتمدين بمصر لمقر المبادرة المصرية، يوم الثلاثاء، الموافق 3 نوفمبر الجاري، في لقاء ناقش سبل دعم أوضاع حقوق الإنسان في مصر وحول العالم.

ووجّهت النيابة لمحمد بشير، في وقت متأخر من يوم إلقاء القبض عليه، اتهامات بـ"الانضمام لجماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، واستخدام حساب خاص على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، بهدف نشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام، وارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب، وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام والإضرار بالمصلحة الوطنية".

ولم تواجه النيابة محمد بشير بتحريات يعتد بها، واكتفت بالإشارة إلى ما سمّته "تحقّقها من مشاركته في تحرّك يهدف لنشر أخبار كاذبة وشائعات مغرضة"، حسب بيان المبادرة.

وأدانت منظمة العفو الدولية (أمنستي)، اعتقال السلطات المصرية مدير وحدة العدالة الجنائية في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" كريم عنارة، الأربعاء، أثناء قضاء عطلة في منتجع دهب بمحافظة جنوب سيناء، واحتجازه بواسطة جهاز الأمن الوطني في مكان غير معلوم حتى الآن، وذلك بعد ثلاثة أيام من إلقاء القبض على المدير الإداري للمبادرة محمد بشير.

وقالت المنظمة في بيان، إن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي يواصل التصعيد الشرس إزاء قمع المجتمع المدني المصري، لا سيما بعد احتجاز بشير على خلفية اتهامات متعلقة بـ"الإرهاب"، ولا أساس لها من الصحة، مستطردة بأنه "أحيل إلى نيابة أمن الدولة بعد احتجاز استمر 12 ساعة بمقر جهاز الأمن الوطني، والتي قررت حبسه 15 يوماً".

وأضافت: "هذه الاعتقالات تمثل ضربة قوية للعمل الشرعي للمدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، على خلفية لقاء جمع بعض الدبلوماسيين الغربيين مع أعضاء المبادرة"، داعية منظمات المجتمع المدني إلى مطالبة السلطات المصرية بإنهاء قمع منظمات حقوق الإنسان، وسرعة إطلاق سراح العاملين في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

وفي التفاصيل، علم "العربي الجديد" أنّ استهداف قيادات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية يرجع إلى استضافتها حوالي 15 سفيراً من دول أوروبية خلال الأسبوع الماضي، وبعد الانتخابات الرئاسية الأميركية مباشرة.

لكن مسلسل استهداف الحقوقيين بدأ منذ سنوات في مصر، منذ فتح القضية رقم 173 المعروفة بـ"التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني- شق المنظمات الأجنبية"، والتي تعود وقائعها إلى عام 2011، للتحقيق في تمويل منظمات محلية وأجنبية، بعد 5 أشهر من سقوط الرئيس المخلوع حسني مبارك، والذي أدى بالفعل إلى إدانة وإغلاق مكاتب 5 منظمات دولية غير حكومية في مصر.

وتوسّع النظام العسكري الحاكم بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني في استهداف الحقوقيين، وأكمل مسيرته الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي شهد عهده منذ اعتلائه سدّة الحكم في 2014، العديد من الانتهاكات التي تعرّض لها المدافعون عن حقوق الإنسان في مصر، وتعدّدت بين سجن ومنع من السفر واعتداءات بدنية وتهديدات، وحملات تشويه إعلامية.

ففي سبتمبر/أيلول 2014، أدخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تعديلات على قانون العقوبات، تشدّد العقوبة على تلقي الأموال من مصادر أجنبية بهدف "الإضرار بالمصلحة القومية".

وإزاء الشجب الدولي لهذه التدابير، تراجعت الحكومة عن قرارها القاضي بالحلّ الفوري لسائر المنظمات التي تنفذ أنشطة متصلة بالمجتمع المدني، من دون أن تكون مسجّلة في أواخر العام 2014، ولكنها عادت مجدداً لتنفيذ تلك التدابير، ولكن هذه المرة بشكل مبطن قانونياً وأقلّ وضوحاً.

ثم منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام، أعادت الحكومة المصرية فتح القضية رقم 173 لسنة 2011 والمعروفة إعلامياً باسم "قضية تمويل المجتمع المدني"، والتي تمّ بموجبها استدعاء العديد من العاملين في منظمات غير حكومية لحقوق الإنسان، والتحفّظ على أموالهم ومصادرة ممتلكاتهم ومنعهم من السفر إلى خارج البلاد.

وكذلك ضمّت السلطات المصرية مجموعة كبيرة من الحقوقيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان على ذمة عدة قضايا، بتهم تمويل الإرهاب والانضمام لجماعات محظورة وغيرها، وأبرزها القضية رقم855 لسنة 2020 أمن دولة.

وحسبما رصدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية)، فإنه في الفترة من نهاية 2018 إلى نهاية 2019 فقط، كان السجن في مقدمة الانتهاكات ضد المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، وكذلك المنع من السفر والتحفظ على الأموال والاعتداءات البدنية، فضلاً عن التشهير والتهديدات العلنية بالقتل، والحبس الاحتياطي، بل والاختفاء القسري وغيرها.

المساهمون