يدرك المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، جيّداً، أن تحقيق أي تقدم في أعمال اللجنة الدستورية السورية، والتي تجري في مدينة جنيف السويسرية، لا يمكن أن يتم من دون الحصول على دفعٍ من حلفاء النظام وعرابيه، الروس والإيرانيين على وجه التحديد. ولا يزال وفد النظام إلى "اللجنة" يعطّل أعمال جولاتها، بدفعٍ من حليفيه، للتلاعب في جدول هذه الجلسات، وكسب الوقت، بهدف الوصول إلى الانتخابات الرئاسية منتصف العام المقبل، من دون إتمام اللجنة لأعمالها بصياغة دستور جديد للبلاد. ولم يستطع المبعوث الأممي التوصل إلى اتفاق على تحديد موعد جولتين مقبلتين من أعمال اللجنة، من دون المباحثات التي أجراها في موسكو وأنقرة والقاهرة، واتصاله مع مسؤولي طهران في وقت سابق من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي. والواضح أن بيدرسن يسعى إلى تحقيق اختراق بمناقشة مضامين الدستور خلال الجولتين المقبلتين، الرابعة والخامسة، والأخيرة منهما على وجه التحديد، ما جعله يقصد موسكو وطهران مجدداً.
تتضمن الجولة الخامسة في يناير المواضيع والمضامين التي كانت المعارضة تطالب بنقاشها في الجولات الماضية
وكان الرئيس المشترك للجنة عن وفد المعارضة، هادي البحرة، قد أعلن قبل أيام، عن تحديد موعدين لأعمال الجولتين الرابعة والخامسة من أعمال اللجنة الدستورية في جنيف. وبحسب البحرة، فإن الجولة الرابعة ستعقد في اليوم الأخير من الشهر الحالي، وتستمر حتى الرابع من ديسمبر/كانون الأول المقبل، فيما قال إن موعد الجولة الخامسة سيكون في يناير/كانون الثاني 2021، وسيترك تحديد الموعد مرتبطاً بالترتيبات اللوجستية للجولة. والواضح أن النظام نجح في فرض وجهة نظره، باستمرار فرض أعمال الجولة الثالثة (الماضية) إلى الجولة الرابعة، في حين كان للمعارضة وحلفائها تحديد موعد جولة خامسة من أعمال اللجنة، يتضمن المواضيع والمضامين التي كانت تطالب بنقاشها المعارضة في الجولات الماضية.
وفي تصريح سابق له لـ"العربي الجديد" حول جدول أعمال الجولتين، قال البحرة إنه "في الدورة الرابعة، ستتم متابعة النقاش بنفس جدول أعمال الجولة الثالثة، الذي كان ينص على مناقشة الأسس والمبادئ الوطنية". أما جدول أعمال الدورة الخامسة، فأوضح أنه "سيكون اتساقاً مع ولاية اللجنة الدستورية والمعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية، حيث ستناقش الهيئة المصغرة للجنة المبادئ الدستورية (المبادئ الأساسية في الدستور)". وأوضح البحرة في معرض حديثه عن جدول أعمال الجولة الخامسة، أن نقاش "المبادئ الأساسية في الدستور"، يتعلق بـ"فصل كامل من الدستور، وتتضمن المبادئ السياسية والثقافية والاقتصادية، وسيتطلب نقاشها أكثر من دورة".
وزار بيدرسن يوم الخميس الماضي موسكو، حيث التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف. وعلى الرغم من أن زيارة بيدرسن هذه هدفها مناقشة سير أعمال اللجنة الدستورية، إلا أن المسؤولَين الروسيين عرجا على الحديث عن مؤتمر اللاجئين الذي عقد بدمشق في 11 و12 من الشهر الحالي، لأخذ نتائجه بعين الاعتبار ضمن مسار التسوية السياسية حيال سورية. وأشار بيان للخارجية الروسية عقب لقاء بيدرسن ببوغدانوف، إلى أنه جرى الحديث "عن تطور الوضع في سورية ومحيطها، وتمّ تركيز الاهتمام على قضايا تسوية الأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، بما في ذلك عمل اللجنة الدستورية السورية". وأضاف البيان أنه "جرى التأكيد على أهمية تكثيف الجهود الدولية على المساعدة في عودة اللاجئين السوريين، مع الأخذ بالاعتبار نتائج المؤتمر الدولي بهذا الشأن، الذي عقد في دمشق يومي 11 و12 نوفمبر".
