بيتا الفلسطينية... 100 يوم من المقاومة

14 اغسطس 2021
ينتظم عمل "الإرباك الليلي" في 10 وحدات ناشطة (فرانس برس)
+ الخط -

منذ 100 يوم، وبلدة بيتا الواقعة إلى الجنوب من مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، في جبهة مفتوحة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، خصوصاً في ساعات الليل. هناك تنفّذ ليلاً سلسلة من الأعمال المقاومة تحت مسمى "الإرباك الليلي"، أسوة بما كان يجري على حدود قطاع غزة، من أجل الضغط باتجاه إزالة البؤرة الاستيطانية المقامة على قمة جبل صبيح في البلدة، باسم "أفيتار". ومساء الخميس ــ الجمعة، أضاءت "وحدة المشاعل" التابعة لمجموعات "الإرباك الليلي" شعلة تحمل الرقم 100 وفاءً لدماء شهداء معركة تحرير الجبل، الذين زيّنت صورهم المنصة، واحتفاءً بوصول مقاومة بيتا إلى يومها المائة ضد إقامة البؤرة الاستيطانية.
ما إن يحل الظلام حتى تبدأ أصوات الانفجارات تعلو، مع التكبيرات والنداءات عبر مكبّرات الصوت في المساجد، وأعمدة اللهب والنيران تغطي السماء، بالتزامن مع تجمهر مئات الشبان ممن بات يُطلق عليهم اسم "حراس الجبل"، في كل الجهات المحيطة بجبل صبيح. هناك أقام المستوطنون قبل عدة أشهر بؤرة "أفيتار"، فكان القرار الجامع لأهالي بيتا، بالعمل بكل السبل على إزالة تلك البؤرة، ودفع المستوطنين إلى الاندحار، مهما كان الثمن.


سقط 7 شهداء وأكثر من 700 جريح في 100 يوم من النضال

الثمن كان غالياً، فقد قدمت بلدة بيتا ستة شهداء، هم: عماد دويكات، وشادي الشرفا، وأحمد بني شمسة، ومحمد سعيد حمايل، وزكريا حمايل وعيسى برهم، والشهيد السابع طارق صنوبر من قرية يتما القريبة، إضافة إلى أكثر من 700 مصاب، و45 معتقلاً، من بينهم جرحى. كذلك عانت بيتا من فرض حصار مشدّد عليها من قوات الاحتلال، التي كانت تأتي بالجرافات لإغلاق مداخل البلدة من كل الجهات لعزلها عن محيطها.

وحول هذه التطورات، يبدي الناشط حذيفة بدير في حديثٍ لـ"العربي الجديد" استعداد أهالي البلد للاستمرار "ألف يوم، وليس مائة فقط، بل مستعدون لمعركة طويلة، فهذا ليس غريباً على بيتا، التي نفخر فيها أننا قاومنا عام 1988 ضد إقامة مستوطنة على أراضي بلدتنا. حينها قتل المقاومون من أبناء البلدة عدداً من المستوطنين واستشهد ثلاثة منهم، وهدم الاحتلال مساكن ذويهم، لكن بقيت بيتا محررة ولم تقم في محيطها أي مستوطنة، واليوم لن نقبل بأفيتار، بل سنواصل مقاومتنا الشعبية".

ويوضح بدير أن عوامل استمرار المقاومة اليومية كثيرة، أبرزها الإصرار الذي يكمن في صدور الكبار قبل الصغار، ولدى النساء قبل الرجال، على مواصلة النضال لإزالة البؤرة الاستيطانية، وكذلك الانسجام التام في العمل واحترام الآراء جميعها، والعمل بروح الفريق الواحد، وتجنب أية خلافات سياسية. ويشير إلى أنه "لا يمكن تمييز الانتماءات السياسية لحراس الجبل أو المنخرطين بالمقاومة الشعبية، ولا نرفع إلا علم فلسطين".

ومنذ بدء أعمال البناء ببؤرة "أفيتار" مطلع مايو/ أيار الماضي، على أراضي جبل صبيح، شرع أهالي بلدة بيتا في سلسلة فعاليات متدحرجة لاقتلاع هذه البؤرة من أراضيهم وطرد المستوطنين، بدءاً بالمواجهات الأسبوعية، ثم ما لبثت أن تطورت بتسارع إلى أن وصلت للإرباك الليلي، والتي حققت نتائج ملموسة على الأرض. والتطور النوعي لدى مقاومي بيتا تمثل في الانتقال من المسيرات الأسبوعية التي كانت تخرج بعد صلاة الجمعة فقط إلى مقاومة مستمرة على مدار الساعة. وتتسبب تلك المقاومة في إرهاق الاحتلال واستنزافه، خصوصاً في ساعات الليل، من خلال تنظيم عمل وحدات "الإرباك الليلي". ويشارك مئات الشبان كل ليلة بفعاليات الإرباك من خلال 10 وحدات عاملة، تختص كل منها بوظيفة محددة.

