- إيفانيشفيلي يثير الجدل بإحيائه لمشروع قانون "مكافحة التأثير الأجنبي" المستوحى من النموذج الروسي في ربيع 2024، مما يعكس توجهاته المناهضة للغرب ويهدد طموحات جورجيا الأوروبية.
- على الرغم من الاحتجاجات والنقد، يؤكد إيفانيشفيلي على هدف انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي بحلول 2030، محاولًا تحقيق توازن بين العلاقات مع موسكو وبروكسل، ولكن سياساته تثير القلق بشأن مستقبل البلاد الأوروبي.
يمسك الملياردير بيدزينا إيفانيشفيلي بمقاليد السلطة في جورجيا منذ أكثر من عقد، لا سيما أنه مؤسس حزب "الحلم الجورجي" الحاكم في البلاد، معزّزاً بذلك العلاقات مع روسيا على رغم اجتياحها بلاده قبل أعوام، وواعداً في الوقت عينه بمستقبل لتبيليسي في الاتحاد الأوروبي.
في ربيع 2024، صنّف بيدزينا إيفانيشفيلي المنظمات غير الحكومية بمثابة أعداء في الداخل، وأحيا مشروع قانون لمكافحة "التأثير الأجنبي" كان قد تمّ التخلي عنه العام الماضي بسبب الجدل الواسع الذي أثاره، وهو مستوحى من إجراء مماثل اعتمدته روسيا. وأشعلت إعادة طرح القانون فتيل احتجاجات واسعة في تبيليسي، مع توقع نزول الآلاف مجدداً إلى شوارع العاصمة، السبت، مع مضي البرلمان في الإجراءات الكفيلة بتحويل المشروع قانوناً.
جمع إيفانيشفيلي المولود لأسرة فقيرة في ريف جورجيا ثروته في روسيا، مستغلاً الفوضى التي شهدتها في التسعينات إثر سقوط الاتحاد السوفييتي، قبل أن يعود إلى بلاده حيث دخل المعترك السياسي. ولا يحبذّ ابن التاسعة والستين عاماً والمقدرة ثروته بـ4,9 مليارات دولار الأضواء، لكن ينظر إليه على أنه الممسك بزمام الأمور من الكواليس.
تفوّق في الانتخابات التشريعية لعام 2012، لكنه تخلّى عن رئاسة الوزراء في العام التالي. وعلى الرغم من عدم توليه أي منصب رسمي منذ ذلك الحين، إلا أنه يهيمن على حزب "الحلم الجورجي" الحاكم، وينظر إليه منذ أعوام على أنه هو من يختار بعناية، كل من خلفوه في زعامة الحزب ورئاسة الوزراء.
في العام الماضي، اختير "رئيساً فخرياً" للحزب، في منصب جديد لا يدع مجالاً للشك حيال إمساكه المحكم بتسمية مرشح الحزب لرئاسة الحكومة. وأثارت عودته إلى الواجهة قلقاً من أنه يدفع بجورجيا بعيداً من طموح الغالبية الشعبية بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لا سيما أنه لم يقم بإدانة غزو روسيا لأوكرانيا، على الرغم من أن بلاده واجهت المصير ذاته في عام 2008.
خطاب بيدزينا إيفانيشفيلي المناهض للغرب
وعلى الرغم من أن تبيليسي أصبحت ملاذاً للروس المعارضين للكرملين، إلا أنها تواجه اتهامات بالتقارب سياسياً مع موسكو واستنساخ بعض إجراءاتها القمعية. ويبدو بيدزينا إيفانيشفيلي مصمّماً على إقرار قانون "التأثير الأجنبي" على الرغم من المعارضة الواسعة له، والمخاطرة بالتالي بطموح الجورجيين إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعد الانتقادات القارية لهذا المشروع.