زجّت كل من إيران وروسيا بمؤتمر اللاجئين خلال لقاءات بيدرسون لأخذه بالاعتبار ضمن أعمال اللجنة
من جهته، أكد لافروف خلال لقائه بيدرسن، على استمرار التسوية في سورية، على الرغم من فيروس كورونا. وأضاف لافروف في كلمة خلال اللقاء: "نرى أنه على الرغم من الصعوبات الموضوعية، وخصوصاً وباء كورونا، فإن عملية التسوية السورية ماضية قدماً. نحن كذلك نرى وجود ضرورة إضافية لتكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية سياسية، ونرى الخطوات التي تتخذونها لاستئناف أعمال اللجنة الدستورية بسرعة. ونأمل أن يتم تنفيذ الخطط التي اتفقنا عليها مع الأطراف السورية، بما فيها دمشق". وأشار الوزير الروسي كذلك إلى أنه "يتركز الاهتمام الآن بشكل تدريجي، على إعادة الحياة السلمية في البلاد، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين التي كُرّس من أجلها المؤتمر الدولي في دمشق".
وكان لبيدرسن محطة أخرى لترتيب أعمال الجولتين المقبلتين من اللجنة الدستورية، إذ زار أول من أمس السبت، طهران، حيث التقى كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني علي أصغر حاجي، الذي زجّ بدوره مؤتمر اللاجئين على طاولة بحثه مع بيدرسن، منتقداً المقاطعة الغربية للمؤتمر. وفي هذا الخصوص، قال أصغر حاجي إن "الدول الغربية جعلت احتواء الوضع الإنساني في سورية مشروطاً بتحقيق مآربها السياسية، وحاولت منع عقد المؤتمر الدولي للاجئين السوريين في دمشق". فيما أخذت اللجنة الدستورية الحيّز الأكبر من مباحثات بيدرسن والمسؤول الإيراني، وشرح الأول لمضيفه الترتيبات التي تمّ اتخاذها مع أعضاء اللجنة الدستورية السورية في ما يتعلق بجدول أعمال وتوقيت الاجتماعات المقبلة للجنة.
وربما تكون الجولتان المقبلتان من أعمال اللجنة، محطتين مفصليتين في مسيرتها لتحديد جدوى إكمال أعمالها من عدمها، لا سيما الجولة الخامسة التي أشير لها على أن أطراف اللجنة فيها، النظام والمعارضة والمجتمع المدني، سيضطلعون في مناقشة مضامين الدستور، بعد تعطيل النظام للجولات الثلاث الماضية، بفرض رؤيته بمناقشة ما سماها "المبادئ والثوابت الوطنية" بالإضافة لـ"الهوية الوطنية". وتلك مواضيع نجح النظام وحلفاؤه بنقلها إلى الجولة الرابعة بعد مماطلته في تحديد موعد الجولة بذريعة عدم إكمال مناقشتها. وسينتظر السوريون الجولة الخامسة، للتأكد فعلاً من أن النظام معني بإكمال المسار الدستوري بشكل جدّي أم لا. وفي حال استمر في المماطلة، ربما سيكون للولايات المتحدة وإدارتها الجديدة كلام آخر حيال مسار الحلّ السياسي في سورية، إلى جانب دول غربية حليفة لواشنطن، باتت أخيراً توجه أصابع الاتهام نحو النظام بتعطيل أعمال اللجنة، بهدف الوصول إلى الانتخابات الرئاسية وتجديد انتخاب رأس النظام بشار الأسد لولاية رئاسية مقبلة، بناء على الدستور الحالي، وهذا ما يعارضه الأوروبيون والولايات المتحدة والتوجه الأممي.