وتأتي في مقدمة تلك الوحدات "وحدة الكاوتشوك"، الإطارات المطاطية للسيارات، ومهمتها جمع الإطارات من القرى والمدن وتوزيعها على المحاور، ومتابعة اتجاه الرياح من أجل اختيار أنسب المواقع لتوجيه الدخان إلى البؤرة. وتتولى "وحدة المولوتوف" (الزجاجات الحارقة) استهداف جنود الاحتلال بقنابل المولوتوف المصنّعة يدوياً، بينما تختص وحدة المقاليع برمي الحجارة باستخدام "المقلاع". ولعل أبرز الوحدات المستحدثة هي "وحدة المفاجأة" التي تبتدع بأشكال جديدة من الإرباك في كل ليلة.

أما وحدة الرصد والمتابعة، فترصد تحركات الاحتلال والمستوطنين، وما يجرى من أعمال التوسعة بالبؤرة، وما ينشر على المواقع الإلكترونية العبرية حول البؤرة. وهناك وحدة للدعم اللوجستي ومهمتها إعداد الطعام وتوزيع الماء والمشروبات، وتتولى هذه المهمة نساء بيتا، وكذلك وحدة الدعم المعنوي التي تقف عليها النساء ببث الروح المعنوية في أبنائهن وحثهم على الاستبسال.


تنشط وحدات "الإرباك الليلي" بقوة في العمل المقاوم

وتنشط وحدة الليزر بتسليط أشعة الليزر والأضواء الكاشفة على الجنود وعلى البؤرة، لعرقلة الجنود وإرباكهم وبث الرعب بين المستوطنين. أما وحدة الصوتيات فتستخدم الأبواق لإصدار أصوات قوية ومزعجة، وبعد منتصف الليل، تتحول لبث القرآن عبر مكبرات الصوت. كذلك توجّه رسائل صوتية إلى جنود الاحتلال باستخدام سماعات يدوية، بهدف ضرب روحهم المعنوية.

أما وحدة التدخل السريع، فتختص بإنقاذ الجرحى ونقلهم من الأماكن الوعرة إلى أقرب مكان يمكن أن تصل إليه سيارات الإسعاف، حين تقوم وحدة الإعلام بمتابعة الأحداث ميدانياً وتنقلها عبر وسائل التواصل المختلفة. ونجحت تلك الوحدات أخيراً في إحراق بيتين متنقلين في "أفيتار"، ما أثار رعب المستوطنين، ودفع جيش الاحتلال إلى مزيد من القمع والتنكيل. ويدرك الأهالي في بيتا تماماً خطر البؤرة الاستيطانية، وهو ما يعبّر عنه الناشط محمد دويكات في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بالقول: "من يعرف جبل صبيح يعلم أنه جبل مطلّ على سلسلة جبال تمتد من أطراف مدينة سلفيت إلى شمال رام الله وجنوب نابلس وطريق حوارة، وإذا بقيت هذه البؤرة، فستسقط المنطقة بأكملها وسيتم ربطها بمستوطنة معاليه أفرايم مع الأغوار، ومستوطنة كوهين وغيرها من المستوطنات. وبالتالي يسيطر الاحتلال على كل قمم الجبال".

وفيما إذا كان أهالي بيتا قد لجأوا إلى القضاء، يقول دويكات: "نحن نعلم أيضاً أن القضاء الإسرائيلي هو جندي في المؤسسة الأمنية والسياسية والعسكرية الإسرائيلية، ومع هذا فقد قدمنا من خلال محامين كل ما نملك من أوراق تثبت أن منطقة الجبل ومئات الدونمات المحيطة بها هي ملك خاص، وأصحابها يحملون وثائق وأوراقاً ورثوها من آبائهم وأجدادهم تؤكد ملكيتهم لها. وما ادّعاء الاحتلال أنها (أراضي دولة)، إلا محض افتراء. فهو يعجز حتى الآن عن إيجاد أي مخرج قانوني، ما دفعه قبل نحو شهرين إلى إخلاء البؤرة من المستوطنين، مع ترك البيوت فارغة، على أن يسمح لهم بالعودة حال حصل على قرار قضائي بذلك".