في خطوة نادرة، أدلى إيفانيشفيلي بخطاب في إبريل/ نيسان الماضي، دافع خلاله بقوة عن مشروع القانون ووجه انتقادات لمواقف الأطراف الغربية منه. كما انتقد المنظمات غير الحكومية، واصفاً إياها بـ"نخبة زائفة ترعاها دولة أجنبية"، وحمّل الدول الغربية المسؤولية عن غزو روسيا لبلاده في 2008 ولأوكرانيا في 2022. واعتبر أن الغرب هو "الحزب الدولي للحرب".
رأى المراقبون في الخطاب لمحة عن منهج بيدزينا إيفانيشفيلي، والذي يبقى أقرب إلى لغز داخل جورجيا وخارجها. وقالت الباحثة بالشأن الجورجي في مركز تشاتم هاوس، ناتاني سابانادزي، إن إيفانيشفيلي "يبقى دائماً في الكواليس. من النادر أن يظهر في العلن"، مضيفة "ثمة سردية ناجحة مفادها القول للناس: انظروا.. نحن نحافظ على الأمن والاستقرار"، في ترداد لخطاب الكرملين.
وخلال المظاهرات التي تشهدها تيبليسي، قال الناشط آفتانديل كوبيتسيا (26 عاماً) لـ"العربي الجديد": "كل ما ورد في خطاب بيدزينا إيفانيشفيلي كان انعكاساً للسياسات الروسية في المنطقة". أما الناشطة إيليني فيشاغوري (24 عاماً) فقالت: "إيفانيشفيلي يستخدم سلطته للحيلولة دون انضمام بلادنا إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا حلمنا، نحن الجورجيين، إنه شريك لبوتين، ونحن لا نريد العودة إلى هيمنة جلاوزة الاتحاد السوفييتي".
دخل مسؤولون جورجيون في جدالات علنية مع كييف الحليفة السابقة لتبيليسي، على الرغم من أن المزاج العام في بلادهم البالغ عدد سكانها 3,7 ملايين نسمة، مناهض لروسيا. ويؤكد إيفانيشفيلي أن هدفه يبقى انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي، ووعد بتحقيق ذلك "بحلول عام 2030".
وأثار مسعاه لتحقيق توازن دقيق بين العلاقة مع موسكو والتطلع إلى بروكسل، مقارنات مع الرئيس الأوكراني السابق، فيكتور يانوكوفيتش، الذي سار على الدرب ذاته بداية، قبل أن تهدّد سياسته العلاقة مع أوروبا. كما أثارت إعادة طرح مشروع قانون "التأثير الأجنبي" صدمة في جورجيا. وقال إيفانيشفيلي بهذا الصدد إن "القيام بالخطوة المناسبة في التوقيت المناسب هو الفن الأقصى في السياسة".
ويرى المحللون في ذلك تمهيداً للأرضية للانتخابات المقررة الخريف المقبل، ورهاناً من إيفانيشفيلي على أن يكون المتظاهرون قد تعبوا بحلول موعدها. ويسعى "الحلم الجورجي" إلى الفوز بالانتخابات للمرة الرابعة توالياً. وستجرى دورة أكتوبر/ تشرين الأول المقبل للمرة الأولى في ظل قانون تمثيل نسبي.
ومنذ تغلبه على غريمه ميخائيل سكاشفيلي في انتخابات 2012، يؤكد بيدزينا إيفانيشفيلي أن حكم حزبه ينقذ البلاد من الفوضى التي عرفتها في عهد سلفه. ويقبع سكاشفيلي في السجن منذ توقيفه بعيد عودته من المنفى عام 2021. ويعتقد نشطاء الحراك المناوئون لحزب الحلم الجورجي الحاكم، ولأوليغارشية بيدزينا إيفانيشفيلي، أن مصير بلادهم بات مرهوناً بيد الكرملين في موسكو، باعتبار أن إيفانيشفيلي محض دمية لبوتين.
(فرانس برس، العربي الجديد)