بين نتنياهو وديغول... يخلق من الشبه

27 ديسمبر 2023
من تظاهرة دعماً لغزة في تولوز الفرنسية، نوفمبر الماضي (Getty)
+ الخط -

تسليماً يأخذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين الشبه في كل المنطلقات التي تأسس عليها المشروع الاستعماري، سياسياً ودينياً، ومظاهر الاستيطان والأبعاد المرتبطة بتدمير الهوية وتحويل طبيعة الأرض، من الاحتلال الفرنسي للجزائر، وسبحان الله يأخذ بنيامين نتنياهو كثيراً من الشبه من شارل ديغول. أوجه الشبه كثيرة بين وجهين من أبرز العلامات السوداء للمشروع الكولونيالي الظلامي مع فارق الزمن والسياقات، خصوصاً على صعيد التعامل مع الشعوب المقاومة. ومثلما وعد ديغول الفرنسيين بالقضاء على ثورة الجزائر في غضون فترة قصيرة ووسم الثوار بالإرهابيين وقاد حملة لترهيب الدول التي تبدي تعاوناً مع ثوار الجزائر، وعد نتنياهو بالقضاء على المقاومة وتفكيك بنيتها. لكن الوقائع تحدث بخلاف ذلك، تقضم المقاومة لسان نتنياهو طرفاً طرفاً على مهل وتقضي على مساره السياسي، وتغذي عوامل تفكك المجتمع الإسرائيلي.

في أكتوبر/ تشرين الأول 1958، والثورة في عامها الرابع، اقترح ديغول على ثوار الجزائر مشروع "سلم الشجعان" لتسليم الأسلحة مقابل الصفح. كان يعتقد يومها، مثلما يعتقد نتنياهو في وضعه القائم، أن المقاومة تختنق، وأن عرضاً سياسياً مثل هذا يمكن أن يمنح الاحتلال فرصة مناورة ومحاولة للهروب من واقع هزيمة ماحقة، لذلك لم يكن غريباً أن يتحدث نتنياهو مخاطباً عناصر المقاومة: "لا تموتوا من أجل يحيى السنوار، سلموا أنفسكم الآن".

يستخدم نتنياهو أسلوب المعلم الأول نفسه، وإذا كان من عنوان يعرف به ديغول في الجزائر فهو "الأرض المحروقة"، وهي عنوان لسياسة تعتمد على حرق وتدمير كل مقومات الحياة لدى الشعب الجزائري في المدن والأرياف، وحرق كل ما يجده الاستعمار في طريقه، والطريقة نفسها التي يستخدمها نتنياهو بهمجية بالغة مع الفلسطينيين في قطاع غزة خاصة، لكن تلك السياسة هي التي أحرقت أصابع الاحتلال وأطرافه، وهي التي ستحرق أصابع نتنياهو، بعدما أحرقت صورة الكيان وأظهرت وجهه البشع على نحو غير مسبوق دمر سردياته الكاذبة التي عاشت في العقل الغربي خاصة لعقود.     

ومثلما ألقى ديغول بنفسه إلى حاضنة المعمرين (المستوطنين) وغلاتهم المستمسكين بالجنة الجزائرية (الجزائر الفرنسية)، وأعماه تطرفهم عن رؤية الحقائق حتى وضع الجمهورية الفرنسية على حافة الانهيار، وعلى مشارف حرب داخلية بعد التمرد العسكري الشهير (لجنرالات الجيش الفرنسي بسبب الجزائر) على ديغول في إبريل/ نيسان 1961، يسكن نتنياهو على النسق نفسه بيت المتطرفين ويحتمي بغلاة اليمينيين والمجموعات الدينية التي تنكر الوجود الفلسطيني، والنتيجة هي هذا الانقسام الذي يعزز كل أسباب الهشاشة في منظومة الكيان (بيت العنكبوت).

يقرأ نتنياهو من كتاب ديغول، لكن كتاب ديغول ينتهي في صفحته الأخيرة إلى الاستسلام للأمر الواقع والقبول بالحقائق والتفاوض مع جبهة التحرير التي انتزعت منه استقلال الجزائر بالقوة، يمكن لنتنياهو أن يذهب إلى الصفحة الأخيرة مباشرة بدون مكابرة وإضاعة مزيد من الوقت، العبرة بالنهايات، والنهايات انتصار المقاومة معنى ومبنى وزوال الاحتلال لا محالة. 

المساهمون